اطمئنوا ….الدولار بخير!

كتب د.ربيع كمال الدين

قد يظن البعض أن هذا العنوان هو من نسج الخيال، أو من باب التمني ، إلا أن التحليل المنطقي المستند على المعطيات العلمية والاحصاءات يؤكد ذلك ، اللهم اذا لم يحدث طارىء يغير هذه المعطيات كلياً. بلد غارق في الديون (معظمها داخلية)، انهيار في سعر العملة (5 مرات أكثر مما كانت عليه منذ سنة)، لا استقرار سياسي (من دون حكومة منذ أكثر من 5 أشهر)، لا استقرار أمني أو بالأحرى حوادث أمنية متفرقة أخرها ما يجري في طرابلس وبعض المناطق الأخرى، جائحة مرضية يئن تحت وطأتها معظم قطاعات المجتمع، نازحون سوريون يفوق عددهم ربع سكانه، لاجئون فلسطينيون يصل عددهم لحوالي نصف المليون، انعدام وجود الطبقة الوسطى….الخ. كوارث واحصاءات كلها تدعو للتشاؤم والخوف من المستقبل، الا أن ما يدعونا لعدم توقع زيادة كبيرة في سعر صرف الدولار (يمكن حصول ذلك لفترة قصيرة وبتلاعب مقصود من بعض الجهات المؤثرة) هو المعطيات الآتية:

انخفاض حجم الاقتصاد (حوالي 55 مليار دولار في العام 2019) إلى أكثر من النصف وبالتالي انخفاض حجم الاستيراد من الخارج.
حجم التحويلات المالية الى لبنان ( حوالي 7 مليارات) في العام 2020 بالرغم من الجائحة التي انهكت اقتصاد مجمل دول العالم.

نمو بعض الصناعات بوتيرة سريعة وفي قطاعات جديدة (معدات ومواد طبية، مواد غذائية ومشروبات، احذية ، ملبوسات…)، وبالتالي ارتفاع طفيف بحجم الصادرات.
محاولة معالجة موضوع الديون الداخلية وبالتالي الودائع بالدولار عبر ما يسمى “اللولار” أي دفعها بالليرة اللبنانية ووفق قيود صارمة يحاول البنك المركزي فرضها على القطاع المصرفي.

الاجراءات المرجوة والتي تسعى الى ترشيد الدعم أو الغائه (منعاً للتهريب)، مع ما يجب لأن يرافق ذلك من بطاقات تموينية أو تمويلية للمواطنين فقط من اصحاب الدخل المحدود والذي تجاوز عددهم نصف سكان لبنان.
ماذا تعني هذا المعطيات؟ ولمَ تدعونا الى القليل من التفاؤل بعدم ازدياد سعر صرف الدولار كثيراً، لا بل استقراره بشكل أو بآخر في المدى المتوسط، وتراجعه على المدى الطويل.

أولاً: إن بلداً يفوق حجم مغتربيه عدد سكانه بأكثر من ثلاثة أضعاف لا خوف عليه، سيما إذا ما علمنا أن معظم المغتربين قلبهم على لبنان ولم يبخلوا يوماً بمده بالانعاش اللازم، رغم كل ما يمر به حالياً من عزلة دولية نتيجة لوقائع لا يمكن تغييرها في الوقت الحاضر، وأبرز دليل على ذلك هو أرقام التحويلات في العام 2020.

ثانياً: انخفاض الاستيراد، هو عملياً انخفاض حجم خروج العملات الصعبة من البلد (لا نناقش هنا تغير مستوى المعيشة وجودة البضائع…الخ حيث أنه وبلا ادنى شك أن الوضع الاجتماعي أصبح كارثياً)، وهذا ما يؤدي إلى عدم ازدياد الطلب على الدولار كثيراً، لا سيما وأن بعض الخبراء يقدرون حجم الكتلة النقدية “الدولارية” المخزنة في البيوت بحوالي 10 مليارات دولار.

ثالثاً: رغم عبىء النازحين واستهلاكهم للبنية التحتية اللبنانية وانهاكها من كهرباء وماء، إلى طرقات وقطاعات اقتصادية وغيره…، إلا أنه يبقى مهم أن نشير إلى أن هؤلاء أو معظمهم، يصلهم “fresh cash money ” وبالتالي يساعدون بشكل أو بآخر بتوفر العملة الصعبة في السوق. ولا ننسى رواتب المنضوين ضمن “حزب الله” الذين لا يزالون يتقاضون رواتبهم بالعملة الصعبة.

رابعاً: عدم تخلي المجتمع الدولي وبالأخص فرنسا عن لبنان، بالرغم من أن الموقف الدولي صارم بوجوب القيام بالاصلاحات وفك ارتباط حزب الله عن صراعات المنطقة، انما يبقى أنه وبالحد الأدنى الكل يسعى لمنع الإنهيار التام.

من هنا، وكي لا نطيل الكلام ، نستطيع القول أن السعر الطبيعي للدولار وسط هذه المعطيات، أي وفق قاعدة العرض والطلب ودون تدخل جهات مؤثرة على السوق، يتراوح بين الأربعة آلاف ليرة و خمسة آلاف. وما نشهده اليوم من سعر بين 8000 آلاف و10000 ألاف، ما هو إلا نتيجة الفراغ والصراعات السياسية المستمرة، أضف إلى استغلال وطمع البعض بتحقيق الأرباح السريعة من تجار وصرافين وبعض المصرفيين والجهات النافذة.

المصدر : CH23

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى