القطاع المصرفي في لبنان يعيش أسوأ أزمنته | تخوف من التصفية والدمج… فما مصير الودائع؟

يعيش القطاع المصرفي في لبنان أسوأ أزمنته، لاسيّما بعدما عمد، على وقع الأزمتين السياسية والمالية، إلى تطبيق إجراءات صارمة على أموال المودعين بشكل مفاجىء وخارج الأطر القانونية، الأمر الذي نتج عنه انعدام الثقة بينه وبين المودعين.

بعد تشكيل الحكومة التي كانت محل ترحيب من القطاع المصرفي، تتجه الأنظار إلى قدرة هذا القطاع على معالجة أزمته، خصوصًا وأنّ تصنيف لبنان السيادي ينخفض، وكذلك تصنيف المصارف. من ضمن الخيارات المطروحة دمج المصارف وتقليص حجمها في السوق اللبناني كخطوة محتملة لإستيعاب الخضّات الأخيرة. في حال لجأت المصارف إلى هذا الخيار ما مصير أموال المودعين لا سيّما تلك الصغيرة الحجم؟

الخبير المالي والمصرفي ومستشار اتحاد المصارف العربية بهيج الخطيب لفت إلى أنّ دمج المصارف يشكّل أحد الخيارات المطروحة. وفي حديث لـ “لبنان 24” اعتبر أنّ مسار التطورات أثبت أنّ ما قبل 17 تشرين الأول مختلف عما بعده، بالنسبة للسياسات المالية وللقطاع المصرفي ولسعر الصرف ولحجم الودائع ولدور لبنان المصرفي في المنطقة وبالنسبة لحجم التدفقات المالية وكيفية استخدامها، وهذه المسارات تتغير باتجاه نموذج اقتصادي ومصرفي مختلف.

مظاهر النموذج المصرفي الجديد تفرضه جملة وقائع مالية واقتصادية وفق مقاربة الخطيب، في مقدمها يأتي انكشاف المصارف على الدولة ومخاطره الكبيرة في وقت تعجز الدولة عن تسديد مستحقاتها المالية، كما أنّ ديون المصارف للقطاع الخاص حالها ليس أفضل لا بل سنشهد حالات تعثر كثيرة.

أضاف الخطيب “هذا الواقع يستدعي لجوء المصارف إلى خيارات محدودة، الخيار الأول طرحه البنك المركزي عبر تعميمه القاضي بإلزام المصارف بزيادة رأسمالها الى حدود 20% لغاية حزيران المقبل، وهذا التوجه تليه خيارات أخرى باتجاه إعادة رسملة المصارف وهي خطوة لا بدّ منها،

في هذه الحال ستجد المصارف العاجزة عن رفع رأسمالها وفق تعميم مصرف لبنان رقم 532 نفسها أمام خيار التصفية أو الإندماج في بنوك أخرى، وسنشهد في المرحلة المقبلة تراجعًا بعدد المصارف، كما يمكن أن تنشأ وحدات وتكتلات مصرفية كبيرة عن طريق إندماج أكبر من بنك في مصرف واحد ليشكّلوا تكتلًا متكاملًا”.

خيار ثانٍ مطروح أمام المصارف يشير إليه الخطيب، يقضي بأن تقترح المصارف على كبار المودعين لديها تحويل نسبة مئوية من ودائعهم نحو الرسملة في ظلّ عجزها عن منحهم ودائعهم، فتدخل نسبة قليلة من الوادائع الكبيرة ضمن رأسمال المصرف، بمعنى أن يتحول جزء من مال المودع إلى أسهم في البنك، وهكذا ترفع المصارف رأسمالها.

الخطر على المودع

في حالات الدمج أو التصفية يرتفع منسوب القلق لدى المودعين، وتكثر التساؤلات عن المخاطر حيال ودائعهم، وفي هذا السياق يلفت الخطيب إلى “أنّ أموال المودعين لا سيّما الصغار منهم لا خطر عليها في حالات الدمج، خصوصًا وأنّ هناك اقتراح قانون يقضي برفع ضمان الودائع إلى 75 مليون ليرة، الذي أقرّ في لجنة المال النيابية تمهيدًا لإقراره في الهيئة العامة، حتما أموال الموعين بسلام، حتّى في حالات التصفية الذاتية لا خوف على أموال المودعين الصغار نظرًا الى الحماية التي يؤمّنها كل من مصرف لبنان وقانون رفع ضمان الودائع “.

وفق رؤيته المصرفية يرى الخطيب أنّ خيار دمج المصارف جيد ويلائم المرحلة، كونه يقلّل الكلفة على المصارف، خصوصًا وأنّ قطاع المصارف في العالم المتقدّم يذهب نحو تقليص عدد الوحدات المصرفية خلال السنوات العشر المقبلة، بسبب الإتجاه إلى الصيرفة الإلكترونية، التي تمكّن الزبون من إنهاء معاملاته عبر جهاز الكومبيوتر الخاص به أو عبر هاتفه، الأمر الذي يقلّص عدد المصارف، والقطاع المصرفي في لبنان لن يكون بمنأى عن هذا الإتجاه، لاسيّما وأنّ عدد المصارف في لبنان يفوق حجم السوق بكثير”.

ترميم الثقة بين المودعين والمصارف لن يكون عملية سهلة، وبحاجة إلى تدابير سياسية قبل أن تكون مصرفية تبدأ باستعادة ثقة اللبناني بدولته. انطلاقًا من هنا ليس أمام الحكومة الجديدة الكثير من الوقت لتبرهن للبنانيين بأنّها جادّة في عملية الإنقاذ، وإلا سنكون أمام تداعيات كارثية على البشر والحجر في بلد تنغمس مكوناته “القويّة” منها بزجّ النفس في صراعات الأقاليم والدول، لتحيله بلدًا ضعيفًا مرتهنًا منقسمًا على نفسه.

المصدر : نوال الاشقر| لبنان 24

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى