السعودية استكشفت امكانية استقالة نواب بالتزامن مع اقالة الحريري

يَرِثُ العام الجديد، العديد من الملفات التي اتَّسمت بتعقيدات وتأزمات سياسية، اشغلت الساحة الداخلية خلال العام الماضي، وهي مُرشحة لتُستَكمل فصولُها التي سترسم التحولات السياسية التي بدأت معالمها تتضح، في اعقاب جملة من الانقلابات السياسية سجلت بين حلفاء الصف الواحد، وتصدعات تتزايد على جبهة الخصوم.. في السياسة، وفي الانتخابات.

ولعل ما استحوذ الاهتمام، التطورات الاقليمية التي انعكست جنونا في حملات التصعيد التي تشنها السعودية ضد لبنان من قناة «حزب الله»، وتمثلت اولى خطواتها بفرض استقالة قسرية لرئيس الحكومة سعد الحريري، و«استضافته» قسريا في الرياض، ما اعتبره رئيس الجمهورية احتجازا يشكل عملا عدائيا ضد لبنان، تلتها حملات تحريض ضد لبنان واللبنانيين، وابتزازهم بمصالحهم، فيما لو لم يصطفوا في موقع العداء لـ «حزب الله»، ما يدل، برأي متابعين، على ان السياسات السعودية التي تُعتمد منذ اطلاق يد ولي العهد السعودي على قرار السلطة، فلبنان كما بدا من المنظار السعودي، سيبقى حلقة من حلقات الاستهدافات التي تضمنتها الاجندة السعودية للمنطقة خلال العام الجديد، ضمن خانة استهداف الدور الايراني المتعاظم في المنطقة.

لم تعد تنفع عند السعودية، يقول متابعون، سياسة التعايش مع «حزب الله» التي تنظر اليه على انه الاداة العسكرية الاساسية لايران في المنطقة، وهي في مرحلة شن حرب مدمرة على الشعب اليمني، وتواصل تورطها في «الملاحم»! التي تسطرها التنظيمات الارهابية التي في سوريا والعراق وغيرهما من الدول، حتى بات من غير المرغوب فيه ان تبقى العلاقة، ولو الحذرة، بين رئيس الحكومة سعد الحريري وما يمثل في الشارع السني، وبين «حزب الله»، وبالتالي، يقول المتابعون، فانها مستمرة في توجهها لنسف اي تعايش مع «حزب الله» الذي بلغ حجم التحريض عليه درجة تنعدم فيها القبول بحالة اعتدال في الشارع السني. ولان الرئيس سعد الحريري، هو «الرئيس الدائم» للحكومات التي تتعاقب، باستثناء حالات كانت فيها البلد تعيش حالة اللا استقرار السياسي، فثمة اشكالية لدى السياسة السعودية الطامحة الى استهداف «حزب الله»، ولو «بالواسطة»، من خلال حرب تشن على لبنان، بعد ان اكدت التقارير صحة ما اعلنه امين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، عن ان السعودية طلبت من الكيان الاسرائيلي شن حرب على «حزب الله»، لكن الاسرائيليين «اعتذروا»!، بالرغم من اغراءات الثمن المعروض!.

لكن ما لم يكن متوقعا من السعودية، ان تتحدث عن مشكلتها في ان يكون «حزب الله» ممثلا لارادة جزء من اللبنانيين في مجلس النواب وداخل الحكومة، في حصة كبقية الحصص التي خُصِّصَت للكتل النيابية الاساسية، في سعي سعودي لادانة الحكومة نفسها على تمثيل الحزب فيها، مع العلم ان السعوديين يدركون الحجم المتدني في القدرة على الاستجابة لطموحهم، اكان على مستوى الرئيس الحريري وفريقه، ام على مستوى «اصدقاء» السعودية من خارج «تيار المستقبل»، ومنهم بعض اركان ما كان يسمى قوى 14 آذار التي سعت السعودية قبل استقالة الحريري الشهيرة، باعادة احيائها كأطار سياسي يكون رأس حربة لمواجهة «حزب الله» في الداخل اللبناني، لاضعافه وكسره تمهيدا لكسره، ليكون ذلك مقدمة لاقصاء الدور الايراني المتعاظم في المنطقة، فالمرحلة ستكون من وجهة نظر السعوديين هي للحسم في الملفات المقلقة، من دون ان يجيبوا على من تساءل.. «هل يستطيعون ؟».

بهمس، يتحدث بعض العارفين عن محاولات استكشاف سعودية قام بها سياسيون «اصدقاء» لها في لبنان، بعد رغبة سعودية لاستكشاف وامتزاج آراء من يشمل بعض من في «دائرة المونة» السعودية، لاعطاء زخم للتأزم الداخلي التي تمثلت باستقالة ـ اقالة الرئيس الحريري، وصولا الى هزة سياسية تُربِك الساحة الداخلية، وتشكل ضغطا على «حزب الله»، ولفت هؤلاء الى انه كان المطلوب سعوديا تأمين استقالة مجموعة من النواب، تلي خطوة استقالة الحريري من الرياض، وقد ذكَّر مسؤول سعودي شخصية لبنانية زارت الرياض قبل الاقالة، وضمن اللقاءات التي سمَّاها فريق ما كان يسمى 8 آذار بـ «الاستدعاءات الملكية»، بواقعة سياسية سابقة جرت غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط العام 2005، حين قدم احد عشر نائبا عريضة كخطوة للضغط من اجل اخراج الجيش السوري في لبنان، لكن «الضيف» اللبناني ردَّ على المسؤول السعودي بسؤال «مُهذَّب».. «هل تريدون منَّا اخراج «حزب الله» من لبنان !؟، ونحن منذ ست سنوات، نطالبه بعودة مقاتليه من سوريا!، وفي السياق، تحدثت اوساط متابعة، ان الحريري، وبعد عودته عبر «خط طوارىء»، من الرياض الى باريس فبيروت، استفسر عن زيارة قام بها نائب في تكتل المستقبل» الى السفارة السعودية، بعد اسبوع على اعلان الاستقالة.

قد يبدو جليا، ان الاسلحة التي يمكن ان تلجأ اليها السعودية في حربها ضد حزب الله» متعددة، لكن الاخطر ان توجهت نحو ضرب الاستقرار الداخلي في لبنان، عندها، يرى متابعون، فان الصورة ستنقلب رأسا على عقب، وستطيح بكل الحسابات السعودية، وحينها يمكن القول ان اي خطة سعودية من هذا «الطراز»، فانها ستُخرجها من لبنان، بعد ان تكون قد بدأت بداية انهيار امبراطورية العلاقات اللبنانية ـ السعودية، والتي بدأت بعض معالمه مع الازمة العميقة التي طرأت على العلاقة بين السعودية و الرئيس الحريري الذي وصفها بـ «انها من اصعب الامور التي واجهتها في حياتي»، وفي زمن «تتنطح» فيه الطبقة السياسية الحاكمة للمجاهرة في بناء دولة السيادة والمؤسسات، باتت هذه الطبقة العاجزة اصلا عن التعايش مع الضغوط السعودية التي تمارس على لبنان، غير قادرة على الاستمرار بعلاقات مع مملكة تقدم نفسها كوصي على لبنان، حين «تغضب» تطلق التهديدات وتستحضر سياسة الابتزاز، وتتحدث عن تطورات مدهشة ستشهدها الساحة اللبنانية، في مناخ تحريضي خطير، وفق ما جاء في تغريدات «وزير شؤون حزب الله» في المملكة، فبعض من يراهن على تصعيد سعودي جديد ضد «حزب الله» في لبنان، يبالغ حين يعتبر ان الانتخابات النيابية المقررة في ايار المقبل، ستُظهر مدى الاهتمام السعودي بـ «أصدقائها» الجدد الذين انبروا لشن الحملات التي تستهدف الحريري و«حزب الله» على السواء.

«تفاهم معراب» بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، والذي شهد في العام 2017 انتكاسات جسيمة، بفعل الاصطدام السياسي بين الطرفين، يرى العارفون في حساباته، انه يسلك «الطريق السريع» للسقوط، بعد ان طُرحت جديا فكرة عزل «القوات «، من خلال إجراء تعديل حكومي يُخرج وزراءها على خلفية اتهام فريق الحريري الدكتور سمير جعجع بالتواطؤ مع السعودية لازاحته، وسط صمت لـ «لتيار» فاجأ «الخَيَ» القواتي، وتحالفات الانتخابات المقبلة ستضع طرفيه في معسكرين انتخابيين متنافسين، فيما انهارت جبهة التحالف بين «تيار المستقبل» ورئيسه سعد الحريري مع «القوات اللبنانية» واطراف اخرى جمعته معها قوى 14 آذار، بالمقابل، فان تباعدا بين رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» من جهة، وحركة «أمل» ورئيسها نبيه بري من جهة ثانية، لمصلحة تقارب بين التيارين البرتقالي والارزق، فيما تحالف مار مخايل «المبارك» بشفاعة الكنيسة، بين «حزب الله» مع «التيار الوطني الحر» بقي محصنا، بالرغم من «الشطحة» السياسية التي ارتكبها رئيس التيار جبران باسيل مؤخرا، في ما خص مواقفه المتعلقة بملف القضية الفلسطينية والصراع مع اسرائيل، وهي مواقف شكلت «نقزة» لدى «حزب الله»، لم تُعلن الى الملأ، كل هذه الصورة، تجعل من «حزب الله» كمن يمشي في حقل «الغام» ..زرعه حلفاؤه المتخاصمون، في موسم الانتخابات.

المصدر : محمود زبات – الديار

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى