“الإرهابي المبتسم” يبتسم للحضور في المحكمة ويرفض التلفظ بأي كلمة… وآخر وقع في مصيدة ضابط قدير شديد الذكاء وقبض عليه في منطقة الروشة

رغم اتّهامه بأخطر ملفات الإرهاب، لا يستطيع نعيم عبّاس أن يدخل قاعة “العسكرية” من دون أن يُوزّع ابتساماته على الحضور. يقترب الرجل من المنصّة، ينزع عن رأسه قبّعة صوفيّة سوداء اللون، يُحيّي هيئة المحكمة بيده اليمني وينتظر سماع التهمة الموجّهة إليه.

“أسند إليك أنك أقدمت على الإنتماء إلى تنظيم مسلّح بهدف القيام بأعمال إرهابيّة وتصميم وتصنيع دوائر الكترونيّة تستخدم في تفجير العبوات الناسفة والصواريخ”. فوراً يبدي المتهم عدم رغبته في الإجابة عن أيّ سؤال ستطرحه عليه الرئاسة ويقول: “أنا ما رح إحكي طالما أنا بسجن الريحانيّة”.

يعقّب رئيس المحكمة العميد حسين عبدالله “مكان التوقيف لا يقع على عاتق المحكمة هذا أمر يجب أن تبت به النيابة العامة بعد أن تتقدّم وكيلتك بطلب خطّي يتعلق بالنقل”.

توضح هنا وكيلة الدفاع عن عباس المحامية زينة المصري أنّها تقدّمت سابقاً بطلب أمام القاضي صقر صقر وبعد عرضه على المديرية العامة لقوى الأمن أُجيب بالرفض، وهي تقدّمت منذ أسبوع مضى بطلب ثان بهذا الخصوص لم يُبت به حتّى اليوم.

يؤكّد عبدالله مجدّداً أنه ليس من اختصاص المحكمة أن تتجاوب مع كلّ متهم أو مدعي عليه يريد أن يختار هذا السجن أو ذاك، فيتدخّل “نعيم” قائلاً: “حضرة العميد، أنا عندي ظروف صحيّة، لديّ التهاب بالأعصاب وأعاني من أوجاع في رجليّ، لم أعد أقدر تحمّل المبيت في غرفة تحت الأرض تملؤها الرطوبة منذ أربع سنوات. لقد ارتأى طبيب السجن بعد معاينتي عدّة مرّات أنّني بحاجة لدخول المستشفى بسبب رجلي وكليتي وعيناي ولا من مجيب، هم يرفضون إنزالي إلى المستشفى، لذلك لن أتكلّم قبل الإستجابة لطلب نقلي”.

شرحت المحامية المصري المخاض العسير الذي يتطلّبه الدخول إلى سجن الريحانية والخضوع للتفتيش الدقيق وعدم تمكنّها من رؤية موكّلها لفترة كافية ناهيك عن اضطراره لتقديم طلباته عن طريق الصليب الأحمر”. بعدها سأل رئيس المحكمة الموقوف: “شو بدّك تحكي؟ هل تكرّر إفادتك الأوليّة؟ هل أطلقت صواريخ باتجاه فلسطين المحتلّة؟”، فردّ “نعيم”: ” لا أعرف ما ورد فيها وأمتنع عن الإجابة “.

حينها طلب العميد من العناصر المولجة حماية القاعة إدخال عباس إلى قفص الإتهام، وباشر باستجواب المتهم الآخر وسام نعيم الذي أفاد بانتمائه إلى كتائب عبدالله العزّام في بداية العام 2009، وأنّ مهمّته كانت تصميم الدارات الكهربائيّة (التوقيت) وتركيبها على الصواريخ قبل استعمالها.

يعترف الشاب الثلاثيني الذي عمل تحت إمرة توفيق طه أنّه كان متحمّساً للقضية الفلسطينية وحق العودة، فكان يضع جهاز التوقيت على الصاروخ الذي يتم نقله إلى صور في جنوب لبنان قبل أن يتم إطلاقه على إسرائيل، مؤكّداً أنّ مجموع الصواريخ التي صمّم لها الـ “timer” بلغ 12 صاروخاً، أطلق منها أربعة فقط بنجاح فيما فشل إطلاق ما تبقى منها وعثر عليهم في المكان.

مصيدة الأمن العام وخرق “التواصل الآمن”

يشرح المتهم كيف تمّ استدراجه من قبل ضابط في الأمن العام كان تواصل معه عبر “فايسبوك” بعد أن عرّف (الضابط) عن نفسه أنّه يقيم في لندن وسيحضر إلى لبنان، وسأله (أي سأل وسام) إذا كان يرغب بأي شيء من هناك، فطلب منه أن يشتري له مقصّاً دون أن يُفصح له عن ماهية استعماله، وهو في الواقع كان يريد أن يستخدمه في قصّ الهويات المزوّرة. في الموعد المحدّد حضر الضابط إلى منطقة الروشة للقاء “وسام” فتمّ توقيفه فعلم أنّه وقع في مصيدة الأمن العام .

وحول ضلوعه في أعمال التزوير قال: “ضاقت بي الأحوال الماديّة فعرض عليّ توفيق طه أن أزوّر هويات اللاجئين مقابل حصولي على 300 دولار عن الهوية الواحدة فوافقت وأنجزت نحو 25 بطاقة قبل أن يقبض عليّ”.

ويضيف: “تمكن الأمن العام من خرق جهاز حاسوبي وكنت أظنّ أن تطبيق “التواصل الآمن” الموجود فيه سيحمي محادثاتي لكنّه لم يكن آمنًا أبداً وتمّ خرقه ومصادرته مع كل ما يحويه من خرائط وبرامج”.

شخصيّة مشهورة

ينفي الموقوف مشاركته بمهمات أمنية إلى جانب نعيم عباس، ويقول أنا كنت أعمل مع توفيق طه فيما نعيم عباس كان له شبابه. عبّاس شخصيّة مشهورة في المخيّم، مطلوب للقضاء، وأيضاً هو ابن عم أمي.

يؤكد الشاب ردّاً على سؤال، أنّ لا علاقة له بالسيّارت المفخّخة المتورّط بها عباس، فالتفجيرات تمّت بعد توقيفه بخمسة أشهر (توقيف وسام) ، مشيراً إلى أنّ كتائب عبدالله عزّام لم تشارك في أي أعمال داخل لبنان أمّا عباس فترك الكتائب وراح يعمل لحسابه. ونفى المتهم أن يكون قد صنّع أي جهاز توقيت ثبّتت على صواريخ أطلقت على سوريا، كاشفاً عن اتفاق كان عقد بين “عصبة الأنصار” (التي عاد والتحق بها) وبين “حزب الله” إبّان اندلاع الثورة السورية يؤكّد على عدم التدخل بما يحصل في سوريا ، تمّ الإلتزام به مع تسجيل تأييده لتلك الثورة.

“تكفيري ..أعدائي الشيعة !”

استغرب المستجوب نعته بـ”السلفي التكفيري”، وقال: “تقولون أنني اعترفت بالتحقيقات أنني “سلفي تكفيري أعدائي الشيعة”، أنا مسلم سنّي ليس عندي أيّ فكر متشدّد وهل من المنطقي أن ينعت شخص يتم التحقيق معه نفسه بالتكفيري وأن الشيعي عدوّه، هذا غير صحيح، إسرائيل عدوّتي. أنا تأثّرت بالمجازر التي كانت تحصل في غزّة وقمت بأعمال ضد اسرائيل نصرة لفلسطين وأهلها وأستغرب وقوفي هنا”.

بعدها جرى استجواب المتهم مصطفى عبد العزيز الذي كان يتولّى طهي الطعام للمسلّحين في مخيّم نهر البارد يوم كان في الخامسة عشر من عمره، ثمّ تمّ الإدعاء اليه في هذه القضيّة بـ”استعمال مزوّر”، فأكّد أنّه أوقف في ملف نهر البارد 5 سنوات ونصف وبعد خروجه من السجن لم يقم بأي عمل مشبوه على الإطلاق ومع ذلك تمّ توقيفه منذ 3 سنوات.

صواريخ الضاحية

وقبل إرجاء الجلسة إلى المرافعة، طلب وسام نعيم الكلام مجدداً فطلب من رئيس المحكمة أن يسأل نعيم عباس إذا ما كان قد نفّذ إطلاق الصواريخ على الضاحية لصالح “الكتائب” أم غيرها، فتوجّه العيمد عبدالله الى عباس: “اتّفقت مع أحمد طه على ضرب الضاحية بعد أن أعلن حزب الله التدخل في سوريا، وقد طلب منك تأمين الصواريخ والدارات الكهربائية، وكان الهدف ضرب مجمّع سيد الشهداء في 26 أيار 2013، لكنّ الصواريخ سقطت خطأ في الرويس.. هل تريد الإجابة؟”، هزّ عباس برأسه الى الأعلى موحياً بالرفض، ليؤكّد مواطنه الفلسطيني وسام نعيم أنّ عبّاس اعترف أمام الهيئة السابقة للمحكمة أنّه انشقّ عن “الكتائب” وعمل مع عبدالله العراقي بالقلمون.

وعليه أُرجئت الجلسة إلى 19 كانون الأول المقبل للمرافة ولفظ الحكم.

المصدر: للكاتبة سمر يموت/ لبنان 24

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى