الشرقية ودّعت زهرات لبنان في عرس وطني الوالد | “جيت لضمّهن.. عم إدفنهن تحت التراب”

عادت فاطمة قبيسي وبناتها الى بلدتهنّ الشرقية، هذه المرة بالنعوش، عدن في رحلة الوداع الأخيرة، عكس تلك الرحلة التي كنّ يستعدّن لها لاستقبال عماد حويلي الذي تحوّل الى القضية والقصة والغصة معاً. من يصبّر قلبه؟ من يعوّض عليه عائلته، من يحاسب المجرمين الذين بسببهم ماتت العائلة كلها؟ أسئلة كانت الحاضر الأبرز في التشييع الوطني الذي زفّت خلاله بلدة الشرقية زهراتها الاربع وأمهنّ، الى مثواهنّ الأخير قبل ان يخضن امتحاناتهنّ المدرسية، فإمتحان البنزين اسقطهنّ في شرك الموت، فيما تصحيح الأزمة لم يعنّ على بال أحد من حكام سلطة رسبت في امتحان الموت الفاجعة، فهل تتحرك قبل أن نخسر مزيداً من الضحايا؟

بانتظار تحرّك الدولة، الغائب الأكبر عن مأساة الشرقية، كان عماد حويلي يكتب آخر فصول فاجعته بعائلته بعبارة “جيت لضمّن .. عم ادفنهم تحت التراب”، مؤلم أن يخسر المرء عائلته، بحرقة يقول: “أنا خسرت عيلتي بسبب سلطة فاسدة وبسبب اهمال دولة مسلّطة على الشعب”، وأكثر ما يعزّ عليه أنه اضطر للهجرة ليؤمّن لقمة العيش، غير أن الدولة بكل مقدراتها سرقت منه عائلته التي باتت تحت التراب.

بدموع الوجع زفّت بلدة الشرقية كما كل لبنان فاطمة قبيسي وبناتها الاربع الى مثواهنّ الأخير، في عرس أشبه ما يكون برسالة رفض للذلّ الذي يواجهه المواطن يومياً على محطات تحتكر المادة وتبيعها سوقاً سوداء بدلاً من بيعها لمواطن بات خارج القدرة على تمالك أعصابه.

فالأزمة المرجحة للتفاقم، كانت بلدة الشرقية تدفع ضريبتها 6 اشخاص من أبنائها، أشخاص ذنبهم أنهم يعيشون في بلد عائم على الأزمات، فيما حكامه لا يبالون الا بالكرسي. ذنب عماد حويلي أنّ عائلته راحت ضحية أزمة البنزين، وأزمة بلد دفعته للهجرة، وذنبه أيضاً أنه يحمل الهوية اللبنانية التي باتت مصدر وجع وألم وغصّة بالنسبة له، كما قال، فهو خسر فلذات كبده على طريق البحث عن البنزين المتوفر في السوق السوداء، والمفقود بالسعر الرسمي.

لم يكن عرس زهراء وآية وليا وتيا وفاطمة عرساً عادياً، كان وطنياً جامعاً، شاء الجميع أن يكون رسالة واضحة لكل المحتكرين، دماء فاطمة وبناتها لن يذهب هدراً”، توجّه المشيعون الذين ضاقت بهم طرقات البلدة للمحتكرين بالقول: “لن نسكت عن التجار الفجار، سنقاتلهم”.

بدا التشييع بمثابة رسالة ثلاثية الأبعاد “لن نسمح بخسارة ابناء لنا على محطات الذلّ”، “لن نسمح للتجار الفاسدين بالتحكّم بنا”، “لن نرضى أن تبقى الازمات على حالها”، رسائل كان الصغير قبل الكبير يردّدها في تشييع زهرات لبنان الأربع ووالدتهنّ، حتى اصدقاء زهراء، ابنة السبعة عشر ربيعاً التي كانت تستعّد لخوض معركة الامتحانات الرسمية وجّهوا كلمات قاسية، فهم كبروا قبل عمرهم. وِفق فاطمة، احدى صديقاتها “صرنا نفكر يمكن بكرا حدا يموت بسبب حكام بلدنا الفاسدين، سرقوا كل أحلامنا، بدل من أن نفكر ماذا سنصبح، بات تفكيرنا محصوراً “شو ناطرنا”. فاطمة التي حمّلت كل المسؤولين في هذا البلد خسارتها صديقتها توجّهت اليهم بالقول: “فلّو بقا، ما بدنا نخسر بعد، ما بدنا دمنا يروح كرمال ازمة بنزين ودواء وغذاء، تركولنا حلمنا يكبر”.

حزينا كان منزل عماد حويلي، ما زالت درّاجتا يارا وتيا الهوائيتان داخل غرفتهما، يحاول الوالد المفجوع أن يتمالك أعصابه، غير ان الكارثة أكبر منه، “خسرت عيلتي شو بقى في بعد”؟ ودّع بناته وزوجته، بكى كثيرا قبل أن ينطلق موكب التشييع، فالرحلة هي الأخيرة، رحلة قاسية ومؤلمة، فهي ستعبر من فوق كمّ الازمات التي تتزايد، وتمرّ من قرب صراع الحكام على وزير بالناقص وآخر بالزائد، من دون أن يرفّ جفنهم لمجزرة ارتكبوها بفسادهم، لم يبالوا بالمأساة التي هزّت كل لبنان، ربّما سمعوا بها وقلبوا الموجة، فالمأساة وِفق قول محمد “وحّدت اللبنانيين لكنها لم ترق للمسؤولين، ممن باتت دماؤنا مساراً لتحقيق مكاسب لهم”.

بصعوبة شقّ الموكب طريقه باتجاه الجبانة، العلم اللبناني الذي لفّت به النعوش كان دليلاً قاطعاً على أنّ “فاطمة وبناتها ضحية كل لبنان، ضحية الفساد الذي يرقص على الدماء”، الدموع كانت الصوت الأبرز في موكب العرس الوطني، كذلك الورود التي نثرها الاحبّة، فيما الأب المفجوع يبكي بغصّة، فهو الضحية الأكبر، من يداوي جرحه العميق؟ ومن يعوّض عليه عائلته التي باتت كلها تحت التراب؟

رمال جوني– vdlnews

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى