بين عون وبرّي.. وداعاً لشهر العسل والحريري يتريّث من جديد

يبدو أن شهر العسل الذي فرضته أزمة استقالة الحريري بين بعبدا وعين التينة قد شارف على الإنتهاء ووصل إلى حلقته الأخيرة، بحيث لم يكن ينقصه سوى الأسباب الموجبة لإعلان “فرطه” على الملأ، وقد شكلت دورة ضباط عام 1994 المعروفة بــ “دورة عون” الذريعة العلنية لإنهاء الحالة المستجدة التي فرضتها ظروف الوحدة الوطنية وخصوصية الحالة اللبنانية في المنطقة.

بحاجة إلى توقيع وزير المال، ليست بحاجة إلى توقيعه، جملتان باتتا مصدرا أساسيا للخلاف الكبير الذي قد يهدد وحدة العمل الحكومي برمته، فعندما يعتبر رئيس المجلس النيابي نبيه بري وهو المعروف بتدوير الزوايا وصاحب مطفأة الحرائق بأن الموافقة على إعطاء سنة أقدمية لضباط الدورة المذكورة دون المرور بالوزير علي حسن خليل ضربة لاتفاق الطائف، ناعيا المادة 54 من الدستور لا بد عندها من التوقف مليّاً عند السقف العالي لسيد عين التينة في الكلام. نبرة لم يعهدها اللبنانيون من رئيس السلطة التشريعية من قبل وهي التي أتت في معرض رده على كلام رئيس الجمهورية الذي اعتبر بأن توقيعه إلى جانب توقيع رئيس الحكومة ووزير الدفاع كافيا لتمرير القرار، كلام ربما تعمّد “عون” إطلاقه من على منبر بكركي في إشارة منه ربما بأنه يحظى بتأييد الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.

بداية ما هي دورة عام 1994 التي أثير الجدل حولها الآن؟ ولما كل هذه التصريحات والردود المضادة حولها؟ تشرح مصادر عونية في معرض حديثها عن خصوصية هذه الدورة:

ضباط دورة 1994 إلتحقوا بالكلية الحربية في أوائل عام 1990 في شهر كانون الثاني منها لكنهم لم يتخرجوا إلا في آب 1994، ما يعني بأنهم أمضوا 5 سنوات في الكلية الحربية بدلاً من ثلاث. وما يعني أيضاً أن تأخير تخرجهم لعامين أخر ترقياتهم لسنتين، ما يجعل عدداً منهم أمام إمكانية الإحالة على التقاعد برتبة عقيد، قبل الترقية إلى رتبة عميد لمن بلغ سن الـ 56، وقد أتت خطوة رئيس الجمهورية لتعوض ضباط هذه الدورة بعضا من الغبن الذي لحق بهم وأعطتهم سنة أقدمية بدلا من السنتين اللتين خسرهما ضباط الدورة في حينها.

يقول مستشار رئيس الجمهورية “جان عزيز” في معرض حديثه لـ”لبنان24″ بأن مرسوم إعطاء سنة أقدمية لضباط عام 1994 بات ناجزا ومفاعيله قائمة دستوريا وهو لا يحتاج إلى توقيع وزير المال، فكل مراسيم الأقدميات منذ إنشاء الجيش اللبناني لا يوقعها وزير المالية، يضيف “عزيز” بأن وزير المالية الحالي نفسه علي حسن خليل كان قد “وقع على ترقيات لضباط” حاصلين على أقدميات دون “توقيع منه شخصيا” ومنهم أمين عام مجلس الدفاع الأعلى اللواء “سعد الله الحمد” الذي حصل على ترقية موقعة من وزير المال استنادا إلى أقدمية بمرسوم غير موقع من وزير المال!

وردا على سؤال حول اعتبار وزير المالية “مختصا” في هذا الملف وبالتالي فإن توقيعه ضروري لتمرير المرسوم ينفي “عزيز” هذا الأمر فوزير المال هنا ليس من أصحاب الإختصاص كون “الأقدمية” لا ترتب أي عبء مالي على الخزينة لأن رواتب الضباط الذين أعطيوا أقدمية بقيت على حالها دون أي زيادات، فالموجبات المالية تحصل في الترقيات لا في الأقدميات، وعن ضرورة نشر المرسوم في الجريدة الرسمية لاعتباره ساري المفعول يشدد “عزيز” بأنه لا ضرورة لذلك فالمراسيم الإسمية ليست بحاجة للنشر في الجريدة الرسمية وهي لم تنشر يوما في تاريخ الجريدة منذ نشأتها.

وعن موقف النائب وليد جنبلاط الداعم لبري في ملف مرسوم الأقدمية يؤكد “عزيز” بأن جنبلاط حريص على التوافق في البلد وهو يحاول تدوير الزوايا وإيجاد المخارج والتسويات وهذا أمر جيد، على أن تتم التسويات وفق الأصول والقوانين وأن تحفظ حقوق كل المعنيين بها، وعن المعلومات التي تحدثت عن وساطة لحزب الله بين “عون” و “بري” لإيجاد مخرج ينفي “عزيز” هذه الأنباء فالتواصل مع حركة أمل لم ينقطع يوما ولسنا بحاجة إلى طرف ثالث مع إحترامنا للجميع ويختم مستشار الرئاسة الأولى حديثه “بأننا متمسكون بإتفاق الطائف وبالمقتضيات الميثاقية وما حصل هو تجسيد للطائف فلسفة وروحا ونصا والعلاقة مع الرئيس نبيه بري جيدة جدا وستستكمل وستوصل إلى كل ما يمكن أن يؤمن المصلحة العامة للوطن”.

من جهته يعتبر مصدر مواكب في حركة أمل كلام “جان عزيز” عن عدم اختصاص وزير المالية في موضوع مرسوم الأقدمية، بتعبير جنوبي، نوعا من “التعتير”، يكمل المصدر بأن الرئيس نبيه بري أراد في كلامه الأخير تصويب الأمور وتصحيح الخلل الدستوري والقانوني وعودة الأمور وفق ما ينص الدستور وتحديدا المادة 54 منه الواضحة “متل عين الديك” و”فطاحل القانون” في البلد يشهدون لجهة توقيع الوزراء المختصين على المرسوم ومنهم وزير المال بالدرجة الأولى كون الأقدمية يترتب عليها مفاعيل مالية وبالتالي توجب توقيعه.

ورداً على سؤال حول كيفية ترتب أعباء مالية على الأقدمية دون رفع رواتب المستفيدين من الأقدمية، يشرح المصدر وجهة نظر الحركة: ببساطة إن إعطاء تعويض نهاية خدمة لأي موظف عادي عمل لمدة سنتين داخل إحدى المؤسسات لن يكون كتعويض موظف آخر عمل لمدة 4 سنوات على سبيل المثال وعليه فإن الأقدمية توجد أعباء مالية بطبيعة الحال والأمر بسيط جدا.

يختم المصدر، المرسوم عينه كان قد تقدم به العماد عون على شكل إقتراح قانون إلى المجلس النيابي عندما كان نائبا ولم يقر وقد ألقيت في حينها أكثر من 50 مداخلة ضد الإقتراح المذكور الذي لا زال في اللجان النيابية حتى اليوم، وقد حاولوا تمريره أمام المجلس العسكري فيما بعد لكنه أيضا لم يقرّ.

بين بري وعون يقف الرئيس سعد الحريري متريثا حائرا في موقفه، فهو وقع مرسوم الأقدمية إرضاء لعون وأجل نشره في الجريدة الرسمية إكراما لبري الذي حاول استمالته عبر دغدغة عواطفه وغامزا من قناته عبر تذكيره بأن وزير الداخلية نهاد المشنوق لم يوقع أيضا على المرسوم وهو يعتبر من الوزراء المختصين نظرا لوجود ضباط من قوى الأمن الداخلي في إحدى بنود القرار. الحريري الذي بدا رماديا في الفترة الأخيرة بات مكبلا في هذه المرحلة، فلبعبدا دين ثقيل عليه وجب تسديده منذ فترة الأيام الصعبة في المملكة العربية السعودية وفي نفس الوقت لا يريد أن يفرط “حلمه الخماسي” المتمثل بجمعه والرئيس بري وحزب الله وجنبلاط وعون في حلف واحد ضماناً منه لأقل الخسارات التي سيقتطعها منه بلا أدنى شك النظام الإنتخابي الجديد.

هي جولة صغيرة، ربما تقصر أو تطول بين الرجلين، فالذهنية السياسية وطريقة الإدارة المختلفة قد يزيدان المسألة تعقيداً. فهل سيكون لحزب الله دوراً رئيسياً في فكّ العقدة بين الطرفين؟ او سيبقى على الحياد ضماناً للمجاهرة برأيه في الملفات الدسمة القادمة بعدما آثر السكوت في قضية “دورة عون”؟ وماذا عن موقف الحريري؟ سؤال قد تجيب عنه الأيام القادمة.

(إيناس كريمة – خاص “لبنان 24”)

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى