قرار دولي يضع لبنان أمام ‘حكم’ صعب.. ومفتاح حل في الجيب السوري!
أسبوعان منذ استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري من العاصمة الرياض عاشها اللبنانيون بعين ترقب وتحسب وقلق دون أي بوادر انفراج ملموسة للأزمة حتى الساعة، بالرغم من الحراك الدبلوماسي اللبناني الذي شغّل محركاته في كل الاتجاهات والذي كانت قد سبقته فيها “الحنونة” فرنسا باتجاه المملكة العربية السعودية بدور المبادر والمخرج للمشاهد الاولى من سيناريو درب الحل.
قد يبدو لمراقب المشهد الراهن ان الازمة تختصر بنقطتين اساسيتين الاولى تتمثل بالاعتراض على رمي منشور الاستقالة من خارج الحدود اللبنانية مع وصد سبل التواصل برئيس الحكومة المستقيل في عز التسوية المحمية بمباركة خارجية، والنقطة الثانية حصول اعتداءات من قبل فريق لبناني على أمن وسيادة دول عربية أخرى وعلى رأسها السعودية الامر الذي لم يعد في الامكان السكوت عنه. إلا أن حقيقة الازمة تكمن في الحالة التي انتقل اليها لبنان خلال اسبوعين من موقع الجالس الحاضر لسير المحاكمة في المنطقة المتمتع بحصانة النأي بالنفس الذهبية، الى الماثل في قفض الاتهام امام كم من الادلة بانتظار حكم يترنح بين حدي “الاشغال الشاقة” والسجن مع الاسباب التخفيفية حيث الشعرة الدولية تتحكم. ودلالات ذلك عبرت عنها المواقف الدولية حيال الازمة التي خلفتها الاستقالة والتي لم تذهب فيها حد المجاهرة في التأكيد على حق الشعب اللبناني في تقرير ممثليه وحل ازماته داخليا دون اي تدخل خارجي، كما لم تذهب فيها الى حد اتخاذ اي موقف حازم حيال حزب الله عبر التأكيد على مساندة المملكة في موقفها تجاه الحزب وبالتالي تقرير المواجهة الفعلية، فجاءت تصريحاتها مبطنة تؤكد على وحدة الشعب اللبناني وسيادته مؤكدة في الوقت عينه على ضرورة التزام لبنان سياسة النأي بالنفس وعدم التدخل او الاعتداء على دول آخرى.
كل ذلك يؤكد على ان دول المنطقة ما زالت بطريقة او بأخرى تقف موقف الحياد السلبي من الصراع السعودي – الايراني، متجنبة القيام بأي خطوة قد تؤدي بها الى الانزلاق في مستنقع الصراع الدائر بينها، وهذا ما كشفته الازمة اللبنانية مؤخرا،من خلال تسجيل دخول مباشر وحيد للاعب الفرنسي على خط الازمة مع المملكة والذي لاشك انه لم يكن مجردا من ضوء اخضر اميركي وبطاقة مرور روسية، لاسباب عدة تتجاوز مسألة العلاقات التاريخية التي تجمع فرنسا بلبنان، الى ما هو مرتبط بقدرة باريس على التواصل مع كافة الاطراف الداخلية اللبنانية وايضا لكون تدخلها لا يشكل اي استفزاز لدى الرياض وطهران سيما وان هناك مصالح تربطها فيما بينها. ولكن هل هناك من سقف محدد لهذا التدخل ام ان لهذا التدخل تتمات أخرى؟
وفقا للمعطيات التي تسربت عن المبادرة الفرنسية والتي ستتوج بزيارة الحريري لفرنسا والاجتماع برئيسها السبت المقبل، فانها لم تكشف عن نقاط اخرى ابعد من حدود تضييق رقعة الاستقالة وحفظها والاحتفاظ برئيسها كحل وسط وبديل الى حين يعاد ترتيب المقاعد في المنطقة بعد “الخربطة” التي احدثتها الرياض فيها من خلال انتزاع لبنان من صفوف الحياد الى صفوف الشركاء في مواجهة عبء حزب الله وحليفته ايران، رامية غطاء الشرعية الذي يتمتع به الحزب بوابل من الرصاص الدولي.اضف الى ذلك، ان فرنسا تعاني من تراجع في سوق الاسلحة السعودية وهي تعول كثيرا على دعم الرياض المالي للقوى العسكرية التي شكلتها مجموعة دول الساحل الخمس، بالمقابل هناك توجه واضح نحو تعزيز للعلاقات الفرنسية الايرانية في ظل التعطش الفرنسي والايراني للانتعاش الاقتصادي. وفي هذا الاطار تتجه الانظار الاسبوع المقبل نحو الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي “ايمانويل ماكرون” الى العاصمة طهران، على ما ستحمل هذه الزيارة من تطورات.
امام هذا الواقع يبدو ان المشهد اللبناني متجه نحو “التفريز” الى حين اتضاح الصورة في المنطقة. اذ يظهر ان الملف السوري لم يعد الثابت والمُغيّر الوحيد فيها وانما يجري العمل على تحريك ملفات آخرى الى جانبه كالملف الفلسطيني الذي تسعى واشنطن لاسقاط مباردة حل جديدة عليه والملف اليمني عبر ربطه بطريقة غير مباشرة بالملف اللبناني من خلال زيادة الضغط على حزب الله. الأمر الذي يضع الداخل اللبناني امام امتحان صعب من حبس انفاس واستيعاب للواقع، غير معروفة خواتيمه خاصة في ظل معلومات تحدثت عن اتفاق أميركي-روسي على ابقاء قوات التحالف في سوريا حتى احراز عملية جنيف تقدما ملموسا وليس فقط حتى القضاء على داعش على حد تعبير وزير الدفاع الاميركي جيم ماتيس، وايضاً الاتفاق على سحب تشكيلات غير سورية ليست ايران وحزب الله من ضمنها. على ما يؤشر ذلك مما من حالة تربص للقوى اللاعبة في سوريا كل في حصته الى حين تمكنها من الاستحصال على ضمانات تحمي تلك الحصص.
المصدر : ميرفت ملحم – لبنان 24