ثامر السبهان | الوصي «الوقح»

ثامر السبهان هو مُهدِّد اللبنانيين في أمنهم واقتصادهم، والمساهم في «سجن» رئيس الحكومة سعد الحريري، والعامل على «تجنيد» سياسيين ووسائل إعلام في خدمة مملكته ووليّ عهده. منذ فترة، والناس تترقب ماذا سيُغرد الوزير السعودي حتى تبني على الشيء مقتضاه. إلا أنّ أحداً لم يكن يتصور أنّ تهديده للبنانيين بين المقاومة والنار، سيتحول إلى حقيقة تؤرّق حياتهم السياسية

ليا القزي

قبل انتخاب الرئيس ميشال عون، حطّ في لبنان رجل سعودي برتبة وزير، اسمه ثامر السبهان، أتى «يُبارك» التسوية الرئاسية. تكرّرت، بعد ذلك، زياراته، وبرزت لقاءاته بسياسيين لبنانيين، في محاولةٍ منه لوضع رؤية سعودية جديدة للواقع اللبناني، هدفها بشكل أساسي «مواجهة النفوذ الإيراني» في المنطقة.

بات اللبنانيون ينتظرون ما يكتبه الوزير السعودي لشؤون الخليج على «تويتر»، ليُحاولوا تحديد ما تُحضّره المملكة الوهابية للبنان. معظم الأطراف السياسية أخذت تغريدات السبهان على محمل الجدّ، على العكس من رئيس الحكومة سعد الحريري، ومدير مكتبه نادر الحريري. اقتنعا، استناداً إلى ما نُقل عنهما، بأنّ «القيادة السعودية تتفهّم موقفنا، والسبهان يُعبّر عن رأي شخصي». يُمكن من هنا فهم اللقاء السلبي بين نادر الحريري والسبهان، في تموز الماضي. رفع الحريري صوته، مُعبّراً بصراحة عن «رفضه لسياسة تويتر، واقتناعه بأنّ خيارات تيار المستقبل السياسية هي لمصلحة لبنان». لم تُحسن قيادة بيت الوسط قراءة حقيقة الموقف السعودي، فكانت النتيجة «تغييب» رئيس الحكومة، وإجباره على الاستقالة من منصبه. أما نادر الحريري، فتريد السعودية حالياً الانتقام منه عبر اعتباره مسؤولاً عن خيارات تيار المستقبل في السنة الأخيرة، ومحاولة إبعاده عن رئيس الحكومة في المرحلة المقبلة.
وضع السبهان رِجلاً له في «بلاد الأرز» للمرة الأولى عام 2013، كمساعد للملحق العسكري السعودي. وتسلّم في 2015 منصب الملحق العسكري. قبل سنوات، أخبر أحد المسؤولين السعوديين مسؤولاً «مستقبلياً» أنّ الهدف من تعيين السبهان في منصب الملحق العسكري «قد يكون لعب دور عين آل سلمان الحارسة». فغالباً ما كان السفير السعودي في بيروت «محسوباً على جناح الملك عبدالله. ولأنّ الملك سلمان أراد أن يبقى مطّلعاً على ما يحصل لبنانياً، اختار السبهان» الذي تدرّج بسرعة من ضابط إلى ملحق عسكري، إلى وزير، «وصولاً إلى حدّ تصرفه كوصيّ على الشأن اللبناني». في البدء، كان السبهان قليل الظهور في الأماكن العامة، يتحدّث السياسة باقتضاب. «لا يلغي ذلك أنّ شبكة علاقاته كانت قوية، وأنه مُلمّ في الوضع المحلي»، يقول أحد الوزراء السابقين.

اعتبر الحريري السبهان موظفاً سعودياً، وحصر علاقته به من موقعه كرئيسٍ للحكومة على طاولة في أحد مقاهي شارع فردان ــ بيروت، بدأت «مسيرة» السبهان في لبنان. مجموعة من اللبنانيين والسعوديين كانوا يتحلقون حوله، والجلسات غالباً ما تكون «بإدارة» المسؤول الإعلامي في السفارة السعودية في بيروت غسان اسكندراني، «مُرشد السبهان لبنانياً»، بحسب أحد المقرّبين من الحريري. يصف المصدر نفسه السبهان بأنّه «أمني في تفكيره وحركته، يتكلم مباشرةً، وكان وقحاً يخاطب المسؤولين اللبنانيين بأسمائهم الأولى، من دون ألقاب». السبهان من منطقة حائل السعودية (مواليد عام 1967)، يعتدّ بنفسه «مُدّعياً أنّ جدّه واحد من الذين قاتلوا مع الملك عبد العزيز في توحيد المملكة، لكنّ هذا أمرٌ غير مؤكد».
أسلوب السبهان كان أحد أسباب «تحسّس» سعد الحريري منه؛ ففي أول لقاء بينهما، «حول مائدة عشاء في منزل رئيس الحكومة، كان الاجتماع عاصفاً، بسبب التعابير القاسية التي استعملها السبهان في التعبير عن آرائه السياسية وطريقة مخاطبة الجالسين على الطاولة. كان يتكلم مع الرئيس بالقول: يا سعد». وصل انزعاج بعض المستقبليين منه إلى حدّ القول: «السبهان جعلنا نترحّم على رستم غزالي». لا يتلاقى هذا التوصيف مع ما يقوله الوزير السابق: «السبهان يتكلم بودّ، رغم موقفه الحاسم ووضوحه في الكلام. حتّى إنّه سُلّم الملفّ اللبناني لاعتبار السعوديين أنّ سعد الحريري يرتاح للتعامل معه»! ويزيد بأنّ الرجل السعودي «دقيق وعملي، ولا يُضيّع وقته».
في المرحلة الأولى لوجوده في لبنان، احتكّ السبهان بعددٍ من الشخصيات الشيعية الجنوبية المعارضة لحزب الله وحركة أمل. يقول أحد هؤلاء إنّ علاقة الوزير «الصارم» بالشخصيات الشيعية «كانت اجتماعية فقط، لتعذّر قيامهم بمواجهة سياسية».
رحل السبهان من لبنان إلى العراق في 2015، حاملاً «وسام التقدير العسكري من الجمهورية اللبنانية». اختير ليكون سفيراً للسعودية لدى العراق، بعد 25 سنة من انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وشَغل المنصب حتى آب 2016، تاريخ طرده من العراق بطلب من وزارة الخارجية العراقية في حكومة حيدر العبادي، بسبب تدخله في شؤون البلد الداخلية «واتهامه بلعب دور أمني». وقبل طرده، تظاهر عراقيون رافعين صوره، مطالبين بإبعاده عن بلادهم، بعدما استفزّتهم تصريحاته ضد الحشد الشعبي، وزياراته مواطني بلاده الموقوفين في السجون بتهمة القتال في صفوف «داعش».
ضابط أمن الحماية لعددٍ من وزراء الدفاع والمسؤولين العسكريين الأميركيين، كوزير الدفاع ديك تشيني، «كوفئ» باختراع منصب وزير الدولة لشؤون الخليج، وإسناده إليه «بأمرٍ من الملك سلمان». كان المركز غطاءً ليتدخل الوزير في شؤون المنطقة، محاولاً مواجهة النفوذ الإيراني. «دوره يتخطّى شؤون الخليج إلى مستوى المشاركة في سياسات المملكة، وأحد أعضاء فريق محمد بن سلمان الضيق»، يقول الوزير اللبناني السابق لتبرير وضع السبهان يده على الملفّ اللبناني.
أسلوب وزير الوصاية السعودية على لبنان «تحسّن بعض الشيء بعد أن أصبح وزيراً، فبدأ يستخدم الألقاب مع الناس، رغم تعامله معهم بفوقية». أُعجب به «ثوار» 14 آذار، بعد أن حاول معهم تنظيم تحرك جديد لمواجهة حزب الله، فباتوا يصفونه بـ«إنسان مش عادي أبداً». يوافقون على أنّ شخصيته «أمنية أكثر منها سياسية. لا يتكلم كثيراً، وملاحظاته مُحدّدة».
عزّز، بعد عودته إلى لبنان، شبكة علاقته السياسية والصحافية، «وبات هناك شخصيات يتواصل معها عبر الواتساب»، يقول المصدر «المُستقبلي» ذلك للدلالة على عمق علاقة السبهان بعددٍ من اللبنانيين. أما بالنسبة إلى آل الحريري، «فنادر لا يتواصل معه، أما سعد الحريري، فحصر علاقته معه انطلاقاً من موقعه كرئيسٍ للحكومة، كون السبهان موظفاً لدى الإدارة السعودية».
لم «يبخل» لبنان على السبهان في مساعدته على لعب دور «الوزير الملك». في بيروت، التي «خضع فيها لعملية تنحيف»، فُتحت له البيوت السياسية «وتمتع بحراسة أمنية، وموكب كبير»، كما يجري تبجيل كلّ «قنصل» منذ ما قبل المتصرّفية. ولكن مشكلة السبهان أنّه «لم ينجح في تقدير طبيعة السياسة اللبنانية». طاف على علاقات اجتماعية، وفنجان قهوة في مقهاه المفضّل في فردان، «فتوهّم أنها ستتطور إلى مستوى وضع استراتيجية وخطط سياسية»، خاصة أنّ أصدقاء السبهان وحلفاءه اللبنانيين أثبتوا فشلهم في أي مواجهة، على مدى 12 عاماً

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى