كلودين عون | حاجتنا كبيرة اليوم إلى ثورة ثقافية حقيقية

نظمت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية ومكتب اليونسكو الإقليمي في بيروت، لقاء حوارياً عن “سياسات المؤسسات الإعلامية في ما يتعلق بقضايا النوع الاجتماعي”، ذلك في إطار برنامج “دور المؤسسات الإعلامية في تعزيز أوضاع النساء” الذي تنفذه الهيئة واليونسكو.

شارك في اللقاء مسؤولون ومسؤولات في إدارات عدد من المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية من رؤساء مجالس إدارة ومديرين عامين ورؤساء تحرير ومسؤولين عن الموارد البشرية.

ويأتي اللقاء في إطار تنفيذ التدخلات التي أوردتها الخطة الوطنية لتطبيق قرار مجلس الأمن 1325 حول المرأة والسلام والأمن، التي أقرتها الحكومة عام 2019 والتزمت الدولة اللبنانية بتنفيذها.

عون
وافتتح اللقاء بكلمة لرئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية كلودين عون قالت فيها: “نتحدث جميعاً عن ضرورة التغيير ونختار من أين نبدأ. أملنا أنّ تكون الأزمات المتراكمة التي نعيشها والتي تضطرنا إلى النظر بجدية إلى تعقيدات أوضاعنا، عاملا لجلاء مكامن الضعف في مجتمعنا ولاستنباط سبل معالجتها. لم يعد مسموحاً في ظل ظروف الحرمان التي نعيشها أن نستمر في غض النظر عن حقيقة التخلف التي نعيشها. فالأمر يتعدى ضعف الإمكانات الاقتصادية والمالية إلى الثقافة الاجتماعية السائدة لدى المسؤولين كما لدى الشعب، وحاجتنا كبيرة اليوم إلى ثورة ثقافية حقيقية لا يقتصر موضوعها على الدائرة السياسية، بل يشمل أيضاً الدائرة الاجتماعية ومن ضمنها نظرتنا إلى موقع النساء في المجتمع”.

ولفتت إلى أنّ “موضوع لقائنا اليوم يتمحور حول التفكير في سبل مساهمة المؤسسات الإعلامية في تعميم ثقافة المساواة بين النساء والرجال. أقول ثقافة، لأنّ الموضوع لا ينحصر بمطالب محددة لا تزال فيها حقوق النساء مغبونة، بل هو أقرب لأن يكون نمط عيش يتصرف من خلاله الرجل كما المرأة على أنهما شخصان متساويان في مجتمع يحترم كينونة كل عضو من أعضائه بفرديته ومعتقداته وآرائه. من هذا المنطلق، الذي هو منطلق حقوق الإنسان، نقارب حقوق النساء وموقعهن في المجتمع. ومن هذا المنطلق، تبني المؤسسات الإعلامية سياساتها على احترام حرية الرأي، ومنه يستمد نظام الحكم الديموقراطي شرعيته. وقد أظهر لنا التاريخ أنّه، من غير هذه المساواة، لا تقوم في عالمنا المعاصر، حضارة، ولا يستدام فيه نمو للشعوب. وكلنا يعلم أن الثقافة المجتمعية ليست بمعطى جامد نرثه من آبائنا وننقله إلى أولادنا، فالثقافة المجتمعية كما الحياة دائمة التطور وواجب على كل إنسان أن يسعى لأن تكون دائما مؤاتيه لتحسين شروط الحياة وألا تشكل عائقا يكبل حركة التطور والتقدم”.

أضافت: “لا يخفى هنا الدور المركزي الذي لوسائل الإعلام أن تقوم به لمساعدتنا على فهم التطور الإنساني وعلى تحديد التحديات التي تعيق مسار تقدم مجتمعاتنا وسبل تخطيها. والعوائق التي نصطدم بها في بلادنا لتحقيق المساواة بين الجنسين ترتبط بصعوبة التوصل إلى تعديل القوانين والتدابير المجحفة بحقوق المرأة، كما بصعوبة التوصل إلى تطوير الذهنيات التي ما زالت متأثرة بأنماط من العلاقات الاجتماعية كانت تستند في الماضي إلى بنى اجتماعية لم تعد قائمة اليوم. فالأدوار التي تقوم بها المرأة في مجتمعنا الحاضر تغيرت وكذلك تغيرت أدوار الرجل، لكن لم تتغير بعد العديد من القوانين التي لا تزال تفترض أن الرجل هو المعيل الوحيد للأسرة وأن المرأة كائن ضعيف يحتاج دوماً إلى وصاية الرجل”.

وتابعت: “يهمنا في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية أن تكون المؤسسات الإعلامية مروجة وداعمة للاصلاحات القانونية التي نطالب بها إنصافا للنساء. فلم يعد من الجائز أن تبقى قوانيننا صامتة أمام تزويج الأطفال ورافضة لحق الأم اللبنانية بنقل جنسيتها إلى أولادها، وغير معنية بأن يندرج لبنان من بين أكثر البلدان تخلفا من حيث المشاركة السياسية للمرأة. لا تطلب نساء لبنان أن يكن أزهاراً تزين بها تشكيلة وزارية ما. فهن ببساطة، مواطنات يعز عليهن أن ينحدر وطنهن إلى الدرك الذي نحن فيه من غير أن تتاح لهن فرص المساهمة في الخروج من هذا الوضع”.

وأردفت: “هذه هي الصورة التي نتوجه إليكم بطلب نقلها وتعميمها. وعلى الرغم من رفض اللجان البرلمانية المشتركة قبل أيام النظر في تعديل قانون الانتخابات النيابية لتضمينه كوتا نسائية، تتابع الهيئة الوطنية جهودها لتحقيق هذا الإصلاح الذي نعتبره ضروريا لتحقيق مشاركة النساء في تمثيل الشعب وفي المشاركة بالتشريع. ففي ظل نظامنا المعقد الذي تتشابك فيه الانتماءات السياسية والمناطقية والطائفية والإيديولوجية وتؤثر فيه الاعتبارات الجيو – سياسية تستصعب احزابنا السياسية إعطاء أولوية لترشيح نساء عوضا من الرجال. ونظرا إلى طابع الزبائنية الذي يطغى عادة على طبيعة العلاقة التي تقوم بين المرشح الفائز وناخبه والتي تبنى عادة على إرث اقطاعي او على خدمات يوفرها النائب بفضل شبكات العلاقات التي تتيحها له ثروته المالية أو انتماؤه الحزبي، نادرا ما تتمكن النساء من إقناع قيادات الأحزاب بترشيحهن ويصعب في ظل القانون الحالي ان تكون لهن حظوظ في النجاح إذا ترشحن كمستقلات”.

وقالت: “يبقى أخيراً أن الثقافة المجتمعية تتجلى بالممارسة والترويج لثقافة المساواة بين النساء والرجال التي نعول على وسائل إعلامكم الكريمة القيام به، سوف يكون أكثر تأثيرا في مجتمعنا إذا ما اقترن بحرص ظاهر في مؤسساتكم على إبراز دور النساء العاملات فيها، وذلك على صعيد اتخاذ القرارات كما على صعيد تمثيل المؤسسة في الاتحادات المهنية والمؤتمرات، وعلى صعيد تأمين شروط مؤاتية للنساء في العمل كما على صعيد اعتماد سياسات توجيهية للاعلاميين لدعم قضايا المساواة”.

ورأت أنّنا “بحاجة اليوم إلى التزام صادق في العمل على تطوير مجتمعنا وقد يتطلب الأمر منا تغييرا في المواضيع التي نوليها الأولوية. واعتماد ثقافة المساواة والترويج لها بغية تعزيز أوضاع النساء في المجتمع يتطلب إلى جانب إبراز النساء في الأدوار التي تقوم بها، الخوض في مناقشة المواضيع التي تؤثر على حياتهن بشكل خاص، مثل مواضيع قوانين الأحوال الشخصية والعنف الأسري والتحرش الجنسي والإبتزاز الإلكتروني والصعوبات التي تعترض النساء عند المشاركة في الحياة العامة وغيرها من المواضيع”.

وختمت: “نعول كثيرا على تعاونكم ومساندتكم لقضايانا التي نعتبر أنها أيضا قضايا الإعلام الحر القائم على ركيزة احترام حقوق الإنسان نتمنى لكم نقاشا مثمرا. أشكر منظمة اليونيسكو على مشاركتنا في تنظيم هذ اللقاء وأشكر لكم حضوركم ودعمكم”.

فارينا
ثم تحدثت مديرة مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية – بيروت كوستانزا فارينا، فقالت: “نحن بحاجة إلى تسريع وتيرة التقدم في المساواة بين الجنسين. نحن بحاجة إلى الاستفادة من الفرص الرقمية لتحقيق هذا الهدف وإلى مواجهة الاتجاهات الجديدة التي تعزز وتزيد من حدة الأنماط الحالية للتمييز والقمع”، ولفتت الى انه “من الواضح أن وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في زيادة عدم المساواة بين الجنسين أو تعزيز المساواة. ويترتب على ذلك أن الصحافة المراعية للنوع الاجتماعي تستطيع أن تسهم بشكل مباشر في تحقيق الهدف 5 من التنمية المستدامة، الذي يسعى إلى تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات. وتعد هذه الصحافة أيضا جزءا لا يتجزأ من الهدف 16.10 من أهداف التنمية المستدامة، الذي يسعى لضمان وصول الجمهور إلى المعلومات والحريات الأساسية. على نطاق أوسع، هو مفتاح الديموقراطية والتنمية المستدامة”.

أضافت: “حاليا، تشكل النساء أكثر من ثلثي 750 مليون بالغ في العالم يفتقرون إلى مهارات القراءة والكتابة الأساسية. وتمثل النساء أقل من 30 في المئة من الباحثين في العالم؛ والصحفيات أكثر عرضة للاعتداء أو التهديد أو الهجوم الجسدي أو اللفظي أو الرقمي من نظرائهن الرجال. في اليونسكو، نؤمن أن جميع أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي هي انتهاكات لحقوق الإنسان، فضلا عن كونها عائقا كبيرا أمام تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر”.

وختمت: “مع اعتبار المساواة بين الجنسين إحدى أولويتين عالميتين لليونسكو، فإن رسالتنا واضحة: يجب أن يتمتع الرجال والنساء بفرص وخيارات وقدرات وقوة ومعرفة متساوية كمواطنين متساوين. يعد تزويد الفتيات والفتيان والنساء والرجال بالمعرفة والقيم والمواقف والمهارات اللازمة لمعالجة التفاوتات بين الجنسين شرطا مسبقا لبناء مستقبل مستدام للجميع”.

ملكي
بعدها استعرض مدير معهد البحوث والتدريب الإعلامي في الجامعة اللبنانية – الأميركية الدكتور جاد ملكي الإطار العام لموضوع اللقاء، فتح بعده باب النقاش وتبادل الخبرات والآراء بين المشاركات والمشاركين.

وسيستتبع هذا اللقاء بطاولتين مستديرتين مع إعلاميين/ات ومحررين/ات ومراسلين/ات من المؤسسات الإعلامية المرئية والمكتوبة والمسموعة والإلكترونية لمناقشة موضوع تغيير الصورة النمطية للمرأة في الإعلام.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى