خطيئة الحريري المميتة اهماله للسياسة

من رحم مقتضيات الحرص على الاستقرار الداخلي وحركة الاتصالات الدولية المتسارعة التي قادتها في شكل خاص فرنسا ومصر والداخلية التي كثفها فريق 8 آذار وارفقها باجتماعات مكوكية بين مكوناتها من جهة ومع قصر بعبدا من جهة ثانية، وُلد قرار «التريث» في انتظار تلمّس مدى جدية الضمانات والوعود التي قدمت، وفي شكل خاص التزام حزب الله سياسة النأي بالنفس وانسحابه من الساحات القتالية العربية وبعدها اطلاق حوار داخلي حول مصير السلاح.
من هنا تكشف مصادر دبلوماسية ان التجاوب مع «المطالب» السعودية سيواجه بمرونة من قبل المملكة، التي ابدت خطوة ايجابية بايفادها سفيرها الجديد الى بيروت والذي ينتظر ان يقدم اوراق اعتماده قريبا،وهي ان ارادت بذلك اظهار انها لن تنسحب من الساحة اللبنانية مؤكدة انها ستتولى مباشرة الملف اللبناني دون وكلاء، ارادت التاكيد على رغبتها بتحييد الدولة ككيان، وعادت واستتبعت تلك الخطوة بارسال دعوة للبنان للمشاركة في مؤتمر وزراء دفاع التحالف الاسلامي لمحاربة الارهاب.
وتتابع المصادر ان رؤية المملكة العربية السعودية باتت واضحة لجهة ربطها الملف اللبناني بما يجري في سوريا والعراق امتدادا الى البحرين واليمن، بعدما نجح حزب الله في التحول الى قوة اقليمية اكبر بحجمها من لبنان وحدوده،معتبرة ان هفوة «الميني تدويل» التي ارتكبها الممانعون في لبنان، وان جاءت شكلا في غير مصلحة السعودية الا انها في المضمون جعلت من مطالب الرياض هدفا دوليا، وهو ما تضمنته كل المبادرات المطروحة، والتي ستتضح بنودها خلال الايام المقبلة والضمانات التي قدمت في شانها، والتي في نهايتها تؤمن مصالح المملكة في المنطقة على حساب التمدد الايراني، مستدركة بان التجربة تشير الى ان حزب الله الذي لا ينحني مع الرياح لا بد ان يبادر في اللحظة المناسبة ويقلب الطاولة فوق رؤوس الجميع، لذلك فان جولات كثيرة لا زالت في انتظار اللبنانيين،حيث يلعب الجميع لعبة كسب الوقت على ارضهم وفي ساحاتهم.

واشارت المصادر الى ان الرياض اوصلت رسالة واضحة الى كل من يعنيهم الامر في الداخل والخارج بان التوازن عاد الى الساحة اللبنانية من خلال استخدامها سلاح تعطيل السلطة التنفيذية في مواجهة سلاح حزب الله، فالرئيس سعد الحريري موجود في الرئاسة الثالثة بقرار سعودي لتسهيل امور «العهد العوني»، وفقا للصفقة الكبرى التي ابرمت والتي اعادت معها المملكة الى المعادلة اللبنانية، وهي اليوم تعيد التذكير بهذه المعادلة، ذلك ان عودة الحريري الى الحكومة دون غطاء سعودي لن تفيد العهد وحلفاؤه بل ستنعكس سلبا عليه.

من هنا تخلص المصادر الى ان ابرز جوانب المشاورات الجانبية الجارية والتي يقودها الفرنسيون والمصريون، تهدف الى اصلاح العلاقة بين الرئيس الحريري والقيادة السعودية، «الممتعضة» من فريق العمل الحريري كما من الاداء العام، كاشفة في هذا الاطار ان تقارير عدة وصلت الى الخارجية السعودية طوال الاشهر الماضية من السفارة في بيروت تتحدث عن تململ سياسي وشعبي كبيرين في اوساط القاعدة السنية ضد السياسة التي ينتهجها بيت الوسط، والتي افشلت محاولات المملكة اعادة احياء تحالف الرابع عشر من آذار، متسائلة كيف لم يقرأ الشيخ سعد الدعوات لقيادات لبنانية في الرابع عشر من آذار ولم يتنبه لمغزى تلك الرسائل، مقرة بان خطأه الاساس انه ترك ادارة الملف السياسي لبعض المحيطين به فيما ركز على حل مشاكله المالية، فكان تفرد هؤلاء بالقرارات فوصلت الامور الى ما وصلت اليه.

وتختم المصادر بان المهلة الفاصلة عن بداية السنة المقبلة ستكون حاسمة،ذلك ان المملكة ستتولى ادارة مصالحها في لبنان بالتنسيق مع الدول الخليجية وعبر اقامة خلية عمل دبلوماسية في بيروت تكون لها كلمة الفصل في رسم السياسة الخليجية تجاه هذا البلد وكيفية التعامل مع التطورات .

المصدر : ميشال نصر – الديار

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى