العقل الإلكتروني لـ«الكتائب» يروي سيرة «عبدالله عزّام»: من الجزراوي إلى القرعاوي.. وماجد الماجد

منذ نعومة أظافره، كان ابن مخيّم الرشيديّة يهوى الالكترونيّات التي سرعان ما أصبحت مهنته التي زاولها بعد دراسة مهنيّة في مجال اتصالات الكمبيوتر لأكثر من 4 سنوات. ومنذ الصّغر أيضاً، انضوى بلال كايد كايد في إحدى الجمعيّات الدعويّة ذات الأصول السلفيّة داخل الرشيديّة.

هواية الالكترونيّات والعقيدة الإسلاميّة المتشدّدة كوّنتا شخصيّة الشاب النحيل، بالإضافة إلى «حرب تمّوز» 2006 التي جعلته يذهب للبحث عن نفسه: «أنا شاب فلسطيني مسلم سني أريد الانخراط في مجموعة جهاديّة تستهدف العدوّ الإسرائيلي».

في البداية، أوصله البحث إلى منزل أسامة الشهابي في عين الحلوة عن طريق صديقه المقرّب سليم كايد. هناك، وجد بلال كايد مجموعةً منظّمة لديها أيضاً متخصّصون بالتدريب على الالكترونيّات مثل محمّد الدوخي الملقّب بـ«أبو خردق». في حين لم تجذبه أفكار «أبو عبدالله» الذي كان يستهدف الجيش و«اليونيفيل» بزرع عبوات على الطرق كعبوة القاسميّة.

الشاب يريد استهداف اليهود وحسب، ليجد ضالّته عند توفيق طه في بداية العام 2007. ولـ «حسن الحظّ»، كان «أبو محمّد» يعدّ العدّة لإنشاء مجموعة تابعة لـ «القاعدة» بالتّعاون مع أبو يوسف الجزراوي الذي كان يعمل كمموّل ومنسّق للتنظيم وصار أيضاً مموّلاً ومنسّقاً لما سميّ لاحقاً بـ«سرايا زياد الجرّاح» ـ الفرع اللبناني لـ«كتائب عبدالله عزّام» التابع لـ«القاعدة».

كانت «القاعدة» في حينه، تريد «تصحيح الأخطاء التي حصلت من قبل المجموعات الجهاديّة في لبنان التي قصّرت في محاربة العدوّ. وكانت تريد مجموعة بأي مسمّى كان، بهدفٍ واضح: إطلاق الصواريخ على العدوّ عبر جنوب لبنان واستهداف إسرائيل»، وفق افادة كايد في أثناء استجوابه الأوّل أمام المحكمة العسكريّة الدائمة برئاسة رئيسها العميد الرّكن الطيّار خليل ابراهيم أمس.

ولذلك، فقد استطاع الجزراوي تأمين مبالغ ماليّة بعد العام 2006 لشراء الصواريخ بهدف إطلاقها من جنوب لبنان، بالإضافة إلى سفر العديد من قيادات «السرايا» إلى بلدان عدّة بهدف تأمين المال، ومنها ما يتردّد عن زيارة قام بها أحد هؤلاء إلى جرمانا السوريّة حيث التقى «أبو علي العراقي» الذي أعطاه مبلغ 20 ألف يورو. تماماً كما كان يتردّد أنّ عبد الرحمن عوض وأسامة الشهابي كانا يمدّان «السرايا» بالمساعدات الماديّة.

الظهور الأوّل

في 14 أيلول 2009، كان الظهور الأوّل لـ«السرايا» في العلن على السّاحة اللبنانيّة عبر إطلاق صاروخين من بلدة القليلة قرب مدينة صور الجنوبية الساحلية باتجاه شمال فلسطين المحتلّة. هذه المرّة كان الإمضاء علنياً: «نحن كتائب زياد الجرّاح» لتتوالى بعدها عمليّات إطلاق الصواريخ بيد نعيم اسماعيل محمود الملقّب بـ «نعيم عبّاس».

هذا الأمر تغيّر بعد العام 2009 لصعوبة انتقال أعضاء «السرايا» إلى جنوب لبنان بالإضافة إلى صعوبة وضع نعيم عباس بعد أن صار على «اللائحة السوداء».

وما إن حطّت الاشتباكات رحالها داخل مخيّم نهر البارد بين «فتح الإسلام» والجيش اللبناني في العام 2007، حتى صار بعض أفراد «السرايا» مطلوبين أمثال بلال كايد، ليعمدوا إلى البقاء داخل مخيّم عين الحلوة، حيث كانت شقّة استأجرها توفيق طه وتعود لأحمد العابد هي أشبه بمقرّ لـ«السرايا» وللمطلوبين. في هذه الشقّة تحديداً، مرّ كثيرون من الذين أصبحوا اليوم خلف القضبان أو قياديون في التنظيمات المتطرّفة أو قتلى في سبيل «الجهاد».

اختلف الجزراوي مع الكثير من المجموعات السلفيّة المتطرّفة الموجودة داخل مخيّم عين الحلوة، إذ لم يتحرّك لـ «نصرة فلسطين» منها سوى «مجموعة أبو محمد»، أما الباقون فكانوا «تجّار مال ويريدون العمل لأمور أخرى»، بحسب ما أكّد كايد.

هذه هيكليّة «الكتائب»

وهكذا استمرّت «السرايا» في عملها إلى أن غادر الجزراوي الأراضي اللبنانية في أواخر العام 2008 ليسلّم مهمّة القيادة إلى السعوديّ ماجد الماجد. وكان وصول القيادي في «القاعدة» وممثّل «كتائب عبد الله عزّام» السعودي صالح القرعاوي (مؤسس الكتائب في أفغانستان وفلسطين قبل أن يتمّ القبض عليه وتسليمه للسعوديّة) مفصلياً بالنسبة لـ «السرايا»، إذ حقّق حلمه بتحويل السرايا إلى «كتائب عبدالله عزّام».

في حينه، بدأت «الكتائب» تجنّد الشبان وألّفت مجلسها الشوري من ماجد الماجد وتوفيق طه، وتبني هيكليّتها التي تألفت من ماجد الماجد أميرا، وطه منسّقا ومسؤولا عن الإدارة التنفيذيّة، ونعيم عبّاس مسؤولا لوجستيا، إذ أنّه، بحسب كايد، «الرّمز الذي يفقه بكلّ شي» من إيواء المطلوبين وإطلاق الصواريخ (قبل أن يدخل مجال تصنيع المتفجّرات على يد طه) فيما كان نادراً ما يدرّب باقي المجموعة على هذا الأمر. فـ «أبو اسماعيل المقدسي» لا ينفي أنّه كان «محتكرا هذا المجال».

في حين لم يكن لجمال دفتردار دور محوري بل كان مكوثه في «شقة أبو محمّد» أشبه بمكان للاختباء من العيون الأمنيّة التي كانت تبحث عنه بسبب انتمائه إلى «القاعدة» وعودته من القتال إلى جانبها في العراق بعد أفغانستان. وبرغم ذلك، يشير كايد إلى أنّ «أبو هاشم» كان أقرب إلى «المفتي الشرعي» لـ «الكتائب» باعتباره كان يعطي دروساً في الشرع والعقيدة، «فأي ضليع بالدين كان من الطبيعي أن يحرّضك على قتال اليهود».

وعلى عكس نعيم عباس، لم يكن «العقل الالكتروني» لـ «الكتائب» أنانياً. «أنا بحب المنفعة». ولذلك، استأجر طه شقة لبلال كايد عند آل نعيم بغية تعليم «الكار» لعناصر «التنظيم» لمدّة شهر مع منعهم من الخروج إلى حين انتهاء الدّورة حيث كان يتردّد إلى الشقّة طه وعباس «لمواساة العناصر».

كايد.. والصواريخ و«الأعداء»

وفي هذا الوقت، كان كايد يعمل أيضاً على تطوير مهاراته الخاصّة إثر تمنّعه من الخروج من المخيّم وترك منزله في الرشيديّة لكونه مطلوباً. والمهّمة الأبرز لـ «أبو عائشة» كانت تصنيع دارات الصواريخ التي يعمل على تجريبها على لمبة في بداية الأمر للتأكد من سلامتها ويسخّر هوايته ودراسته في مجال الالكترونيات لصالح «عملي الجهادي» عن عمر لا يتعدى الـ19 عاماً!

لم يكن كايد يعرف أين تذهب الصواريخ بعد تصنيعها. هو فقط مسؤول عن تصنيع الدارات وتسليم «البضاعة»، ولذلك لا يعرف وجهتها «أنا دوري فقط داخل المخيّم لتصنيع الدوائر»، يقول كايد، وإن كان يؤكّد أنّه لم يعمد إلى تصنيعها إلا من أجل عدوين: العدو الإسرائيلي والعدو الأسديّ.

وإذا كان «أبو عائشة» يقوم بجهد استثنائي لـ «الكتائب»، إلا أنّ ذلك لم يكن مقابل مبلغ مرقوم، إذ أنّ «الشيخ ماجد» كان يتكفّل بمصروفه الشخصي والذي لا يتعدّى الـ200 دولار أميركي، قبل أن يؤمّن كايد عملاً في «سنترال» مقابل 500 دولار شهرياً.

وبالإضافة إلى هؤلاء، كان هناك العديد من المسؤولين والعناصر في «الكتائب» يواظبون على حضور الاجتماعات والاشتراك في الدّورات، أمثال: محمّد جمعة الملقّب بـ «المثنى»، محمود عبد القادر الملقّب بـ «أبو جعفر» (الذي تمّ توقيفه منذ أسابيع قليلة)، نعيم نعيم الملقّب بـ «أبو مصعب»، محمّد الأفندي ويوسف شبايطة، ومحمد العجوز…

ولأنّ توفيق طه هو واحد من قيادات «الكتائب»، كان لا بدّ أن يستفيد التنظيم من خبراته في مجال التزوير. ففي العام 2010، أعطى الماجد أوامره بضرورة تحديث الكمبيوترات والوسائل التقنيّة بغية الدّخول إلى عالم التزوير بالتّعاون مع طرف ثانٍ داخل المخيّم. أشهر قليلة، وصار لـ «الكتائب» متخصّصون في هذا المجال واستطاعوا البدء بإصدار هويات فلسطينيّة ولبنانيّة وسوريّة مزوّرة بالإضافة إلى جوازات سفر مزوّرة!

الانتقال إلى سوريا

ومع اندلاع الأحداث السورية، شعر هؤلاء أنّ السجن الذين كانوا يعيشون به سيزول مع انتقالهم إلى سوريا والعيش في «المناطق المحرّرة» لتصبح الخيارات أوسع.

في البداية، لم يكن ماجد الماجد يريد «عسكرة الثورة» على يد «الجهاديين» ولكن مع تغيّر الظروف، صار «أمير الكتائب» يمدّ بعض المقاتلين بالدعم المادي قبل أن ينتقل «الشيخ ماجد» إلى سوريا ويتواصل مع عناصر التنظيم عبر «سكايب»، طالباً من بعضهم الانتقال إلى سوريا.

أمّا كايد فوجد في الانتقال إلى سوريا حلاً سريعاً لـ «الخروج من سجن المخيّم» وباعتبار مهمّته أسهل لأنه متزوّج من سوريّة. أقنع «الأمير» بأهميّة الانتقال إلى منزل أهل زوجته في حلب فيما أخذ من طه مبلغ 300 دولار أميركي بالإضافة إلى تكفّل الأخير بتسهيل تهريبه إلى الدّاخل السوري.

وبالفعل، كان في حوزة «أبو عائشة» في العام 2013 هوية مزوّرة. ولذلك، حلق لحيته الكثّة وارتدى ملابس «سبور» ثم أوقف تاكسي وخرج من المخيّم مع زوجته وابن عمّه إلى ساحة النجمة ثم الكولا فشتورة، من دون أن تتعرّف عليه القوى الأمنيّة.

وفي شتورة لاقاه سليم أبو غوش في أحد المطاعم لينقله إلى معربون عبر سليم أبو عوف حيث نام ليلة عند أكرم ياسين قبل أن يدخل إلى رنكوس حيث استأجر له «أبو محمّد» شقة مفروشة وتعرّف على «أبو حمزة السوري» والعمل مع «سرايا مروان حديد» التي تعتبر أحد أذرع «كتائب عبدالله عزّام» في سوريا.

وعند هذا الحدّ، بدا أن كايد يتراجع عن إفادته الأوليّة التي قال فيها إنّه تمّ تهريبه عبر عرسال، حيث لاقاه سراج الدين زريقات ونقله إلى مقر الماجد الذي أضحى أمير «الكتائب» في بلاد الشام، فيما زريقات كان القائد الفعليّ لـ «سرايا مروان حديد».

أمّا أمام «العسكريّة»، فأشار «أبو عائشة» إلى أنّه دخل إلى معربون مع المهرّب وهو مغمض العينين، وعمله مع داخل مخيّم عين الحلوة يختلف عن انتقاله بشكلٍ فردي للاستقرار في حلب من دون أي عمل عسكري، مشيراً إلى أنّه لا يعرف زريقات، ليعود ويقول بعد ثوانٍ: «شغلي بعين الحلوة شي وشغلي مع زريقات وسرايا مروان حديد شي تاني»!

فضل شاكر يتبرّع لماجد الماجد!

برغم أنّ إفادة بلال كايد في المحكمة العسكريّة، أمس، كانت ذات أهميّة فائقة عن تاريخ «كتائب عبدالله عزّام»، إلا أن المفاجئ فيــها كانت إفادته الأوليّة لدى مخابــرات الجــيش المتعلّقة بفضل شاكر.

فقد أكّد «العــقل الالكــتروني للكــتائب» أنّه كان يشاهــد مراراً فضــل شاكر وأحد الأشخــاص الذي يدعى صالح يتردّدان إلى مــنزل توفــيق طه وأسامة الشــهابي في عــين الحلوة، كاشفاً أنّ «الفنّان التائــب» أعطــاه مبلغ 2000 دولار أميركي لإعطائه إلى الماجد كتبرّع منه».

وخلال استجوابه أمس، أمام المحكمة العسكرية، أنكر كايد مسألة التبرّع، مضيفاً: «لا أعتقد أنني رأيت فضل عند أبو محمّد».

«قد ما حطيت متفجرات ما عم تسمع»

عند بدء مستشار المحكمة القاضي المدنيّ محمّد درباس بتلاوة الجرم المسند إلى المدعى عليهم من قــيادات «كتائب عبد الله عزام»، كان نعيــم عبــاس، كما في كلّ مرة، يعلّق ضاحكاً: «ريّــس ما عم اسمع»، ليردّ عليه درباس بالقول: «قد ما حطيت متفجّرات بطّلت عم تسمع يا نعيم».

أكثر من ساعة وربع، كان بلال كايد خلالها يعترف ويتحدّث عن تاريخ «كتائب عزام»، كما لو أنه يسرد قصّة لصغاره قبل النوم. صار «أبو عائشة» نعيم عباس رقم 2: يقرّ بكلّ أفعاله وهو يضحك!

ولدى سؤاله من العميد خليل ابراهيم إن كان يعرف نعيم عباس، التفتَ كايد إلى يمينه حيث يقف عباس. ضحك الإثنان، قبل أن يجيب كايد: «طبعاً أعرف أبو اسماعيل.. وهل يُخفى القمر؟».

لينا فخر الدين

السفير بتاريخ 2015-11-28 على الصفحة رقم 3 – سياسة

http://assafir.com/Article/459107

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى