وما زالت الكلمات المتقاطعة لعبة موظفي الدولة

لطالما أغرتني شرفة بيتي المطلة على إحدى الدوائر الرسمية في زحلة على استراق النظر إلى مكاتب موظفيها. ومنذ أيام استوقفني مشهد موظف انكب على أجزاء من جريدة يحاول حل شبكة الكلمات المتقاطعة. كأنه في سباق مع الدوام الرسمي “الممدد”، الذي شارف على نهايته.

للحقيقة لم أعد ألتقي بشبكات الكلمات المتقاطعة، منذ انتشرت حمَى Ipad والهواتف الذكية، حتى بين أيدي المتقدمين سناً، باستثناء أمي التي لا تزال رغم لحاقها بالتكنولوجيا الحديثة تجد في الكلمات المتقاطعة محفزاً للذاكرة.

أعجبتني مثابرة الموظف على الشبكة التي بين يديه. وذهبت بعيداً في التأمل في أن يكون تمديد ساعات العمل رسمياً فرصة لـ”إنعاش” الصحافة الورقية، ولو من باب صفحاتها المخصصة للكلمات المتقاطعة.

لمَ لا؟ فحل هذه الشبكة بالنسبة إلى كثيرين ممن “حشروا” في وظائف “من دون مهمات” أو حتى الذين تحولت مهماتهم إلى مكان آخر من دون تعديل مواز في الكوادر الوظيفية، قد يكون له فوائد متعددة. فإلى جانب تحفيز القدرات الذهنية وتقوية الذاكرة، كما تراها أمي، هي فرصة ليتفاعل مع زملائه في إكتشاف بعض الكلمات، أو التنافس على حلها. وكله يؤدي إلى التسلية طبعاً.

والأهم أن الانكباب على هذه الشبكات قد يلهي الموظف عن أمور مضرة، كالسيجارة، التي يفترض أنها ممنوعة في الدوائر الرسمية، أو القهوة التي يكون قد تناول منها أكثر من فنجان في أكثر من مكتب منذ بداية اليوم. وفي ذلك أيضاً توفير من فاتورة الكهرباء التي تتكبدها المؤسسة من خلال ابقاء “ركوة” القهوة على سخان الكهرباء، أو استخدام الهاتف الأرضي في الاتصالات الشخصية. وتوفير أيضاً لإستهلاك بطارية الهاتف الشخصي، الذي لا غنى عن استخدام تطبيقاته من باب التنويع.

وهذا التنوع في وسائل التسلية قاتل لروتين يصبح ثقيلاً مع تمديد ساعات العمل في المؤسسات العامة. فتنجح شبكات الكلمات المتقاطعة في تمرير آخر ساعات الدوام، وتلهي الموظف حتى عن فكرة الطعام، كي لا يفسد قابليته على الأكل المنزلي. ليبقى الأهم أنه إذا نجح في حل الشبكة فعلاً سيغادر مكتبه باكتفاء معنوي، كونه أنجز شيئاً ما خلال يوم مخصص للانتاج.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى