الحريري خارج الصورة | والمرحلة لإعادة التوازن إقليمياً فانتظروا المفاجآت!

ما حصل نهار السبت في الرابع من تشرين الثاني عندما أطلّ الرئيس سعد الحريري من السعودية في خطاب وُصف بأنه “عالي السقف” ومُعلناً فيه استقالته من الحكومة اللبنانية، “لم يُشّكل مفاجأة”، بحسب مصدر متابع للشؤون الإقليميّة! لافتٌ هذا الموقف إذ إنّ القريب والبعيد أجمع على أنّ خطوة “الشيخ” فاجأت الجميع.

ومن باب النكات المتداولة أنّ الاستقالة كانت بمثابة مفاجأة كبيرة للرئيس الحريري بذاته، فإلى ماذا يستند هذا المصدر عندما يقول أنّ ما حصل كان “مُتوقعاً”؟ ما الذي حصل فعلاً، وماذا سيحصل في الغد؟!

الأكيد أنّ مشهدية ما بعد السبت ذات لون رماديّ. ثمة أمورٌ واضحة كعين الشمس، وأخرى قد لا تجد تفسيراً أو مبرراً أو توضيحاً حتى إشعار آخر. تحليلات وتكهنات وإشاعات وأخبار ومعلومات وتخوّفات ومواقف بالجملة أتبعت الاستقالة، وستظلّ على الأرجح قائمة في المدى القريب.

لكن بحسب المصدر الذي تحدث لـ”لبنان24″، فإن الاستقالة من الحكومة اللبنانية ليست إلا مشهداً من الفيلم الكبير الواسع النطاق الدائر في الإقليم. “الموضوع أكثر تعقيداً من خطوة الحريري”، يقول.

برأيه، فإن الاستقالة لم تكن هي المفاجأة – الصدمة. كلّ ما جرى في المرحلة الماضية في لبنان كان يؤشر إلى مثل هذه النهاية.

ولا يقصد المصدر هنا الخلافات بين الوزراء والملفات الداخلية البحتة، بل يقصد التسوية التي حصلت منذ عام: “التسوية منذ البداية كانت مخلوقاً ناقصاً غير طبيعي! فهي لم تكن بمعناها الحقيقي والواقعي والبديهي الذي يقضي بأن يقدم فريقان متنازعان تنازلات معيّنة للوصول إلى صيغة مُرضية للطرفين، لأن ما حصل كان ذهاب فريق إلى الآخر مقدماً التنازلات بحيث باتت الأمور على صعيد الأمور السياسية مُلزمة بقرارات المحور الإيراني – السوري -“الحزب اللهي”، ما أوحى فوراً بوصولها في مرحلة من المراحل إلى نقطة النهاية بشكل من الأشكال”.

وبرأي المصدر، وصلت الأمور على صعيد الإقليم إلى مرحلة بات يصعب فيها ترك الواقع على حاله: “عوامل كثيرة قد تكون اجتمعت وأوصلت إلى هذه النتيجة، وعلى رأسها الانخراط السعودي في النزاع مع إيران والذي يؤثر بطبيعة الحال على وضع الطائفة السنية في لبنان بعامة ووضع الحريري بخاصة”.

أما عن توقيت الاستقالة وإخراجها، بل وتزامنها مع حدث سعوديّ داخلي متعلق بقضايا الفساد، فيرى المصدر أن ثمة أكثر من علامة استفهام تُطرح، لكنه سرعان ما يؤكد أنّ الموضوع سياسيّ بحت بدليل اللقاء الذي جمع اليوم الملك السعودي بالرئيس الحريري.

لكن ماذا في الصورة الكبرى الإقليمية بل الدولية؟

يقول المصدر: “المشكلة القائمة في المنطقة حالياً هي نتيجة اللاتوازن في القوى وفي الأحجام بسبب الانكفاء الأميركيّ، وصولاً إلى مرحلة باتت فيها إيران غير قادرة على “هضم” ما نالته سواء في سوريا أو في لبنان من خلال حزب الله أو في العراق. لقد تركت أميركا إيران على سجيّتها لعشر سنوات، وها هي تفطن اليوم أنّ دورها في العراق بات أساسياً، بل إن دورها على الصعيدين العسكري والسياسي في كلّ من لبنان وسوريا بات متعاظماً. ومن هنا يتبيّن أنّ أميركا أخطأت حينما كلّفت روسيا بالموضوع الإيراني في المنطقة، تماماً مثلما يتبيّن أيضاً أنّ الحسابات الإسرائيلية عن قدرة روسيا على لجم إيران كانت بدورها مخطئة. والحال أن الكيل قد طفح بالنسبة إلى الأميركيين ودول الخليج على حدّ سواء! ولنتذكر أنّ الإدارة الأميركية الجديدة أفرجت عن رؤيتها حيال وضع إيران في المنطقة، وجاء ذلك على لسان ترامب شخصياً الذي يريد كفّ الهيمنة الإيرانية، أو وضع حدّ لها، أو حتى إيجاد تسوية شاملة”.

وعليه، يرى المصدر “أنّنا اليوم في مرحلة بداية ترجمة رؤية الإدارة الأميركية التي تسعى إلى إعادة التوازن والأحجام إلى طبيعتها في المنطقة…فهل تنجح بذلك أم أننا على موعد مع مزيد من الخراب والدمار؟”

لا تبدو الأمور على هذه السهولة! فبرأي المصدر، قد نكون أمام حرب في الإقليم تدخل فيها إسرائيل! بيد أنّ هذا السيناريو العسكري قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تسوية توجد تفاهمات معيّنة بشأن إيران”.

إذاً، إنها مرحلة مليئة بالمفاجآت. لن تسمح الولايات المتحدة ببقاء الوضع على هو عليه اليوم! هذه الأجواء ليست ببعيدة عن المملكة العربية السعودية التي تخوض حروباً مع إيران في اليمن بخاصة، وفي دول الخليج بعامة. وبالتالي يبدو واضحاً أنّ المرحلة الجديدة تتحوّل من تصعيد سياسيّ عام إلى تصعيد سياسي على الأرض، أي في الأماكن التي “تتواجد” فيها إيران!

ولعلّ جزءاً كبيراً من “المعركة” التي تتأجج راهناً يرتبط بكلام عن انتصار النظام السوري بل عن عودته إلى الحكم وإعادة إحيائه من خلال الدعوة إلى تسوية علاقات الدول به. وبرأي المصدر، فإن التطبيع المرجوّ لن تقبل به حتماً الأطراف المناهضة للنظام السوري لسبب بسيط هو التغلغل الإيراني المتمادي في سوريا، ولذلك فإن ما يحصل هو بمثابة ردّ على “الانتصار” الذي يدعو المحور الإيراني – السوري إلى تكريسه.

ماذا عن لبنان؟ وهل من ملامح للمرحلة القريبة؟

برأي المصدر، “الرئيس الحريري سيكون خارج الصورة السياسية في المرحلة المقبلة”. ويضيف:” لأن ما يحصل في لبنان هو انعكاس للمجريات على الساحة الإقليمية، فمن الممكن أن يدخل في أزمة كبيرة لا تنهيها إلا تسوية إقليمية”.

لكن هذا السيناريو يقابله “منفذٌ” قد يقي لبنان شرّ اللهيب المشتعل. يقول المصدر:”هناك إمكانية لذلك من خلال تجمّع القوى المعارضة للمحور الإيراني – السوريّ ينتج منه مشروع تسوية تقضي بتحييد لبنان عن خلافات المنطقة واعتماد سياسة النأي بالنفس”.

ومع أنّ هذه “التسوية” لن تُشكّل حلاً جذرياً للمشكلة بل ستكون عبارة عن تجميد لها وشراء المزيد من الوقت، فإن المصدر يسأل: “هل المناخ الإيراني وبالتالي حزب الله مستعد للدخول في مثل هذه التسوية البعيدة عن ممارساته التي اعتدناها سواء على المستوى الإقليمي مع إطلاق الصواريخ على الرياض والمعلومات التي تتحدث عن دخول عناصر من الحرس الثوري إلى منطقة درعا المتفق أن تكون بعيدة من مرمى القوات الإيرانية، أو على المستوى اللبناني مع إصرار حزب الله على عدم تقديم تنازلات في وقت يهلل لانتصار محوره؟!

وعليه، يرى المصدر أن الشعور بالتفوقّ والانتصار هو أهمّ العوائق التي تُفشل التسوية التي تحدث عنها، وبالتالي يرى أننا قادمون على فراغ على مستوى رئاسة الحكومة يشبه الفراغ الذي حصل في سدة الرئاسة الأولى!

بطبيعة الحال، هذا الموضوع سيخلق مشكلة أساسية في البلد، يأمل المصدر ألا تتطّور إلى مشكلة أمنية. ومن هنا يسأل:”هل الفريق الآخر مستعد للسير بتسوية ام سيظل يمارس الغطرسة والفرض؟ هذه علامة استفهام كبيرة”.

لكنه سرعان ما يؤكد أن ليس من مصلحة حزب الله تأزيم الوضع في لبنان، ولا هو راغبٌ بإعطاء انطباع عن أنّ الحكومة هي حكومته وذلك لأسباب تتعلق بالعقوبات الأميركية والمواقف الدولية من لبنان. وعليه، يخلص المصدر إلى أنّ تجنيب لبنان العقوبات والضغوطات الشديدة يقتضي من حزب الله أن يقدم تنازلات ويسير بتسوية قوامها النأي بالنفس. هل هو قادرٌ على ذلك؟!

إنه السؤال الأصعب ولعلّ الإجابة عليه ستحملها المفاجآت القادمة!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى