الفتنة السنّية ـ الشيعية غير مطابقة للمواصفات… فتشّوا عن غيرها !

في أقل من سبعة ايام فعلت إستقالة الرئيس سعد الحريري، مع ما رافقها من تحليلات وإستنتاجات وخلاصات وعِبر ودروس، ما لم تفعله سنوات طويلة من التباعد بين مكونين اساسيين من مكونات البلد، وهم السنّة والشيعة، على خلفية طبول الحرب التي تُقرع بقوة، وبعد الصراع الحاد بين المملكة العربية السعودية وإيران، والذي أمتدّت مفاعيله إلى بؤر التوتر سواء في العراق وفي سوريا وفي اليمن، وصولًا أخيرًا إلى لبنان.

وبدلًا من أن تتحوّل ساحة لبنان إلى ساحة مواجهة وتصفية حسابات رأينا كثيرًا من الوعي الداخلي، الذي تجاوز مطبات الخارج، في محاولة لوأد الفتنة وإبعاد خطرها بقدر كبير من المسؤولية الوطنية، التي تحلت به القيادات اللبنانية، باستثناء قلة لا تزال تغرّد خارج سرب ما يبعد عن الداخل مخططات الخارج، التي غالبًا لا تتوافق حسابات حقله مع البيدر اللبناني.

وما فعلته هذه الإستقالة، على رغم عدم وضوح ظروفها وخليفتها الحقيقية، جاءت على عكس ما تصّوره البعض أو خطّط له، وقد فاجأت بعض المواقف المعنيين، سواء من قبل هذا الطرف أو ذاك، وهي مواقف إتسمت بنوع من إيجابية غير متوقعة، أقله على صعيد توثيق عرى الوحدة الداخلية، بحيث أصبح “حزب الله”، الذي إتهمه بيان الإستقالة بأنه ذراع إيران في لبنان، في مقدمة من يطالب بعودة الحريري إلى بيروت حرًّا طليقًا وسالمًا، فيما وصل سقف تيار “المستقبل” إلى أعلى مستوياته في المطالبة بعودة الحريري “التي هي ضرورة إستعادة الإعتبار والإحترام للتوازن الداخلي والخارجي للبنان”، مع ما حمله هذا البيان من تلميحات مبطنة إلى المملكة، حين أشار إلى أن المملكة “صدمتنا”، وقد سبق لوزير الداخلية نهاد المشنوق أن مهّد لبيان “المستقبل” بقوله أن لبنان تحكمه أصول ديمقراطية وأن الأمور تتمّ فيه بعيدًا عن مفهوم المبايعة.

ما يحصل اليوم في لبنان، وما يمكن أن يحصل في الأيام الآتية، سبق للرئيس الحريري أن حذّر منه يوم كان في زيارة رسمية لإيطاليا، وقال يومها إن لبنان ليس على قدّ ما يجري بين السعودية وإيران، وهو أصغر من أن يكون عاملًا مؤثرًأ، لا إيجابًا ولا سلبًا، مما يعني أن لبنان اليوم المتروك للشائعات وللخوف من تطورات دراماتيكية، سياسيًا وأمنيًا وإقتصاديًا، غير قادر على أن يدخل في “لعبة الكبار”، وهو بالكاد يستطيع أن ينفذ بريشه نتيجة الأزمات المتلاحقة في المنطقة، والتي كان لها تأثير سلبي على أوضاعه الداخلية المتأثرة أساسًا مع أي تطور خارجي، سواء أتى من هذه الجهة أو تلك.

الوضع دقيق ولكنه غير خطير. هذا ما يحاول بعض المتفائلين الترويج له والعمل على ترجمة التمنيات إلى واقع وتجاوز المرحلة الراهنة بأقل خسائر ممكنة، خصوصًا أن صدقية العهد باتت على المحك، وهو أنهى سنته الأولى ببعض الإنجازات التي “طارت” بلمحة بصر وأصبحت مع إستقالة الحريري من الماضي ومجرد ذكريات تترك في الأدراج للتغني بها، من دون إغفال دقة المرحلة وما تتطلبه من حكمة في المعالجة من أجل حصر النتائج في زوايا ضيقة، مع ما تفرضه هذه المرحلة من تصويب للبوصلة وإعادة النظر بأولويات العهد وتحالفاته، بعدما تبيّن له هشاشتها، وهو الذي كان يعتقد أنها مبنية على صخر فبيّنت له الوقائع أنها كانت مبنية على رمال متحركة.

أندريه قصاص – لبنان 24

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى