“فِلِت الدولار… والفاس وقعت ع الراس”

تشير الفورة التي شهدها سوق الصرف في الساعات الماضية، إلى أن الدولار دخل مرحلة متجددة من الاتجاه التصاعدي بوتيرة أسرع. علماً أن هذا ما توقعه خبراء كثيرون، لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، في سلسلة مقالات نشرت عبر موقعنا في الفترة السابقة، التي غلب عليها طابع الاستقرار النسبي للدولار على سعر الـ20.000 ليرة، أو أكثر أو أقل بقليل.

فمنذ مساء أمس الثلاثاء، بدأت رياح صعود الدولار تهبّ من جديد، إذ بلغ مساءً حدود الـ21.000 ل.ل، بعدما افتُتح صباحاً عند حدود 20.600 ل.ل كمعدل وسطي. وترسَّخ ارتفاع سعر الصرف مع شبه الانفلات الذي تفشَّى في السوق، بدء من صباح اليوم الأربعاء، وهو مستمر حتى كتابة هذا المقال.

ومن خلال متابعات ومشاهدات ميدانية، رصد موقع “القوات” حركة سوق الصرف منذ ساعات الصباح الأولى لليوم الأربعاء، “إذ افتُتح الدولار بـ21.200 ـ 21.400 ل.ل مقابل الدولار الواحد، وأخذ يتجه صعوداً مع تقدم ساعات النهار. علماً أن نوعاً من البلبلة ضربت الصرافين، إذ اختلف سعر الصرف بين صرّاف وآخر، حتى في المنطقة ذاتها، 1.000 و1.500 ل.ل، على الرغم من أنه لا يفصل بين محلَّيهما سوى عشرات الأمتار”.

وأفاد مندوبو موقع “القوات”، أنه “مع تقدم ساعات النهار، كان الدولار يقفز مئات الليرات بشكل مضطرد، وبلغ في أوقات معينة 24.000 ل.ل. والمخاوف جدية في السوق من مرحلة تفلُّت جديدة، لا يمكن توقُّع سقفها الآن. والملاحظ أن قسماً من الصرافين امتنع عن بيع الدولار للزبائن واكتفى بالشراء، ما يؤشر إلى توقعهم استمرار ارتفاع الدولار أكثر. مع الإشارة إلى أن عدداً من المواطنين أفادوا بأن منصة صيرفة لم تكن تلبِّي كل الطلبات لشراء الدولار عبرها”.

ولا يرى عدد من الخبراء الاقتصاديين والماليين، في تصريحات إلى موقع “القوات”، أن “عودة الدولار إلى الارتفاع أمر مفاجئ، بل سبق أن توقعوا ذلك مفنِّدين الأسباب”. وأشاروا إلى أن “المسألة مرتبطة بالعوامل الاقتصادية البحتة التي تفرض نفسها، ولا مجال هنا للتوقع أو التكهن أو التبصير. من دون أن ننسى بطبيعة الحال المضاربين الجاهزين لاستغلال أي ظرف لتحقيق أرباح”.

ويشرح الخبراء، أن “تثبيت سعر الصرف على 20.000 ل.ل كان مفتعلاً ولا يعكس الواقع على الإطلاق، بل كان لأسباب سياسية تتعلق بإنجاز الموازنة ووضع رقم للعجز عند سعر شبه موحَّد للصرف، في سياق الرهان على أن ذلك يسهِّل مهمة الحكومة في التفاوض مع صندوق النقد على برنامج مالي إنقاذي، يتيح بدء تدفق الأموال من الخارج”.

ويشدد الخبراء، على أن “هذه المناورات الحكومية كانت مكشوفة، سواء للرأي العام اللبناني أو للمجتمع الدولي، وبالتأكيد لصندوق النقد. خصوصاً أن كل ما كان يسوَّق له من إجراءات وقرارات، لم يكن سوى ملهاة وبهلوانيات كما تبيَّن، لأنها كانت خالية من أي خطة إنقاذية إصلاحية حقيقية وجدية. بل على العكس، لاحظنا أن السلطة مستمرة في النهج ذاته بوضع سدٍّ منيع أمام الإصلاحات، إذ تعود لنبش ملفات ومشاريع شكَّلت مواقع أساسية للهدر والفساد والصفقات، كانت طُويت صفحتها، في الكهرباء والسدود على سبيل المثال لا الحصر، وغيرها كثيرة”.

ويقول الخبراء، إن “التأزم الذي ضرب الاقتصاد العالمي إثر الحرب الروسية الأوكرانية، وانعكاساتها على مختلف الأسواق ارتفاعاً جنونياً في الأسعار، سواء النفط أو الغاز والمازوت والمواد الغذائية والزيوت النباتية ومختلف السلع على أنواعها، لم يكن لبنان ليبقى بعيداً عنها بطبيعة الحال”.

ويلفتون، إلى أن “الأزمة العالمية استجدَّت فيما لبنان يعاني أصلاً من أزمة خانقة وشحّ في السيولة بالعملات الأجنبية. بالتالي، ومع ارتفاع الأسعار العالمي، باتت الأموال التي كانت تُخصَّص لفتح الاعتمادات لاستيراد المحروقات والمواد الغذائية وسائر السلع، غير كافية مع التراجع الدراماتيكي لاحتياطي مصرف لبنان، خصوصاً في الشهرين الماضيين منذ قرر ضخّ الدولار في السوق لتثبيته عند السعر الاصطناعي بـ20.000 ل.ل”.

“هنا وقعت الفاس ع الراس، كما يقول المثل”، وفق الخبراء، مضيفين أن “عملية تثبيت الدولار عند الـ20.000 ل.ل استهلكت أكثر من مليار و300 مليون دولار، وبات احتياطي البنك المركزي في وضع حرج جداً. لذلك من غير المستبعد أن يتخذ في لحظة ما قراراً بوقف مدّ منصة صيرفة بالدولار، أو تقنينه بدرجة كبيرة، ما يعني عملياً عودة السوق إلى فرض شروطه بناء على قواعد العرض والطلب، التي تفوق الـ20.000 ل.ل للدولار بكثير”.

ويتوقع الخبراء، أنه “من الصعب لجم مرحلة الصعود الراهنة للدولار، نظراً للواقع المعروف وانعدام الوسائل والسيولة الكافية. وحتى لو تم ضخّ المزيد من الدولار من قبل البنك المركزي لمحاولة استيعاب الفورة، لا يمكنه الاستمرار طويلاً”.

ويعتبرون، أن “الأصعب سيكون محاولة دفع الدولار إلى التراجع في مرحلة لاحقة، لأن لا بشائر سياسية واقتصادية وإصلاحات ومكافحة فساد، توحي بأن المسؤولين عندنا على قدر المسؤولية، هذا إن لم يكن بعضهم متورطاً في إفقار الشعب أكثر لأهدافه ومشاريعه ومصالحه الخاصة. بالتالي، (الله يستر من سعر الدولار الجايي) والمآسي الاجتماعية التي سترافقه”.

المصدر : أمين القصيفي – موقع القوات اللبنانية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى