هل انتهى فعلا جبران باسيل؟

“هل انتهى فعلا جبران باسيل؟”، تحت هذا العنوان كتب الإعلامي سامي كليب في موقع “5 نجوم”، وجاء في المقال التالي:

“لا شك ان عيد ميلاد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الخمسيني في حزيران الماضي لم يحمل له أي خبر سار، خلافا للكثير من الأعياد السابقة التي كانت تأتي في ذروة صولاته وجولاته السياسية في لبنان والخارج، وتجمع من حوله المحبين الحقيقيين والمتملّقين. فمن المُفترض أن يكون الرجل اليوم في ذروة القلق، أولا على وضعه الشخصي، وثانيا على التيار، وثالثا حيال منصب الرئاسة الذي ما فارقه يوما.

جاهد جبران باسيل طويلا في طريق الرئاسة. استطاع أن يفرض نفسه على الحلفاء والخصوم لفترة طويلة. الرجل الأقوى مسيحيا والأكثر تمثيلا في الشارع والبرلمان. سعى لأن يتمدد عربيا وإقليميا ودوليا. لم ينجح كثيرا لان الدول الفاعلة عربيا آثرت دعم خصومه من سمير جعجع الى وليد جنبلاط وغيرهما على أساس انهما قادران على مواجهة حزب الله بينما هو متحالف معه. ولم ينجح غربيا ، لان الغرب اقفل الأبواب في وجهه بسبب هذا التحالف مع الحزب ، وقد ينتقل من اقفال الأبواب الى فرض عقوبات أميركية تقضي على فرص باسيل في الحلم بالرئاسة التوافقية. ولم ينجح محليا، لان تقلبات التحالفات الآنية، جعلت الطوائف حذرة منه وبينها بعض ممن تحالف معه.

الفريق السياسي في لبنان الذي جاهد لمنع رئيس الجمهورية ميشال عون من الحُكم واستعادة مراكز القوة المسيحية التي ضعفت بعد اتفاق الطائف، نجح ليس فقط في تطويق الرئاسة، وانما أيضا في الإفادة من الأخطاء الكثيرة التي راكمها جبران باسيل، لقطع الطريق عليه صوب الرئاسة. وتمثّل النجاح الأبرز لهذا الفريق في تحميل جبران باسيل والعهد معظم مآسي الوطن من فساد الى تفكك الى فقر وفقدان الليرة قيمتها الى انعدام وجود كهرباء وماء وصولا الى تفجير المرفأ، وتقديم نفسه بالمقابل نزيها عفيفا لم يرتكب شيئا من الموبقات على مدى ٣٠ عاما.

استعجل جبران باسيل كل شيء، فكاد يفقد كل شيء، ومن يعمل كثيرا يخطئ كثيرا، فهل فقد كل ما سعى اليه ؟

في واحدة من تغريداته الأخيرة قال باسيل في ١٦ آب الجاري : “اقول للتيار: “نحنا الثورة الحقيقية، نحنا بي الاصلاح وامّو، نحنا ضميرنا مرتاح وما عنا شي منخجل فيه ولكن عنا قلق على الناس. نحنا التيّار من تراكم سنين النضال منقول للناس لاقونا على التحدّي بإنقاذ لبنان”.

جبران باسيل من النوع الذي لا يستسلم بسهولة. غالبا ما كان يوسّع هامش الكلام من دعم المقاومة الى اعتبار “ان لا صراع أيديولوجي مع إسرائيل”، ومن الدعوة للانفتاح على سورية الى الاحتفال ب ” لوحة جلاء” الجيش السوري عن لبنان او الى استقبال صديقه الشخصي آليوت انجل الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي ( احد مهندسي قانون قيصر والذي ما ترك قضية عربية الا ووقف ضدها لصالح عدو العرب قبل ان يُهزم في الانتخابات الاخيرة في اميركا ). أوحى باسيل في هذه المسافات السياسية والدبلوماسية المتناقضة، بأن لا شيء ثابت في سياسته الا حقوق المسيحيين التي كان غالبا ما يرفع لواءها في مناسبة وغير مناسبة، ربما قناعة منه بضرورة استعادة ما اخذه الطائف، او لمنع خصمه سمير جعجع من الركوب على الموجة المسيحية عند كل وهن للتيار.

مواقف جبران باسيل البراغماتية الى حد الدهاء، وحيويته، وقدرته على العمل ساعات طويلة، دون ان يغفل رياضة كرة القدم، ومتابعته الشخصية لأدق الملفات، كان يُمكنها ان تجعل منه أحد أهم وزراء الخارجية في لبنان، لكن تلك الرغبة اللعينة في الحصول على كرسي الرئاسة، جعلته يتسرّع في كل شيء، فتخرج الملفات الرابحة من يده، واحدة بعد الأخرى، كما يخرج الزئبق من يد الراغب بالقبض عليه؟ ويراكم الأخطاء، والشطحات في التصريحات، فيوسع هامش الهجوم عليه من قبل الخصوم، ويساهم دون ان يدري في تشويه صورة الرئيس ميشال عون الذي جاء صادقا بمشاريع إصلاحية لبناء دولة مدنية قافزة فوق الطوائف، وليضع حدا لمافيا السياسة والمال، ويبني المؤسسات، فاذا به مشغول بهم الحفاظ على جبران باسيل وتعزيز دوره وايصاله الى خلافته وتصحيح اخطائه، رغم ان عون ابن عائلة متواضعة، لم يأت الى السلطة بالتوريث ولا كان في فمه ملعقة من ذهب حين ولد وعاش في حارة حريك في الضاحية الجنوبية

تشوهت صورة جبران باسيل كثيرا في الوطن، فساهمت في تشويه صورة سيد قصر بعبدا. حمّله ثوار انتفاضة تشرين المسؤولية الكبرى في ما آلت اليه أضاع الوطن. لعبت اخطاؤه دورا مهما في جذب نقمة الناس، خصوصا ان الكهرباء التي وعد بها طويلا لم تأت، ولا جرت محاكمة فاسد واحد، ودخل وادخل العهد في عملية المحاصصة، ما جعل خصومه الذين عشش الفساد في تجربتهم الطويلة في الحكم يسعون لتقديم انفسهم أبرياء وهو المخطئ الوحيد.

هل انتهى جبران باسيل؟
لو صدق ما يتسرب عن شروط جبران باسيل بالنسبة للحكومة العتيدة، فهذا يعني أن الرجل يكابر على النكبات والكبوات التي أصيب بها، ويناكف الجميع يقينا منه بأنه ” ضحية”، ويعني كذلك أنه ماض في المعركة حتى نهايتها مهما كلّف الأمر، وهو بذلك يُذكّرنا بالعماد ميشال عون، العسكري المتمرّد الذي كان يعرف ان المعركة غير متوازنة مع سورية وحلفائها في لبنان لكنه خاضها.

يخشى جبران باسيل انه في حال لم يكن جزءا من الحكومة التي قد يرأسها سعد الحريري، يعني أن الحكومة ستقضي على ما بقي من عهد وان دوره سيضعف وحظوظه بالرئاسة ستضيق حتى التلاشي ومصالحه ستُضرب في الصميم…

لكن الرجل الذي ابتعد عنه بعض رفاق الأمس، وانشق عنه عديله النائب شامل روكز وعدد من الوجوه الفنية والثقافية والحزبية، لم ينته بعد. أمامه فرصة للابتعاد عن ممارس السلطة والانتقال الى معارضة حكومة سيكون من السهل معارضتها نظرا لقلة الموارد وللمشاكل الاقتصادية والاجتماعية الضخمة، ويستطيع إعادة تنشيط التيار الذي نجح في المعارضة وضعف في الحكم، ذلك ان معركة باسيل الحالية متعددة المصادر، أبرزها من القوات اللبنانية في بيئته المسيحية، وثانيها مع خصوم الداخل الذي ازداد عددهم بدل ان يتراجع، وثالثها مع المجتمع الدولي الذي قد يضعه على لائحة العقوبات.

لن يستطع جبران باسيل الثاني ان يجتاز الخطر الكبير الحالي، اذا عاد الى السلطة، فكثير من الناس باتوا ضده، اما بسبب أخطاء يحملونه مسؤوليتها ، او بسبب نجاح الدعاية المضادة. وبالتالي فان ابتعاده عند الحكومة صار شرطا دوليا وعربيا ، وليس اكثر برهانا على ذلك من احجام عدد من الدبلوماسيين الأجانب والعرب عن زيارته مؤخرا، فحتى الوزير المصري تجنّب لقاءه.

ليس امام باسيل سوى فرصة أخيرة ووحيدة، وهي ان ينتقل الى المعارضة، ويقوم بعملية نقد ذاتي كبيرة ومراجعة لكل الأخطاء، ويعيد اطلاق التيار الوطني على أسس جديدة وبوجوه جديدة حتى ولو ابتعد هو نفسه عن رئاسته… وبغير ذلك فهو سيفقد كل شيء وخصوصا الأمل في الترشح للرئاسة، كما سيساهم في القضاء على ما بقي من عهد عمه الرئيس ميشال عون.

لكن المشكلة الكأداء عند جبران باسيل هي التالية: اذا تجاوب مع المطالب الغربية والعربية بالابتعاد عن الحزب، يفقد حظوظه بالرئاسة والسلطة ، وان بقي على تحالفه القوي معه، سيتعرّض لعقوبات دولية لذلك سيحاول التعبير عن مواقف متباينة عن الحزب دون ضرب جوهر التحالف …في كل الاحوال فليس أمامه سوى إعادة فرض نفسه قوة حقيقة في المجتمع المسيحي وإعادة نسج علاقات حقيقية مع الدول العربية ، اولا لان الغرب لا يُعاقب عادة الأقوى تمثيلا بين المسيحيين وثانيا لان العرب ليسوا أعداء للمسيحي في لبنان وانما غالبا ما يتحتضنونه ومن الصعب على باسيل استعادة دوره وهو على خصومة أو تحد مع أبرز ممثلي السنة ، وثالثا لان حلفاءه وخصومه لا يرغبون بتقدم سمير جعجع صوب الرئاسة… لا شك انها مهمة صعبة جدا، لكنها غير مستحيلة ، فوضع العماد ميشال عون سابقا كان أقسى واشد صعوبة ومستحيل الوصول الى الرئاسة…

ففي لبنان، لا شيء مستحيل، ولا سياسي ينتهي، وكل الاحتمالات تبقى قائمة، حتى يستيقظ القسم الأكبر من الشعب، ويقوم بثورة حقيقية، تهدف إقامة دولة مدنية قوية ومستقلة ومحافظة على حدود الوطن. لذلك فالقول ان جبران باسيل انتهى ، فيه الكثير من المغالاة، واعتقاده بأنه لا يزال قويا، فيه مغالاة اكثر، فمعظم اللبنانيين كفروا بمعظم الساسة وهو منهم.

المصدر : سامي كليب – 5 نجوم

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى