أخبره الأطباء بأن آلامه ليست خطيرة فاستيقظ وهو لا يستطيع السير!.. قصة شاب عشريني تدهورت حالته الصحية بسبب مرضٍ قاتل

بدت مسافة الـ200 ميل (322 كم تقريباً) التي يقودها جيمس ويتزل من شيكاغو حتى منزله في مدينة سبرينغفيلد بولاية إلينوي الأميركية أطول من المعتاد حين كان يحاول تخفيف الألم الحاد الذي يلازمه منذ أشهر قرب كتفه الأيمن، دون تحقيق نجاح يُذكَر.

أخبرت طبيبة العائلة الشاب صاحب العشرين عاماً أنَّه على الأرجح حرَّك عضلةً ما أو أصاب قرصاً في ظهره أثناء رفعه لصناديق الجعة في محل البيتزا حيث يعمل. ولم تُجدِ مسكنات الألم التي تناولها دون وصفةٍ طبية، واكتشف أنَّ الجلوس على يده أثناء قيادة سيارته الكاديلاك الزرقاء في الطريق السريع 55 ساهم في تخفيف الألم، وفق ما ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية.

وكان قد حاول لعدة أيام تخفيف إحساسه المتكرر بعدم الارتياح. وقال: “شعرت بأنَّ شيئاً أكثر خطورة يحدث”.

بعد مرور أقل من أسبوع، في أوائل أغسطس/آب 2016، سيدرك ويتزل أنَّه كان مُحقَّاً في ذلك حين استيقظ ذات صباح ووجد نفسه بات عاجزًا عن السير.
يتذكَّر ويتزل الشهور التالية لذلك اليوم قائلاً: “كان جميع أصدقائي يذهبون إلى الجامعة وأنا في المنزل أحاول البقاء على قيد الحياة”. لاحقاً تمكن ويتزل من السير على قدميه، إلا أنَّ حياته تغيَّرت للأبد.

كيف بدأ الألم؟

بدأ ويتزل يشعر بالألم في فصل الربيع. وبعد بضعة أسابيع ذهب لاستشارة طبيبة العائلة، التي أخبرته أنَّه سيتحسن مع الراحة والمواظبة على الدواء غير المسبب للنعاس والمضاد للالتهابات الذي وصفته له.

وقال ويتزل إنَّ”الدواء خفَّف من الألم بشكل كبير” بعدما تناوله لستة أسابيع. لكن مع ذلك ظلَّ يشعر بالألم.

وفي آواخر يونيو /حزيران، زار الشاب مُعالِجاً يدوياً قام بتقويم ظهره عن طريق معالجة العمود الفقري، إلا أنَّ المحاولة باءت بالفشل.

وفي يوليو /تموز، قاد ويتزل سيارته لمدة 12 ساعة متجهاً إلى شمال ولاية مينيسوتا للقيام برحلة صيد سنوية مع أصدقائه، وبعد مرور عدة أسابيع اتجه إلى شيكاغو لزيارة جدته وحضور حفلة.
قال: “أتذكر أنَّني طوال مدة زيارتي في شيكاغو كنتُ استخدم لاصقات (IcyHot – آيسي هوت)”. ولم تسهم تلك اللصقات المسكنة للآلام التي وضعها دون وصفة طبيب إلا قليلاً في تخفيف الألم الذي زادت حدته بعد ذلك.

وفي يوم السبت 30 يوليو /تموز، بعد أن عاد من شيكاغو، شعر في الصباح التالي أنَّ الألم أصبح أسوأ بكثير حتى أنَّه شعر بانتقال الألم إلى صدره.
اصطحبه والداه إلى مركز لرعاية الطوارئ، وأُجريت آشعة سينية على ظهره، لكنها لم تكشف عن وجود أي مشكلة، فُوصِف له دواء مضاد للالتهابات آخر ومُرخِي عضلات فعّال، ثُمَّ أخبروه أنَّه في حالة استمرار الألم ينبغي أن يجري تصوير بالرنين المغناطيسي.

كان ويتزل قد حضر نصف فصل دراسي لمنحة موسيقى حصل عليها، وفي تلك الليلة، عزف ويتزل على الطبل مع مجموعة مع أصدقائه في حفل سنوي أقامه أحد جيرانه.

تتذكر ليزا ويتزل، والدته، أنَّها أخبرت زوجها حينذاك أنَّ ويتزل كان عزف ابنهما بدا غير معتاد و”شاذ”.

وفي صباح اليوم التالي، اتجه ويتزل إلى محل البيتزا لأداء وردية عمله التي تستمر 8 ساعات، ويتذكَّر أنَّه كان يشعر بأنَّه غير متزن وأنَّ ركبتيه متخدرتين، إضافةً إلى شعوره بأنَّ رجله اليمنى كانت كما لو أنَّها تخدَّرت، وبالرغم من ذلك، أنهى عمله في المحل، لكنَّه حينما عاد إلى المنزل وخرج من سيارته تفاجأ والده بطريقة سيره غير الطبيعية.

يتذكَّر ويتزل كلام والده له عند رؤيته: “يا إلهي يا جيمس!، يبدو وكأنَّك تعاني من شللٍ دماغي، كم واحدة تناولت من مرخيات العضلات تلك؟”.
أخبر والده أنَّه تناول واحدةً فقط، إلا أنَّ والدته خشيت من أنَّه ربما خلط الحبوب ببعضها، فأخبرته ألا يتناول منها تلك الليلة.

عندما استيقظ ويتزل في الساعة السادسة صباحًا، لم يتمكن من السير على قدمه، فاتكأ على الجدار وتمكن من السير ببطء حتى وصل إلى الحمام، واتصلت والدته بمكتب الطبيبة التي أخبرتها أن تأخذه فورًا إلى غرفة الطوارئ.
وتذكَّر ويتزل قائلاً: “اضطر والدي إلى حملي”.

سببٌ صادم

سعى الأطباء في غرفة الطوارئ إلى تحديد سبب الشلل المفاجئ الذي أصاب ويتزل، لكنَّهم فشلوا في ذلك، فاجتمعوا حوله وأمروا والديه بالخروج ليسألوه إذا كان قد تناول مخدرات عبر الوريد، فالشلل الذي أصابه يمكن أن يكون سببه عدوى عن طريق إبرة، بيد أنَّ ويتزل أكَّد أنَّه لم يقم بذلك، لكنَّهم كرروا ذلك مرة أخرى.

يضيف: “وفي المرة الثالثة التي بدأوا فيها بالتجمع حولي، قلتُ لوالداي: لا تخرجا من الغرفة، أنا لا أتعاطى الهيروين ولا أي شيء من هذا القبيل”.

بعد مرور اليوم وكذلك تطور مرضه، شعر ويتزل أنَّ قدمه بدأت تتقوس إلى الداخل، وتتذكَّر ليزا قدوم طلاب الطب لتصوير تلك الحالة الغريبة، وأصبح الولد غير قادر على التبول وأصابه الارتباك، ثُمَّ أخبر والديه أنَّه يخشى أن يؤثر الشلل على قدرته على التنفس، وقد كافحت والدته للحفاظ على هدوءها وإخفاء خوفها المتزايد حتى لا تصيب ابنها بالذعر.
وعند حوالي الساعة الرابعة، ذهب لإجراء التصوير بالرنين المغناطيسي، ولم يمر وقتٌ طويل على عودته إلى الغرفة حتى ظهر أحد الأطباء.
كشف الرنين المغناطيسي عن السبب وراء الألم الذي يشعر به ويتزل وإصابته بالشلل، وهو أنَّ كتلةً كبيرة في حجم إبهام الرجل وشكله تقريباً كانت تضغط على حبله الشوكي، لكن الأشعة السينية التي أجراها قبل يومين لم تكشفها لأنَّها توجد داخل الحبل الشوكي، ويجب أن يخضع ويتزل لعملية جراحية طارئة لإزالة تلك الكتلة على أمل معالجة هذا الشلل.
لم تكن طبيعة الكتلة واضحة، لذا سيقوم اختصاصيو علوم الأمراض بتحليلها.

قال ويتزل، الذي كان قد تناول جرعة من المورفين لتسكين آلامه: “في البداية كنتُ أشعر بالسعادة لأنَّنا عرفنا السبب”.
وتتذكَّر ليزا أنَّ ويتزل قال: “عظيم!، أخرجوا هذه الكتلة إذًا”، لكنَّها كانت تخشى أن يخرج ابنها، الرياضي الذي لطالما أحب التزلج على المياه حافي القدمين، من هذه العملية مصابًا بالشلل.

كان جراح العمود الفقري، الطبيب فينكات غاناباثي، في المركز الطبي التذكاري بسبرينغفيلد حينما تلقى مكالمةً هاتفية من غرفة الطوارئ بخصوص حالة ويتزل. وقال غاناباثي، الذي أصبح الآن مدير قسم جراحات العمود الفقري لتقويم العظام في جامعة تينيسي كلية الطب بمدينة تشاتانوغا: “أنا أتذكره جيداً”.

كانت حالة ويتزل مزرية. وقال غاناباثي: “يُمثِّل الوقت عاملاً جوهرياً للشخص الذي تعطَّلت وظيفة حبله الشوكي، فإذا لم تجرِ إزالة الكتلة في أقرب وقت ممكن، قد يُصاب جيمس بالشلل المزمن”، كان عمره أيضاً غير معتاد؛ فمشكلات الحبل الشوكي التي تصيب الشباب في عمر مبكر عادةً ما يكون سببها التعرُّض لصدمةٍ مثل حوادث السيارات، لكن في حالة ويتزل لم تكن المشكلة معروفة.

قال غاناباثي إنَّ الجراحة ستستمر لمدة 3 ساعات، وستتضمَّن تقشير طبقات الورم الهلامي، الذي يشبه الزهور الصغيرة على رأس نبات القرنبيط، وإزالتها بعناية دون التعرض للحبل الشوكي.

أشار غاناباثي إلى أنَّ الحبل الشوكي “هو بِنية لا تقبل الخطأ أبداً.. والعمل الهائل لمحاولة تقشير الورم قد يُشكِّل خطراً” ربما يؤدي إلى النزيف أو إصابة الأعصاب أو الشلل الدائم.

أضاف غاناباثي أنَّ العملية سارت على ما يرام وأُزِيلت جميع آثار الورم، في حين انتظرت العائلة بفارغ الصبر تقرير علم الأمراض بخصوص طبيعة الورم ، وبدأ ويتزل في تلقي العلاج الطبيعي في محاولةٍ لاستعادة قدرته على السير.

“تبدُّل الأقدار”

بعد مرور ثلاثة أيام، وبعد ما قالت ليزا عنه إنَّه “بدا دهراً”، ظهرت نتائج التقرير مشيرةً إلى أنَّ الورم هو مِن نوعٍ شرس من السرطان الذي ينمو سريعاً: ورم الغدد الليمفاوية بالخلايا البائية الكبيرة المنتشرة. وعادةً ما يصيب هذا الورم الخبيث الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 50 عاماً وليس الشباب العشريني.
وقال ويتزل: “كنتُ أصغر شخص مصاب بهذا المرض جاء إلى هذه المستشفى”.

ولم يكن السرطان، الذي ينمو سريعاً، يضغط على الحبل الشوكي فقط، وإنما كان يؤثر على نهايات الأعصاب في أجزاء الجسم الأخرى.
يُعَد سرطان خلايا الدم البيضاء أحد أشكال ورم الغدد الليمفاوية الأكثر شيوعاً، وعادةً ما يوجد “ورم الغدد الليمفاوية بالخلايا البائية” في العقد الليمفاوية أو الطحال.
وقد صُنف سرطان ويتزل على أنه من المرحلة الأولى (Stage 1E)، نظراً لاكتشافه مبكرًا خارج عقدة ليمفاوية ويطلق عليه ورم خارج الغدة، ويصيب هذا السرطان 7 من كل 100 ألف أميركي سنوياً، وهو مرض قاتل إذا لم تتم معالجته.

لم تظهر الأعراض النموذجية للمرض، مثل الحمى والتعرق ليلاً وفقدان الوزن، على ويتزل.

عادة ما يشمل علاج الورم الليمفاوي بالخلايا البائية العلاج الكيماوي والإشعاعي. وعقب الجراحة، خضع ويتزل للعديد من جلسات العلاج الكيماوي أثناء مكوثه بالمستشفى، ثُمَّ لـ24 جلسة علاج إشعاعي. وهو في بمرحلة تعافي من المرض منذ فبراير /شباط 2017.

كان التشخيص محطمًا للأم لعدة أسباب. فقالت: “أنا غاضبة جدًا من نفسي لأني لم أدفعه لزيارة الطبيب في وقتٍ أقرب”، وأيضًا لتخاذلها عن السؤال عن تفسير لألم ظهره لاسيما عندما لم يتحسن، إذ “لم يكن يشكو من شيءٍ قط حين كان طفلاً”.

وقد تفاقم قلقلها بشأن صحة ابنها، حسبما قالت، بسبب أشهر من الغموض المحيط بمصير قانون الرعاية الصحية، فقد انفجر النقاش حول إلغاءه حينما كان ويتزل في منتصف رحلة علاجه من السرطان، وقد بلغت فاتورة علاجه 600 ألف دولار تقريبًا، فخشيت والدته أن تسقط تغطية نفقات علاج ويتزل بموجب خطة والديه إذا أُلغي القانون، إذ يتضمَّن القانون الذي صدر عام 2010 تغطية الأطفال تحت سن الـ 26 عاماً وعدم حرمان الحالات التي تُعالَج من فترة ما قبل تجاوز سِن التأمين.
يقول ويتزل ووالدته إنَّهما مدينان للطبيب غاناباثي لمهارته العالية ومساعدته لهم بعد العملية.
قال ويتزل: “هذا الرجل أنقذ حياتي”.

يعمل ويتزل الآن في وظيفةٍ بدوام كامل كموظف في محكمة الولاية، ويحاول أن يضع تجربته العام الماضي نصب عينيه.
ويجد راحةً في كلام أحد الأطباء الذي قال له: “إنَّ هذا تبدُّلاً في الأقدار، فأنت لم تتدخل بشيء لتتسبب في حدوث ذلك، كما لم يكن بمقدورك القيام بأي شيء لتتجنب وقوعه”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى