الحكومة امام امتحان ملف العسكريين الشهداء!

ثمة من ينظر الى الحكومة على انها استنفذت كل ما كان يمكن ان تقدمه، بعد موجات من الاحباطات والدوران في دائرة التأزم السياسي والمعيشي، واخطر ما يدلل على انها باتت مستنزفة بالكامل، معالجاتها «المأساوية» لملف الارهاب في جرود السلسلة الشرقية للبنان، والاستخفاف في التعاطي مع قضية وطنية من الوزن الثقيل، تمثلت بـ «خطف» اكثر من 35 عسكريا من الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي، كشف النقاب عن مأساتهم بعد ثلاث سنوات من المعاناة ..من دون ان تبادر الحكومة الى تأمين الغطاء السياسي للجيش بالتعامل مع الواقع الميداني الذي فرضته «غزوة عرسال» الارهابية.
وبالرغم من حجم الافلاس الذي تبدو عليه تركيبة الحكومة، وحال الانفصام الذي تعيشه في شتى الملفات، الداخلية والخارجية، وبخاصة في ملف العلاقات اللبنانية ـ السورية، وتموضع رئاسة الحكومة التي نادت بـ«النأي بالنفس» في صراعات المنطقة، كما بقية الاطراف في الحكومة، ليجعلها حكومة غارقة في معسكرين يتصادمان في المنطقة، يتصدر الصراع بينهما المشهد الاقليمي والدولي، وبالرغم من تخبط الحكومة في سياساتها الاقتصادية وتعثر خطواتها لصياغة سياسة ضرائبية تتناسب واقرار سلسلة الرتب والرواتب، فيما لم تقم باي خطوة فعلية في مجال محاربة الفساد، وعجزها المفتعل عن اجراء الانتخابات النيابية الفرعية في الشمال وكسروان، بما يخالف القوانين، فان اي مؤشرات عن تغيير حكومي لم تظهر بعد، بالرغم من ما تراه اوساط سياسية من خارج اصطفاف معسكري ما كان يُعرف بقوى 8 آذار و14 ذار، بضرورة التغيير الحكومي، لكونه يلبي الحاجة الى تغيير في نمط مقاربة الملفات ويواكب مرحلة التحضير للانتخابات النيابية، في حال تقرر اجراؤها في ايار المقبل، سيما وان سجالا يجري بين الصالونات السياسية، بعضها على مستوى مرجعيات في الدولة، حول قانون الانتخاب والمسائل الاجرائية فيه و«مأثرة» البطاقة الممغتطة، الامر الذي يضع القانون على طاولة البحث من جديد، من دون ان يُبعِد بعض الاوساط «شبح» التمديد الرابع للمجلس النيابي، اذا ما ادخلت مخاوف وهواجس التيارات والاحزاب الممثلة للطوائف تعقيدات قد تطيح بالانتخابات، الامر الذي سيكون تعبيرا لهذه القوى عن رغبتها في تجنب النتائج «المزعجة» التي سيحدثها قانون النسبية، وهي حسابات لم تكن واضحة بالكامل قبل اقرار القانون.
الا ان الملف الاكثر اثارة للجدل والحساسية الذي كشف العجز الحكومي الفاضح الذي تعاقبت عليه حكومتان، كان ملف العسكريين الذين اختطفتهم التنظيمات الارهابية في الجرود، وهو ملف مطروح بقوة في الساحة السياسية، وفيه يراهن البعض على الحماسة والجدية التي اظهرها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ومعه جهات نيابية ووزارية وحزبية وسياسية، ما خلق صعوبة في اختراق حالة شبه الاجماع على تشريع الابواب لاجراء تحقيق واسع وشفاف يكشف خبايا ما جرى في جرود عرسال قبل ثلاث سنوات، والشروع في محاكمة اي متورط في خطف العسكريين، وبالتالي، يُسجل في السياق ان رئيس الجمهورية الذي اكد على المضي في التحقيقات لكشف حقائق الملف الذي يشكل باجماع اللبنانيين، اخطر الملفات الامنية التي هددت حياتهم على اختلاف انتماءاتهم الدينية والحزبية، ما فرض اجواء عامة تسير في اجراء التحقيق، وفق مسارين سياسي حول مسؤولية الجهات الرسمية المعنية من جهة، والمسار الجنائي الذي سيستند الى سيل من الشهادات والاعترافات عن متورطين في «استضافة» العسكريين لفترة قبل ان يُنقلوا الى الجرود يوم كان معقلا للتنظيمات الارهابية، وهو المسار الذي سيشق طريقه حتى النهاية.
ولعل اولى تباشير الامساك بملف العسكريين ـ الشهداء، كلام رئيس الجمهورية المسؤول تجاه قضية تمس بالدولة قبل ان تمس بالمؤسسة العسكرية، وتأكيد قائد الجيش على المضي في كشف كل الملابسات المتعلقة بخطف العسكريين، لتأتي عملية توقيف رئيس البلدية السابق علي الحجيري «ابو عجينة»، وملاحقة اثر مصطفى الحجيري ( ابو طاقية) المتواري عن الانظار، وهما من ابرز الوجوه التي ارتبطت بملف العسكريين، كدلالة على فتح الباب الصحيح للدخول في عمق الملف وتفاصيله التي نُشرت مقتطفات عنها على شاشات التلفزة، وترى اوساط متابعة ان الوضع لا يحتمل التعاطي مع ملف القضية على انها روتينية،.. نريد لبنان المتعايش مع جرائم الارهاب التي ترتكب بحق مؤسسة وطنية حامية للبنانيين هي مؤسسة الجيش اللبناني؟، لِتُفتح الابواب على شريعة الاحكام الشعبية التي توجه الاتهام وتحكم في آن..وهذا ما لا يمكن لاي حكومة ان تتحمله.
ولان بعض المحسوبين في السياسة على جهات سياسية نافذة، هو اليوم في «دائرة الشبهة» بدور ما في احداث عرسال، وبخاصة في عملية خطف العسكريين ..الشهداء، وبعض هؤلاء اصبح موقوفا لدى القضاء العسكري الذي سيكشف مدى تورطهم، فان الساحة السياسية ستكون مرشحة للدخول في موجة جديدة من التسخين السياسي، فالملفات المفتوحة كفيلة بخلق مثل هذه الموجة، .. قد يمضي ملف الجنود ـ الشهداء ليُلبي شبه الاجماع اللبناني على محاكمة المتورطين ؟، لان ما تحمله القصة الكاملة لـ «غزوة عرسال» في آب العام 2014، تؤكد ان ما جرى لم تكن «ملابسات» او مجرد حادثة، فهل سيتم تجاوز ظروف «الحفاظ على التعايش والسلم الاهلي»، وفق ما ردد وزير الداخلية بالامس، في اطار رده على «قلة الاخلاق السياسية» التي هاجمت رئيس الحكومة سعد الحريري والرئيس تمام سلام وقائد الجيش السابق جان قهوجي، من مسألة التعاطي الحكومي مع ملف جرود عرسال والجنود، الذي انطلق من الحفاظ على بلدة عرسال واهلها..
يبقى هناك من ينتظر الشارات الاولى التي تدلل على رفع الغطاء السياسي عن المتورطين… والمقبل من الايام سيرسم مدى منسوب الجدية في المحاسبة والمحاكمة.
امام كل هذه الجغرافيا الواسعة التي سيطرت عليها التنظيمات الارهابية في سوريا والعراق، بقي بعض الاطراف السياسية من مناصري «الثورة السورية»!، «يستكتر» على تنظيمي «جبهة النصرة» و«داعش» الارهابيين، القيام بـ «غزوة عرسال»، لاقامة «غيتو» في الجرود «يجمع شمل» الارهابيين من لبنان وسوريا، وهم سعوا، وفي محاولات يائسة تجاوزت حدود النكايات السياسية، الى اتهام «حزب الله» بـ «استدعاء» الارهاب الى الجرود.. ويتناسون ان من كشف مصير الجنود الشهداء هو «حزب الله» الذي وضع مصيرهم كبند اول في اي صفقة يتم التوصل اليها، في اطار الاستسلام المهين لتنظيم «داعش»، لم يسبق له ان شهد مثيلا له، بعد المعركة العسكرية «ان عُدتُم عُدنا» التي جمعت «حزب الله» والجيش السوري في جرود عرسال، واستكملت بالتزامن مع معركة الجيش اللبناني «فجر الجرود» في جرود رأس بعلبك والقاع.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى