الإفلاس يلوحُ في الأفق.. الدولار سيرتفع وتدخل ‘المركزي’ شكليّ!

بقرارٍ مفاجئ، قرّر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التدخّل لـ”إنقاذ الليرة اللبنانية”، التي خسرت أكثر من 60% من قيمتها، بسبب التلاعب القائم بسعر صرف الدولار في السوق. فمصرف لبنان، الذي اختار يوم 27 أيار المقبل للتدخّل، سيكون محتّماً عليه الولوج مباشرة إلى سوق القطع، وهذا الإجراء يفرض ضخّ دولارات في السوق لدعم العملة الوطنية عبر وحدة خاصة، وهي الخطوة التي من شأنها، منطقياً واقتصادياً، أن تساهم في تنفيس سعر الدولار.

وفي تحليل الخطوة التي اتخذها سلامة، فإنه ثمّة تساؤلات عديدة تطرح نفسها: ما هي الأرضيّة التي استند عليها مصرف لبنان للتدخل الآن؟ هل يستطيع فعلاً ذلك؟ وكم من الدولارات سيطرح في السوق؟ ووفق أي سعر؟ وهل ستكون آلية الرقابة على الصرّافين فعّالة؟ وهل ستبقى الدولارات داخل لبنان؟

واقعياً، فإنّ مجمل المعطيات تشيرُ إلى أنّ الاحتياطي من العملات الأجنبية في مصرف لبنان يعاني من تدهورٍ بارز، ما يعني أن أي تدخّل منه سيجعل البنك المركزي يواجه خطر الإفلاس. كل ذلك يمكنُ تأكيده من التعاميم التي اتخذها الأخير لجمع الدولار، خصوصاً عبر المصارف وشركات التحويل الماليّة، وأيضاً من خلال الصرّافين. فلو صحّ فعلاً أن مصرف لبنان يمتلك 21 مليار دولار من الموجودات الأجنبيّة، لكن استطاع لجم سعر الصرف بمليار دولار فقط، خصوصاً منذ بداية الأزمة.

وهنا، فإنّ التركيز يجب أن يكون موجّهاً على “السيولة الفعليّة” التي من خلالها سيتمكن مصرف لبنان من التدخل. ففي منتصف العام 2019، أصدرت وكالة “ستاندرد آندبورز” الدولية تقريراً أشارت فيه إلى أنّ “احتياطي البنك المركزي القابل للاستخدام يصل إلى 19.2 مليار دولار”، ويعني ذلك أن هذا المبلغ هو الذي يستطيع البنك المركزي التصرف من خلاله عند الحاجة للتدخل وتوفير العملة الصعبة لتثبيت سعر الصرف.

غير أنه مع الأزمة القائمة، وبعد تهريب أموالٍ إلى الخارج بين تشرين الأول 2019 و نيسان 2020، وعدم وجود تحويلات على شكل ودائع أو استثمارات، فإنّ السيولة الفعلية لدى مصرف لبنان أصبحت حرجة، وتدهورت بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، علماً أن هذا الاحتياطي تراجع بنسبة 41% أيضاً بين عامي 2017 و 2019، إذ بلغ في العام الأول 32.5 مليار دولار.

وفي هذا الصدد، يكشف الخبراء أنّ “قيمة الأموال الموجودة لدى البنك المركزي لا تكفي حالياً لأي تدخّل وهي تراجعت إلى حدّ كبير، وفي حال حصل ذلك فإنّ القدرة على ضبط السوق ستكون قصيرة، كما أن الخطر الأكبر يكمن في عدم القدرة على توفير دولارات للاستيراد، ما يعني أنّ أي خطوة ناقصة بهذا الاتجاه ستجعل لبنان أمام عجز كبير على صعيد الغذاء والدواء والمحروقات”.

ومع ذلك، فإن هناك مخاوف من أن ينفذ احتياطي مصرف لبنان من السيولة خلال الأشهر المقبلة، وهو ما يعتبر افلاساً علنياً. كل ذلك قائم في حال لم يتم دخول تحويلات جديدة على شكل ودائع أو استثمارات إلى لبنان، وهذا مرهونٌ بالثقة المفقودة بين القطاع المصرفي والمودعين.

“قرار شكلي”.. المغتربون سيموّلون العجز!

خلال الفترة الماضية، كان حاكم مصرف لبنان يقول أنّ البلاد بحاجة إلى 15 مليار دولار من الخارج لوقف الانهيار، هذا الكلام دليلٌ على أن السيولة الفعلية في لبنان هي أقلّ من المُعلن عنها من قبل البنك المركزي. ولذلك، فإنّ خطوة التدخّل اليوم، تحتاج إلى المبلغ الذي طالب به سلامة، والأكيد أنه لم يتوفّر، والثابت أكثر هو أنّ كل الإجراءات التي تتخذ هدفها جمع الدولار في السوق لتمويل حاجات لبنان من الاستيراد،

وهو الأمر الذي لا يشجّع أبداً على أي انتاج محلّي. وإنطلاقاً من هذه النقطة بالتحديد، فإنّ التدخل الذي جرى الإعلان عنه سيكون على فترات وليس دفعة واحدة، باعتبار أن مصرف لبنان لن يستطيع ضخّ مليار دولار على الأقل بسرعة. ووفقاً للخبراء، فإنّ العملية التي سيباشر فيها مصرف لبنان ستكون من خلال استكمال أخذ الدولارات الواردة من المغتربين إلى ذويهم في لبنان، وبيعها إلى الصرّافين بشكل دوري وفق سعر مُحدّد سيكون أدنى من الـ3500 ل.ل”.

ومع هذا، فإن الدولارات التي سيتمّ تقديمها تباعاً لن تكفي حاجات السوق، كما أن هناك من سيعمد إلى استغلالها بشكل كبير وسحبها والاحتفاظ بها. وهنا، فإن سعر الدولار سيعود ليرتفع بعد هبوط طفيف جداً، وقد يصل مصرف لبنان إلى مرحلة يصبح فيها عاجزاً عن التدخل كون الدولارات التي يضخها في الأسواق قد لا تلبي حاجات الوارادت أيضاً، ما يعني أن هذا القرار شكلي في مضمونه. والأزمة هنا أيضاً تقوم على “الثقة” لدى المواطن والعملة الوطنيّة، وفي حال بدأ الدولار بالتوفر، فإنّ كل من يمتلك الليرة سيعمد لتحويلها إلى دولارات بسرعة والاحتفاظ بها، وهي العمليّة التي ستجعل العملات الصعبة تختفي مجدداً بشكل متتابع كما حصل مع بداية الأزمة.

ومع كل ذلك، فإنّ قرار مصرف لبنان الذي جاء بعد إلحاح من رئيس الحكومة حسان دياب، ما هو إلا مقتلٌ جديد للدولار أولاً، وللبنانيين ثانياً. فهنا، يريد دياب أن يقول أنه “استطاع أمر حاكم مصرف لبنان بالتدخل”، لكنه يدرك النتيجة سلفاً أن هذا الإجراء لن يجدي نفعاً طالما لبنان محرومٌ من التحويلات والاستثمارات، كما أنه لا ينتج أبداً.

ولهذا، سيؤخذ الفشل في هذا الإطار كذريعة أكبر ضد رياض سلامة الذي يقول أن أي تدخل في السوق هو تبذير لدولارات المركزي. وهنا، فإنّ ما يقوم به دياب ليس إلا تمويلاً للتهريب القائم إلى سوريا، والدولارات التي ستُصرف في لبنان ستخرج منه من دون أي حسيب أو رقيب، ما يعني أن سعر الصرف لن يتراجع أبداً طالما هذا النمط سيبقى قائماً.

المصدر : محمد الجنون – لبنان 24

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى