السجائر اللبنانية | زيادة في الإنتاج والطلب… وفوضى أسعار

علبة سجائر “المدخنين الفقراء”، الـ«سيدرز»، بـ 12 ألف ليرة في السوق. لائحة الأسعار الرسمية للمستهلك، التي صدرت أخيراً عن إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية «الريجي»، تراعي هامش ربح للتجار يفوق الـ 15 في المئة على بعض الأصناف. إلا أنهم يُمعنون في خرقها، وخصوصاً في بعض الأصناف التي يتزايد عليها الطلب، بينما يبيعون أصنافاً أخرى ما دون السعر الرسمي خوفاً من كسادها. أمّا حال «سجائر الأغنياء»، مثل الـ«مارلبورو غولد»، فليس أفضل من الـ«سيدرز»؛ الجشع يطاولها أكثر نظراً إلى أن الكمّية التي تُسلّمها الشركة الأجنبية المُنتجة لـ«الريجي» ضئيلة جدّاً، فالشركة تخشى من تهريبها إلى سوريا وخرق «قانون قيصر»، لذا يتجاوز سعر العلبة الواحدة اليوم الـ 60 ألف ليرة، إن وُجِدت، وهي معرّضة للارتفاع تبعاً للعرض والطلب.

كان من الطبيعي أن تساهم أزمة الدولار في هذا الارتفاع لسعر السجائر نظراً إلى المواد المستوردة التي تدخل في صناعتها وتشكّل النسبة الأكبر ضمن عملية الإنتاج، وهذه طبعاً تُدفع بـ«الفريش» دولار. ما قبل أزمة الدولار، كان قد انسحب تأثير الحرب في سوريا، ولاحقاً «قانون قيصر»، على سعر السجائر التي تنتجها «الريجي» وتستوردها. وبعد تراجع الإنتاج والاستيراد السوري للسجائر، نشط التهريب إلى سوريا ذهاباً، بخروج كمّيات كبيرة من صناديق السجائر والتنباك المصنعة في لبنان. وكان لأزمة الدولار «حسنة» في تقليص حجم «سوق التهريب» (السجائر المهرّبة عبر سوريا إلى لبنان إياباً).

كل ذلك دفع إدارة «الريجي»، خلال العامين الفائتين، إلى مضاعفة حجم إنتاجها واستيرادها بما يفوق حجم السوق المحلية لتغطية النقص الذي يخلّفه حجم صناديق السجائر المهربة. وبعدما كان إنتاج «الريجي» واستيرادها يُغطي نحو 80 في المئة من سوق الاستهلاك المحلية (الـ 20 في المئة المتبقية كانت تغطيها سجائر التهريب)، ضاعفت الإدارة حجم إنتاجها من 80 ألف صندوق سجائر شهرياً إلى ما يتجاوز الـ 120 ألفاً ولا تزال السوق المحلية تعاني نقصاً في بعض الأصناف وغلائها.

تطرح «الريجي» حصة أسبوعية متساوية على جميع حاملي رخص البيع (رئاسات البيع) البالغ عددها نحو 780 رخصة، وذلك بعد أن تحدّد أسعارها، في بلد لا يتحمّل أكثر من 200 رخصة، وفق ما يقول رئيس مصلحة البيع في «الريجي» حسين سبيتي، لـ«الأخبار»، لافتاً إلى أن «العدد يمكن أن يتضاعف إلى أكثر من 3 آلاف رخصة في حال سماح وزارة المال، نظراً إلى مطالبة المواطنين الهائلة بهذه الرخص للعمل في تجارة سريعة الربح نسبياً وتسمح لبعض أصحاب الودائع بإخراج أموالهم العالقة في المصارف من خلال دفع ثلث سعر الحصة بشيك مصرفي».

آلية الدفع المعتمدة اليوم في «الريجي» تقوم على مبدأ الـ«مثالثة»؛ صندوق سجائر الـ«سيدرز ــــ قصير» مثلاً يُسلّم إلى حاملي الرخص بنحو 378 دولاراً تُقسّم إلى ثلاثة أقسام؛ كل 126 دولاراً تُدفع بهذه الطرق:
الأول، حسب سعر الصرف الرسمي (1515 ليرة لبنانية 126×1515 ما يساوي الـ 191,000 ليرة).

الثاني، عبر شيك مصرفي (126×3900 ليرة بما يساوي 491.000 ليرة). أمّا الثالث، فيدفع بالفريش دولار.

سعر كروز الـ«سيدرز» في السوق 105 آلاف ليرة فيما لا يجب أن يتعدّى سعره للمستهلك الـ 83 ألفاً

إذا ما جمعنا الثلاثة يكون المجموع لدينا 191,000 ليرة + 491,000 ليرة يضاف إليها 126×23000 (سعر صرف الدولار حالياً) لنصل إلى مجموع إجمالي 3,605,000 ليرة لكل صندوق «سيدرز» يحتوي على 50 كروزاً بسعر إجمالي للكروز الواحد يبلغ ما يقارب الـ 72,100 ليرة. تسمح «الريجي» لحاملي الرخص بالاستفادة من هامش ربح لا يتعدّى الـ 15 في المئة على المنتج. إذاً سعر الكروز رسمياً يجب أن يكون 83,000 ليرة لبنانية للمستهلك تقريباً، في حين يتجاوز سعره في سوق الجملة الـ 105 آلاف ليرة لكل كروز يحتوي على 10 علب سجائر، بينما يبلغ سعر العلبة الواحدة 12,000 ليرة.

فارق السعر الكبير مردّه، وفق سبيتي، الى نشاط سوق التهريب وجشع بعض التجار، ويوضح أن «الريجي» تُطلع وزارة الاقتصاد ومديرية حماية المستهلك على جدول الأسعار فور صدوره، أمّا مراقبة الأسعار فتبقى على عاتقها. ويكشف سبيتي أنه «في بعض الأحيان عندما يتعذّر التهريب إلى سوريا يُقلّص التجار هامش أرباحهم ويبيعون السجائر تحت السعر الرسمي الذي تصدره الريجي لأن المتحكّم اليوم هو سوق التهريب». ويضيف: «قد تأخذ الدولة قراراً برفع سعر السجائر التي تكاد تكون المنتج الوحيد المدعوم حالياً للحد من التهريب، ولكن في بلد حدوده متفلتة كلبنان لا نحبّذ ذلك، فرفع أسعار السجائر لا يخدم خزينة الدولة إنما سيؤدّي حتماً إلى ردة فعلٍ عكسية فيعود وينشط سوق التهريب إياباً من سوريا».

يؤكد سبيتي أن خفض هامش الربح لحاملي رخص البيع يشجّع على تهريب البضائع لكسب ربح أكبر، ويلفت إلى أن «الريجي اتخذت قرارات بتجميد بعض رئاسات البيع لمدة شهر بسبب مخالفة أصحابها البيع وفق السعر الرسمي، إلا أن كل ذلك يبقى محدوداً وغير فعّال إذا لم تضبط الأجهزة المعنية الحدود». ويُحمّل سبيتي التجّار المسؤولية ،إذ تقع على عاتق التاجر مسؤولية مراقبة السوق والتحكّم بكمّيات البيع للسوبر ماركت والدكاكين، ولا يحق للتجار بيع الأفراد كمّيات كبيرة من البضائع.

يُعلّق تجار الجملة والمفرق رفعهم الأسعار على شمّاعة ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء بين ساعة وأخرى. ويشدّدون على أنهم يتقاضون ثمن مبيعاتهم بالليرة اللبنانية، فضلاً عن احتسابهم كلفة نقل البضائع، والتي تعتمد بشكل مباشر على المحروقات التي تضاعف سعرها خلال الأشهر القليلة الفائتة. وعن مسؤوليتهم تجاه الأزمة في السوق، يجيب أحدهم: «السوق متعطشة للبضائع (سجائر ومعسل) في فترات ينشط فيها التهريب نحو سوريا، ولذلك نقوم بتقنين البيع الذي يترجمه البعض أحياناً بأنه نوع من أنواع الاحتكار».

المصدر : جريدة الأخبار

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى