كنعان يصارح اللبنانيين | ذاهبون الى الفوضى إلا إذا!

كما المجلس النيابي هو أمّ المؤسسات بمعايير الدور والصلاحية في البنية التنظيمية للدولة، كذلك لجنة المال والموازنة، هي أمّ اللجان بمعايير الدور والوظيفة وحساسية المهمات الملقاة عليها.

يتوقف الكثير من المتابعين عند الحراك المكثف، والمناقشات المستفيضة التي حصلت أخيرا في اللجنة، وما أقرته من قوانين خصوصا قانون “الكابيتال كونترول” لما لإقراره من تأثير مباشر على حماية بقايا الودائع في المصارف، واستجابة مفيدة أيضاً لمطالب المؤسسات الدولية المانحة، التي يعول عليها لبنان لإمداده بما يلزم للنهوض من كبوته.

يعرف رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابرهيم كنعان أن بعضاً من التمادي في التشريع الذي يقيّد تهريب رؤوس الأموال، والتدقيق في تفاصيل الموازنات العامة، والسعي لإقرار قوانين تحد من سيطرة المفسدين على المالية العامة، يضعه في موقع المستهدَف بسهام مَن يتهمونه إما باليسارية حيناً إذا ما التزم جانب الناس وحقوقهم، وإما بـ 8 آذار أو “ضرّتها” 14 آذار… اذا ما تناقضت مواقفه السياسية مع احدهما حينا آخر، أو بالليبرالية المفرطة إذا ما دافع عن بقاء القطاع المصرفي العريق، على غم وجود بعض الملاحظات لديه على أدائه، ومنع إعدامه في ظل المزايدات الشعبوية وبيع المواقف.

لا يخفي كنعان في مقابلة مع “النهار” وجعه من خسارة نحو 3 مليارات دولار ذهبت الى خزائن مهربين محميين من بعض ذوي النفوذ في الدولة، لذا كان الإسراع بإقرار البطاقة التمويلية لوقف هذا الهدر الخيالي في احتياط مصرف لبنان، خصوصا أن المباشرة بتطبيقها لحماية الاسر الفقيرة سيتزامن مع رفع الدعم وبدء الافادة من قروض البنك الدولي، بما يخفف الضغط على العملة اللبنانية وموجودات مصرف لبنان والخزينة.

يعوّل كنعان بقوة على حكومة جديدة فاعلة ومتجانسة تكبح فرامل الانهيار وتوقفه، وتعِدّ ما يلزم من خطط اقتصادية علمية، ومشاريع قوانين عاجلة، وتقود بأسرع ما يمكن التفاوض مع المؤسسات الدولية المانحة والدول الصديقة والشقيقة لاستجلاب ما أمكن من الدعم لإعادة استنهاض البلد ووضعه على مسار الإنقاذ.
كنعان الذي أجاد سابقا في بناء ثقة مع خصوم كثر في الوسط السياسي، مارس اقصى ما استطاع من دينامية التوافق التي يؤمن بها بقوة لجمع مختلف اطياف المجلس النيابي وكتله لإقرار ما أمكن من قوانين تخدم، اذا ما طُبّقت بشفافية ونزاهة، اعادة بناء الدولة على اسس سليمة ووقف الانهيار وحماية الامن الإقتصادي والاجتماعي للبنانيين. وهو ما يؤكده “التواصل القائم مع النائب جورج عدوان والذي لم ينقطع”.

مصير “الكابيتال كونترول”؟
من “الكابيتال كونترول” نبدأ… فهذا القانون، وفق كنعان، “كشف نوايا الجميع بمن فيهم مَن غالوا ولا يزالون في رفع شعارات المحافظة على أموال المودعين ومن اتهمنا بتنفيذ خطة المصارف ومصرف لبنان. فأين هم اليوم بعدما أقِرّ القانون في لجنة المال والموازنة وقوبل بمعارضة معلنة من المصارف وغير مباشرة من مصرف لبنان، وذلك لسحبه ورقة الحوالات والسحوبات من استنسابية المصرف وتعاميم مصرف لبنان الى المجلس النيابي، أي من خلال التشريع الاستثنائي؟”.

أما السحوبات التي أجازها، فهي بالدولار والليرة اللبنانية، كما التحويل استثنائيا للخارج بغرض تغطية نفقات الطلاب الموجودين خارج لبنان وبسقف مقبول ومدروس، وهو ما دأب كنعان على المطالبة به منذ اليوم الأول، أي منذ تأليف حكومة الرئيس حسان دياب ونيلها الثقة في شباط 2020، والتي فشلت في إحالة مشروع قانون الى المجلس النيابي، بما اضطره مع عدد من النواب الى التقدم باقتراح قانون في أيار 2020.

ليس خافيا ان الاوضاع المعيشية الى مزيد من التدهور مع ارتفاع سعر صرف الدولار وما يسببه من ارتفاع في الاسعار، ولكن الملاحظ أن عدد المستفيدين من البطاقة التمويلية إنخفض الى 500 ألف عائلة بعدما كان الحديث عن 750 ألف عائلة. كما طرح اقرار البطاقة الكثير من علامات الاستفهام حول الجهة التي يمكن أن تعمل على تأمين المال اللازم لها في ظل الشحّ في السيولة لدى مصرف لبنان. فهل يمكن تمويلها من المبلغ المخصص للبنان من صندوق النقد الدولي؟ وهل يجوز قانونا استبدال هدف قروض البنك الدولي لتمويل البطاقة؟

يجيب كنعان عن هذا السؤال بسؤالين: “هل باستطاعتنا أن نستمر بالدعم المقرر من الحكومات المتعاقبة ومصرف لبنان كما كان أو كما لا يزال اليوم مع كل التهريب القائم والكلفة الباهظة من أموال المودعين التي تكبدوها ولا يزالون؟ وهل باستطاعتنا ترشيد الدعم أو رفعه من دون حماية المواطن اللبناني من لهيب الأسعار خصوصا على السلع الأساسية؟”. ويؤكد أنه “اذا قامت الحكومة بالمطلوب منها مع البنك الدولي لإعادة تخصيص عدد من القروض غير المنفذة فإن كلفة البطاقة من الاحتياط ستنخفض وستساهم بوقف سرقة ما يقارب 3 مليارات دولار من أموال المودعين لتغطية تهريب منظم تشارك فيه مكونات سلطوية يدافع عنها يسار مزيف”.

“ثمة ما يقارب الـ 500 الف عائلة ستستفيد من البطاقة، أما الآلية فستحددها لجنة وزارية”، وفق كنعان الذي كان قد أعلن في الجلسة التشريعية الاخيرة أن “ليس هناك من حل فعلي إن لم يكن هناك من متابعة حكومية فاعلة ومسؤولة بعيدا من الخلفيات السياسية والطائفية. وهنا بيت القصيد بالنسبة الى التفاوض المطلوب من البنك الدولي الذي بدأ نيابيا من خلال جلسات لجنة المال بمشاركة وزارة المال والبنك الدولي الذي عبّر ممثلوه في هذه الجلسات عن رغبة واضحة في التجاوب مع أي طلب رسمي تقدمه الحكومة”.

سلف الكهرباء والفيول؟
فيما تتعامل السلطة السياسية مع ملف الكهرباء وكأنه مستجد، وفي وقت تعجز “مؤسسة كهرباء لبنان” عن تأمين الدولارات اللازمة لشراء الفيول لتشغيل المعامل، وتلجأ الى سلف الخزينة التي باتت تشكل ضغطا على ما تبقى من دولارات في مصرف لبنان، يرفض الاخير فتح الاعتمادات لعدم المسّ بالاحتياط لديه.

إلا أن المشكلة في الاساس، برأي كنعان، “ليست فقط في سلف الفيول والكهرباء، إنما بمعظم السلف، وسياسة الدعم الشاملة المترافقة مع عجز كبير في المالية العامة ناتج عن هدر وفساد في الموازنات وغياب الحسابات العامة منذ 25 سنة من خلال إدارة مالية قال عنها البنك الدولي في أحد تقاريره الأسوأ في العالم”. ولكن ما هو دوركم كنواب أو كلجنة نيابية او كتل نيابية؟ “المعالجة لا يمكن أن تكون مجتزأة”، يقول كنعان، “لذلك كان التدقيق البرلماني بالمالية العامة من خلال لجنة المال والموازنة والذي استمر سنوات وأثمر إعادة تكوين الحسابات المالية وإحالة المخالفات والتجاوزات الى ديوان المحاسبة. كما رفضت لجنة المال والموازنة وردت الكثير من البنود التي أعتاد المجلس النيابي إقرارها من الاجازة بالاستدانة الى إنفاق القروض والهبات من دون رقابة، وأصدرت عشرات التوصيات الاصلاحية التي تجاهلتها الحكومات حتى وصلنا الى الوضع الراهن”.

لا حكومة = الفوضى؟
الى أين نحن ذاهبون، الى رفع الدعم أم ترشيده أم…؟ يبدو كنعان واثقا بأن لبنان ذاهب حتما الى الفوضى، “طالما انه ليس هناك حكومة تعد خطة متكاملة تلحظ ترشيد الدعم والبطاقة التمويلية و”الكابيتال كونترول” وغيرها. فعلى ضوء تحديد كل هذه الخطوات والسقوف يصبح هناك امكانية لمعرفة تحديدا ما الحاجة وما هي الالتزامات المطلوبة. وعدا ذلك، فإن كل ما يتخذ من اجراءات لا تعدو كونها “ترقيع بترقيع”. نحن بحاجة الى سلطة تنفيذية تتحمل مسؤوليتها بدل رمي كل الحمل على الشعب وعلى المجلس النيابي. نحتاج الى سلطة لديها رؤية مالية واقتصادية شاملة. هذه الرؤية تضعها الحكومات التي تغيبت وغيبت نفسها مدى عقود من الزمن عن اتخاذ قرارات مصيرية، بما اوصلنا الى ما وصلنا اليه”.

وفي وقت تمر البلاد بظروف مالية واقتصادية صعبة، وبعد الحملات التي شُنت على المجلس النيابي لإقراره سلسلة الرتب والرواتب التي اعتبر البعض أنها سرّعت الانهيار المالي، كان لافتا مطالبة كنعان بإنصاف رتباء الضابطة الجمركية. ولكنعان تبريراته في هذا السياق، إذ “لا دولة من دون قطاع عام، كما أن لا اقتصاد من دون قطاع خاص. ولكن في الضابطة الجمركية نتكلم عن عدد محدود جدا من الرتباء الذين ظُلموا في ترقيات سابقة ولم تتم مساواتهم بأقرانهم في الأسلاك العسكرية الأخرى، وقد درسنا الأثر المالي الذي تبين أنه رمزي جدا ما جعل عملية الموافقة المشروطة بإعادة النظر في الملاك ممكنة”.

يلاحظ كنعان التناقض الفاضح في الحملات التي تُشنّ ضد لجنة المال والموازنة وضده من بعض المأجورين “فعندما ننصف أجيرا أو رتيبا أو أستاذا أو عسكريا أو موظفا نُصنّف باليسار “الستاليني”، وعندما ندقق بالمالية العامة ونظهر التجاوزات بمليارات الدولارات نُتهم بـ 8 آذار، أما عندما ندقق بأرقام خطة الحكومة ونظهر المبالغات والنواقص فيها فنصبح من جماعة الحريرية واليمين المتوحش … إنه الدليل القاطع على أننا نعمل على مسافة واحدة من الجميع من دون أي خلفيات مسبقة، وعلى انعدام أي صدقية عند هؤلاء”.

ويبدو مقتنعا بأنه “عندما تهاجَم من قِبل أكثر من فريق مسؤول عما وصلنا إليه من انهيار، فهذا يعني أنّك تقف في صف الناس، وتدافع عن حقوقهم، وقد سعيتُ، وما أزال، الى الفصل بين موقعي في رئاسة لجنة المال والموازنة وبين موقعي السياسي… فمصالح الناس فوق كلّ اعتبار”.

 

المصدر : سلوى بعلبكي – النهار

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى