القطاع الاستشفائي ‘يُحتضر’.. جنود الواجب الانساني بلا سلاح..!

تتفاقم “أزمة” كورونا، لم تعد مجرد تهويل تطرق فيه السلطة أبواب المواطنين كما يحلو للبعض الترويج له، بل اتخذت شكلا اكثر فتكا وعداد وفياتها يشهد ارتفاعا غير مسبوق مع وصول السلالات الجديدة الينا، وتكمن مخاطرها بجهلنا لعوارضها قبل أن تدخلنا بصورة مفاجئة الى المستشفى.

هي أشرس حرب يخوضها القطاع الاستشفائي في لبنان، لم يعتد عليها في ظل الحرب الاهلية، وسط قدرة استنزاف كبيرة راكمها عدد الاصابات والتقصير الرسمي الفاضح في دعم هذا القطاع الذي حول لبنان الى مستشفى الشرق الاوسط ، حيث يقصده المرضى من مختلف الدول العربية والجوار. رغم كل ما يقال او يتم تسويقه لضرب المستشفيات اللبنانية، الا أن العودة قليلا الى بعض المتعافين من فيروس كورونا واشاداتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالجسم الطبي المتواجد على مدار الساعة في المستشفيات لخدمتهم وتقديم كل ما يلزم من أجل تعافيهم من هذا الوباء الخبيث، يؤكد ان “جنود الله” في الميدان هم هؤلاء الاطباء والممرضين العاملين في القطاع الصحي رغم تعرضهم اليومي للاصابة بالفيروس وسقوط الضحايا في صفوفهم.

يحاول السياسيون والمعنيون بالملف الصحي رمي كرة تقصيرهم بملعب المستشفيات التي تعاني من استنزاف اقتصادي بدأ بارتفاع سعر صرف الدولار بطريقة جنونية في أقل من سنة، وما رتب على ذلك من مفاعيل على مستوى الخدمة التي تضاعف أجرها بكل ما يتعلق بالمعدات الطبية وغيرها وهذا ما أكدت عليه منظمة “دايركت ريليف” الإغاثية في تقرير لها حين اشارت الى أن النظام الصحي في لبنان يتعرض لـ”ضغوط كبيرة” جراء الأزمة الاقتصادية وفيروس كورونا وانفجار المرفأ الذي كما قالت “هز بشدة” القطاع.

ضغوطات كبيرة يعاني منها القطاع الاستشفائي لا سيما بعد الانفجار الكبير الذي هز بيروت. تأثير الانفجار لا يزال حتى اليوم ولم يقتصر فقط على الدمار الذي لحق باكبر وأهم المستشفيات الموجودة في نطاق العاصمة الذي لحق به عصف الانفجار، بل بالتداعيات النفسية والتي نتج عنها زيادة بمرضى المشاكل النفسية والعقلية وجاء ارتفاع حالات الإصابات بكورونا ليزيد الضغط على غرف الطوارئ التي تعاني في الاساس من الانفجار حيث لا تزال ورش الترميم في داخلها.

وعوض البحث عن جدول اعمال مشترك بين الدولة وادارة المستشفيات لمساعدة هذا القطاع بالنهوض من جديد، تبادر الدولة الى “كسر يدها” وتطالب القطاع الاستشفائي بسد العجز الكبير الذي راكمته السياسيات الصحية الرسمية، عبر اهمال المستشفيات الحكومية لسنوات طويلة وتحويلها الى مراكز خدمات لدى بعض الجهات والاطراف، أو قطع المساعدات عن بعضها لغايات سياسية ادت الى تحويل بعضها الى مستوصفات صغيرة. وعند أول قطوع صحي استيقظت الدولة على اهمالها ولجأت الى القطاع الاستشفائي الخاص لتعويض ما فاتها، وعندما وجدت القطاع مستنزف ويبحث عن من يعيله بادرت الى الهجوم والعمل على تضييق الخناق عليها عبر حملة تشهير تطالها في حين يدرك المعنيون أن القدرة الاستيعابية لهذه المستشفيات امتلأت وهي ايضا تعاين مريض الكورونا كما مريض القلب والامراض السرطانية والمزمنة، والتشهير بها في هذا الظرف هو تشهير بقطاع انتاجي لبناني يعاني اليوم من ازمة كبيرة يلزمه سنوات للخروج منها.

أما على المستوى المالي فان معاناة المستشفيات تنقسم الى أزمتين:

الاولى تتعلق بالمعدات الطبية التي بات سعرها مرتفعا جدا ويتطلب رأس مال كبير، في وقت يعاني فيه اللبناني من فقر مدقع لا يستطيع تحمل كل تلك الكلفة، فيما المطلوب من الدولة حل الازمة السياسية التي يرتبط فيها كل ما يتصل بالنظام المالي والمصرفي اللبناني، لكي تتمكن القطاعات من الوقوف مجددا ومن بينها القطاع الاستشفائي، حيث نفذ المخزون من أدوية ومستلزمات مع ترشيد الدعم ورفعه على الكثير من المواد الطبية التي فقدت في الاسواق، وبعضها تم تهريبه الى الخارج عبر بعض الاطراف والقوى المعروفة في البلاد.

الثانية وهي الاخطر تتعلق بهجرة الممرضين والاطباء وهذه الخطوة ستؤثر بشكل كبير على القطاع الطبي، فلبنان المعروف بكادره الاستشفائي الاقوى في المنطقة بدأ يخسر العشرات من هؤلاء على خلفية تدني قيمة العملة الوطنية وارتفاع سعر الدولار الاميركي، الامر الذي استغلته الدول الاخرى وسارعت الى طلب اليد الطبية والتمريضية اللبنانية وبرواتب تليق بهم، الامر الذي جذب الكثيرين منهم من غادر ومنهم من هاجر الى غير رجعة، وهذا الامر يشكل ضربة كبيرة لا يمكن تعويضها.

واقع مؤلم ونزيف في الشريان الاستشفائي اللبناني يستلزم الوقوف الى جانب هذا القطاع وتضميد جراحه، لا عرقلته ورمي كل التهم والتقصير الرسمي عليه.

المصدر : ليبانون فايلز

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى