“بن سلمان” والتحدي القادم.. القضاء على نفوذ “الإسلام المُحافظ” هو العقبة الكبرى أمام ولي العهد السعودي

أرادت أروى النعيمي أن تكون فنانةً منذ أن كانت طفلة، إلا أنَّ نشأتها في منطقة عسير المُحافظة بالسعودية جعلتها مُقيدة بنسخةٍ صارمة من الإسلام السُني حَددت شكل الحياة في المملكة، وشكلت صورتها أمام العالم الخارجي لمدةٍ طويلة. فعندما رسمت عصفورةً ذات مرة، تتذكر أروى أنَّ معلميها وبّخوها وشطبوا على رأس العصفورة، وقالوا إنَّ الله وحده هو الذي يمكنه خلق الحياة.

والآن تواجه تلك السيطرة الدينية أصعب تحدٍّ لها في العصر الحديث. إذ يتحرك القادةُ السعوديون الحاليون -مدفوعون بالحاجة إلى تنويع موارد الاقتصاد السعودي المُعتمد على النفط- بشكلٍ أسرع من أيٍّ من أسلافهم لحل إرث الإسلام المحافظ الذي سيطر على البلاد منذ 4 عقود مضت وشكّل طريقة تربية الأجيال التي عاصرت تلك الفترة.

يقود ذلك التحول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ويرى أنَّ التحرر الاجتماعي جزء حيوي من خطة التحديث الاقتصادي الجذرية، وتعهّد بإعادة بلاده إلى نسخةٍ أكثر تسامحاً من الإسلام، وفق تعبير صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.

قال الأمير خلال مؤتمرٍ استثماري عُقَّد في الرياض أكتوبر/تشرين الأول: “نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام المتسامح المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان والتقاليد والشعوب”.

تُعتبر أروى (32 عاماً) اليوم نجمةً صاعدة في مشهد الفن المعاصر المزدهر في السعودية. وتقول: “في السابق، كانت لديّ علاقة حب وكراهية في نفس الوقت مع السعودية. كنتُ أفكر كثيراً في مغادرة البلاد. أردتُ أن أذهب إلى مكانٍ يمكنني أن أحظى فيه بحياةٍ طبيعية. والآن، الحياة الطبيعية قادمة إلينا”.

وفي سبتمبر/أيلول، أعلنت السعودية أنَّ الحظر الوحيد من نوعه في العالم على قيادة النساء سيُلغى هذا الصيف. وستُفتح دُور السينما قريباً بعد حظرٍ دام 35 عاماً. وكذلك ستعود قريباً الموسيقى التي كانت تُعتبر من المحرمات على نطاقٍ واسع، وحتى وقتٍ قريب نادراً ما كان يُسمح بتشغيلها في المطاعم. وسيُسمح للمرأة لأول مرة يوم الجمعة بالدخول إلى ملعب لمشاهدة مباراةٍ لكرة القدم.

دفعت هذه الجهود إلى ظهور مقاومة من أولئك الذين حذروا من إلغاء عقودٍ من الفتاوى المنسوجة ضمن النسيج الاجتماعي السعودي، خاصةً من المحافظين الدينيين الذين لا يزالون يشكلون جمهوراً يتمتع بقدرٍ من القوة.

ومن ضمن أولئك الذين يدعمون التغييرات مثل تشجيع المزيد من النساء على الانضمام إلى القوى العاملة، يجد البعض في سرعة التحرير الاجتماعي أمراً مُثيراً للقلق، قائلين إنَّهم لا يريدون أن تفقد السعودية هويتها الدينية المعروفة.

ولا تزال هناك الكثير من القيود، ومن غير الواضح ما إذا كانت ستُلغى في يومٍ من الأيام. وحتى يومنا هذا، يُفرَض على النساء ارتداء رداءٍ يصل طوله إلى الأرض، وتُغلق المحلات عدة مرات في اليوم من أجل الصلاة. ويُفصَل بين الجنسين على نطاقٍ واسع في المطاعم وأماكن العمل.

ويتعين على المرأة أن يكون لديها وليّ أمر رجل، وتحتاج إلى إذنه من أجل السفر إلى الخارج أو الزواج. ولا يزال غير المسلمين ممنوعين من ممارسة شعائرهم الدينية علناً.

تحالف الدين والمُلك

جذور الإسلام المحافظة مُتأصلة بعمق في المملكة، وتتداخل مع الأسرة الحاكمة. ففي القرن الثامن عشر، تحالف بيت آل سعود مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذي طالب بالعودة إلى ما كان يراه بمثابة الإيمان الخالص الذي كان يمارسه النبي محمد وأصحابه. وأصبحت هذه النسخة المتشددة من الإسلام السني التي يُطلِق عليها النقاد اسم “الوهابية” المذهب المُهيمن في المملكة، ملهمةً أجيالاً من الجهاديين في الداخل والخارج.

وساعدت الشراكة بين أحفاد عبدالوهاب والعائلة المالكة على إنشاء الدولة السعودية الحديثة عام 1932. ومنذ ذلك الحين، حكمت الملكية البلاد بدعمٍ من المؤسسة الدينية، التي تسيطر على نظام العدالة على أساس الشريعة الإسلامية. وساعد رجال الدين الوهابيون على إضفاء الشرعية على حكم بيت آل سعود للبلاد، بوصف طاعة الحاكم فريضةً دينية.

وعلى مر العقود، كانت هناك حاجة إلى الموازنة بين الرغبة في تغيير الديناميات الاجتماعية في السعودية والتقاليد القبلية والاعتبارات الدينية. وجعل ذلك السعودية منذ فترةٍ طويلة من أكثر الأماكن مُحافظةً على وجه الأرض.

ومع ذلك، تمكن الحُكَّام السعوديون من إدخال الابتكارات مثل التلفزيون، وفتح مدارس للبنات، رغم اعتراضات المُحافظين الدينيين.

بعد عام 1979، أصبح للمُحافظين اليد العليا عندما تحدّى حَدثان دور السعودية باعتبارها مهد الإسلام: الثورة الإسلامية في إيران، والحصار الذي دام أسابيع من قِبل المُتطرفين المُسلحين في المسجد الحرام بمكة المكرمة، التي تُعد أكثر أماكن الإسلام قدسيةً.

واتخذ القادة السعوديون خطواتٍ لاسترضاء الجماعة المُتطرفة والمحافظة للغاية، والتي اعتبروها أكبر تهديد لحكمهم.

ومن خلال القيام بذلك، أعطى النظام الملكي رجال الدين في المملكة حرية فرض قانون أخلاقي صارم على عامة الشعب، وإعادة تشكيل نظام التعليم وتصدير وجهات نظرهم المُتعصبة إلى الخارج. ومنحت الثروة النفطية الجديدة في البلاد الحكومة القدرة على إعطاء الأولوية للدين على الإنتاجية.

وموّلت الحكومة قضايا دينية في داخل البلاد وخارجها، ولم تكن بحاجة ماسة إلى المستثمرين الأجانب الذين أزعجتهم القواعد الصارمة مثل الحظر الذي يمنع اختلاط الرجال والنساء في أماكن العمل. وكان بإمكان البلاد كذلك أن تهمل الصناعات التي يعارضها المُتشددون مثل السياحة والترفيه.

ولُوحظ تحول السعودية الحاد في جميع أنحاء البلاد، إلا أنَّ أثره ربما ظهر بشكلٍ كبيرٍ للغاية في منطقة عسير، التي تُعد تاريخياً واحدةً من أكثر مجتمعات السعودية انفتاحاً.

وحسب ذاكرة السكان هناك، كان الرجال والنساء يعملون في حقول القمح جنباً إلى جنب، وكثيراً ما يُغنون سوياً. إلا أنَّ مزيج الحماس الديني وأموال النفط وضع حداً لذلك بحلول أوائل الثمانينيات.

ويتذكر محمد تورشي (89 عاماً) الذي يعيش بقرية “رجال ألمع” في عسير: “كان للنساء حياةً أكثر نشاطاً في الماضي. كنَّا نعمل جنباً إلى جنب في الحقول. كنتُ أغني، وهن يغنين. ثم أتى المتدينون”.

ولم يعد الاختلاط بين الرجال والنساء الذين لا تجمعهم صلة قرابة أمراً مقبولاً، ناهيك عن الغناء والرقص. وأغُلقت السينمات وتوقفت الأغاني.

وفي الأماكن العامة، أُجبرت النساء على ارتداء النقاب، الذي لم يكن له وجود في مناطق مثل عسير. وأُسند للشرطة الدينية المعروفة رسمياً باسم “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” مهمة تطبيق النظام الجديد.

وغُرست تعاليم العلماء الوهابيين في المناهج المدرسية. وأمرت الكتب المدرسية الطلاب بكره المسيحيين واليهود وتشويه سمعة المسلمين الشيعة. وكانت بعض وجهات النظر الأكثر تطرفاً غالباً ما تأتي من المعلمين، الذين جنّدوا الطلاب في بعض الأحيان من أجل قضايا مُتطرفة.

وساعدت الجمعيات الخيرية السعودية المُرتبطة بالحكومة على نشر هذا التفسير للإسلام خارج حدود المملكة، وهو الأمر الذي ألهم أجيالاً من الجهاديين.

وأثبتت عسير أنَّها أرضاً خصبة للتطرف. فمن بين 17 مواطناً سعودياً شاركوا في هجمات القاعدة في 11 سبتمبر/أيلول في 2001، كان خمسةٌ منهم من عسير، أي أكثر من أي منطقةٍ أخرى.

وكان أحدهم جار أروى. وبالنسبة لشخصٍ تربى في مدينة أبها بعسير في التسعينيات، لم يكن اللهو أمراً سهلاً. لكن كانت لأروى طرق عدة لتستمتع بحياتها. فعلى الرغم من أنَّ الموسيقى كانت تُعتبر إثماً على نطاقٍ واسع، إلا أن أروى كانت تجمع الأشرطة الصوتية التي كان يُوزعها المحافظون الدينيون لنشر الخطب، وتُسجل الموسيقى عليها.

وكانت تقضي ساعاتٍ في غرفة نومها ومعها جهاز الاستماع الخاص بها من طراز سوني، لترقص على أغاني أمثال مايكل جاكسون ونجم الروك الجزائري رشيد طه.

مشهد لم تره من قبل

وفي وقتٍ سابق من هذا الشهر، حضرت أروى حفلة هبة طوجي، وهو أول أداء من قِبل مغنية في العاصمة السعودية خلال العقود الأخيرة. وفي مشهدٍ لم يسبق لها أن رأت مثله في السعودية، قام الحاضرون من مقاعدهم، ورقصوا، وهتفوا بصوتٍ عالٍ.

وتقول أروى النعيمي التي يتضمن عملها التصوير الفوتوغرافي والتجهيزات ويُركز على الطرق التي يمكن أن يقضي بها السعوديون وقتاً ممتعاً رغم القيود: “قيل لي عندما كنتُ صغيرة إنَّ الناس الذين يستمعون إلى الموسيقى سيُعاقَبون في الآخرة، وسيُصبُ معدنٌ ساخن في آذانهم. أنا سعيدة للغاية أنَّني تمكنتُ من رؤية الحفلة الأولى، كانت مثل بناءٍ فني”.

وأقام مغني الراب الأميركي نيلي المعروف بأغانيه مثل “Hot in Herre” حفلاً الشهر الماضي في جدة. وفي تذكيرٍ بأنَّ بعض القيود لا تزال تُطبق، كان الحفل الأول للنساء فقط، بينما كان حفل نيللي للرجال فقط.

عندما تولى الملك سلمان العرش في أوائل عام 2015، كان عددٌ قليل من الناس يتوقع أن يكون هو الشخص الذي يُشرف على هذا التغيير الاجتماعي السريع. طوّر الملك سلمان المعروف بالتقوى علاقاتٍ وثيقة مع المؤسسة الدينية أثناء دوره كحاكم للرياض، وهو المنصب الذي شغله لمدة عقود.

وفي الواقع، يقول العديد من المحللين إنَّ هذا أعطاه وأعطى ابنه ولي العهد الأمير محمد نفوذاً أكبر لإجراء التغييرات مقارنةً بالملك عبدالله الذي سبقه في الحكم، وكان يُعتبر شخصاً ليبرالياً وفقاً للمعايير السعودية.

وفي عصر النفط الخام الرخيص، أصبح تخفيف القواعد الاجتماعية في السعودية ضرورةً اقتصادية وسياسية للأمير محمد، الذي يُمثل القوة الدافعة وراء خطةٍ طموحة لإنهاء اعتماد المملكة على النفط.

وتحاول السعودية -التي يقل عمر أغلبية سكانها عن 30 عاماً و12.8% من السكان بها عاطلون عن العمل- أن تصبح أكثر جاذبيةً للمستثمرين الأجانب ولشباب الدولة نفسها.

وتريد أن تضم المزيد من النساء إلى قوة العمل. ويضع الفشل في ذلك الجيل السعودي القادم عُرضةً للخطر، إذ من الممكن أن تخسره السعودية لمصلحة الفرص المتوافرة في الخارج أو المجموعات المتطرفة السرية داخل البلاد.

أصبح المحافظون الدينيون أقل سلطةً بكثير مما كانوا عليه قبل عقدٍ من الزمان. وبفضل التلفزيون والإنترنت، تعرَّض السعوديون لطرقٍ مختلفة من التفكير. وعاد أكثر من 100 ألف رجل وامرأة سعوديين إلى المملكة على مدار العقد الماضي بعد أن درسوا في الجامعات الغربية بمنحٍ ممولة من الحكومة.

وفي العام الماضي، بدأت الحكومة أيضاً في إرسال المعلمين إلى الخارج لمعرفة كيف تعمل المدارس في الغرب، وهي خطوة تهدف جزئياً إلى معالجة التطرف بين المعلمين.
وقال وزير التعليم السعودي أحمد العيسى: “نسير في اتجاه جديد للتعليم، واتجاه جديد للبلاد”. وأضاف أنَّ الكتب المدرسية الجديدة ستُوزَّع في العام الدراسي القادم بعد أن طُهِّرَت من النقد اللاذع.

وفي عام 2016، جرّدت الحكومة السعودية الشرطة الدينية من سلطة الاعتقال التي كانت تملكها، وهي النتيجة الأكثر أهمية لانهيار التحالف بين النظام الملكي والمؤسسة الدينية.
ويقود رابطة العالم الإسلامي الآن -وهي الهيئة التي كانت في السابق الأداة الرئيسية التي تنشر السعودية من خلالها الفكر الوهابي خارج حدود أرضها- رجل دين وسطي، يقول إنَّ تعزيز التفاهم بين الأديان أولوية.

وقال الشيخ محمد العيسى، وزير العدل السابق، الذي يشجع النساء غير المسلمات اللواتي يلتقي بهن بصورةٍ روتينية على خلع الحجاب في تعبيرٍ منه عن التسامح السعودي: “في عام 1979، اختُطِفَ دينُنا. ونحن الآن نقضي على جذور التطرف”.

وخلال زيارةٍ له إلى أوروبا في وقتٍ سابق من هذا العام، أصبح أول رئيس للرابطة الإسلامية يجتمع مع البابا ويزور معبداً يهودياً.

وفي سبتمبر/أيلول، ألقت السلطات القبض على العشرات من رجال الدين كجزءٍ من حملة واسعة ضد المعارضة. وكان من بينهم أعضاءٌ سابقون في ما يسمى “الصحوة الإسلامية”، وهي حركة إسلامية كانت قويةً في الماضي وعلى صلة مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر وكانت تتحدَّى سلطة النظام الملكي. ومنذ ذلك الحين تبنى معظم أعضائها آراءً أكثر وسطية.

واستُهدِفَ أفرادٌ من الأسرة الحاكمة أيضاً. ففي الشهر الماضي، اعتقلت السلطات الأمير المعروف خالد بن طلال لمعارضته إصلاحات الحكومة مثل قرار تقييد سلطة الشرطة الدينية، وذلك وفقاً لأشخاصٍ مُطلعين على الأمر.

وقال شخصٌ مُطلع على الواقعة: “كان ابن طلال يشكو من الإصلاحات. وكان يعتقد أنَّ هذا سيعطيه مصداقيةً سياسية”. والأمير الذي يمتلك نفوذاً سياسياً محدوداً مُحتجزٌ الآن في سجن الحائر ذي الحراسة المشددة في السعودية.

ومنذ حملة القمع، أيَّد العديد من رجال الدين ​​الإصلاحات الاجتماعية علنيةً، في حين ظل آخرون صامتين. وقال الشيخ محمد الحوديثي (87 عاماً) الذي كان حتى تقاعده رئيساً للقضاة في منطقة عسير: “إنَّها قرارات حكومية، وتقبّل ذلك هو جزءٌ من ديننا”.

مركز السنة النبوية لمراجعة الأحاديث

تُنشئ الحكومة أيضاً مركزاً جديداً للتدقيق في تفسيرات تعاليم النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وأحاديثه، في محاولةٍ لمنع استخدامها لتبرير العنف.
وقال الشيخ محمد بن حسن الشيخ، رئيس الكيان الجديد العضو في مجلس كبار العلماء: “سيُطهر هذا المركز الإسلام من أي اختراعات، وينظف الأحاديث من استشهادات الكاذبين الخاطئة عمداً، وسيقدم الإسلام في صورةٍ أفضل”.

وفي المدن الكبرى مثل الرياض، زاد عدد النساء السعوديات اللواتي يخترن ارتداء الرداءات الملونة، والمعروفة باسم العباءات، بدلاً من تلك السوداء التي عادةً ما ترتديها النساء هناك. وبدأ العديد منهن في السماح للحجاب بالانزلاق وصولاً إلى أكتافهن.

وفي مدينة جدة الأكثر ليبرالية، تركض مجموعات الركض النسائية أمام البحر وهن يرتدين البناطيل الملتصقة بالجسم تحت قمصانٍ طويلة.

وتقول علياء العزمي -التي تعمل فنية في مختبر في الرياض وتبلغ من العمر 24 عاماً- إنَّها تأمل بأن تتمكن قريباً من التخلص من النقاب الذي ترتديه دائماً. وقالت وهي تُقلب في صورٍ لها دون غطاء الوجه أثناء رحلة خارج البلاد: “في المستقبل، سنبدو أكثر مثل دبي. لكن هنا، يجب أن أرتدي النقاب. لا أريد لأي من زملائي أن يروني”.

بعد 30 عاماً من المُحافَظة الدينية، لا تزال هناك جيوبٌ عميقة مُقاوِمة للتغيير. ففي منطقة عسير، تظهر تقريباً كل النساء السعوديات العازبات في العلن وهن يرتدين نقاباً وعباءات سوداء اللون. وفي أبها عاصمة المنطقة قال صبيٌّ مراهق إنَّ ما يهمه هو الوظائف، وليست دور السينما، حتى وإن كانت ستعرض أفلاماً متوافقة مع الشريعة الإسلامية.

وقال رجل من أبها (55 عاماً) رفض الكشف عن اسمه أثناء نزهةٍ للرجال: “لا أريد أن يتغيَّر أي شيءٍ يمسّ الدين. فاختلاط الرجال والنساء على سبيل المثال ليس مقبولاً. انفتاح المجتمع أمرٌ خطير. والجميع منزعجون، لكنَّ الناس تخشى الحديث عن ذلك كثيراً”.

لكن حتى في منطقةٍ مُحافِظة مثل أبها، ينظر الكثيرون إلى التغيير الاجتماعي باعتباره ضرورةً اقتصادية.

فبالنسبة لأم جابر، التي تبيع سلالاً منسوجة يدوياً وأعشاباً مُجفَّفة في أحد الأكشاك التي تديرها في سوق أبها المفتوح، يتعلَّق استخراج رخصة القيادة على نحوٍ أكبر بتمكُّنها من جمع ما يسد رمق عائلتها، فهي تنفق حالياً نحو 400 دولار شهرياً على السائق، ما يُمثِّل أكبر نفقة لديها بعد الإيجار.

وتقول صاحبة الـ58 عاماً، التي تعتزم القيادة بنفسها بمجرد أن تصبح قادرةً على ذلك: “أجني من المال ما يُغطي نفقاتي فحسب”.

بعيداً عن المدينة، في مسقط رأسها بإحدى القرى جنوب عسير، تقوم أم جابر بالقيادة للمساعدة في الأعمال المنزلية، مثل نقل المياه والخشب الجاف والماشية.

وبالنسبة لآخرين، لا يحدث التغيير بسرعةٍ كافية. إذ يقول سعيد البشري، وهو مُدرِّس رسم يبلغ من العمر 50 عاماً: “لم أرَ أي تغييرٍ حقيقي في أبها. فالحفلات تُقام في جدة والرياض، وليس في أبها”.

وقال إنَّ الحظر المفروض على رسم الكائنات الحية خفَّ تدريجياً على مدار العقد المنصرم. مع ذلك، طلب سعيد في وقتٍ سابق من هذا الشهر من طلابه الذين يبلغون 10 سنوات رسم جِمال، لكنَّ أحدهم رفض، “ورسم بدلاً من ذلك منظراً طبيعياً”.

(هاف بوست عربي)

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى