المصارف تستحوذ على الدولارات، اضراب محطات الوقود وارتفاع سعر الصرف الى 1560….والأسواق تتخبط !!!

توقفت في الأيام الماضية المصارف عن تصريف العملات عبر ATM، كسلسلة من الخطوات التي يتبعها القطاع المصرفي حماية للدولارات في لبنان. فالمصارف تحاول امتصاص الدولارات من السوق اللبنانية كخطوة تكميلية لتعاميم المصرف المركزي والتي كان أبرزها حصر التحويلات الخارجية بمكاتب التحاويل على أن يستحصل المواطنون على المبالغ بالليرة.

ترجمت أسعار صرف لدى الصرافين هذه الخطوات حتى بات السعر لدى مكاتب الصيرفة 1560 ليرة مقابل الدولار الواحد. فأزمة انخفاض كمية الدولارات في الأسواق مع استمرارية الطلب عليه لتلبية الحاجات الاستهلاكية من الواردات كوّنت فجوة بين العرض والطلب والذي انعكس على الأرض بارتفاع سعر صرف الليرة لدى الصرافين. كما أن النقص الحاصل في الدولار بات يجذب المواطنين لزيادة الطلب عليه خوفًا من انهيار الليرة.

فقد شهد لبنان إضراب محطات الوقود اعتراضًا على شحّ الدولار في الأسواق. وهدّد أصحاب المحطات بإضراب مفتوح الأسبوع المقبل إذا ما بقي الوضع النقدي على حاله. في هذا السياق، كان قد أكد مصدر في قطاع النفط لموقع “العهد” أن القطاع سيبدأ مطلع الأسبوع القادم إضرابًا مفتوحًا اذا لم يلمس جدية لدى وزارة الطاقة في معالجة الأزمة المستجدة.

دائرة الشح في العملة الصعبة تتسع لتطال موزعي خدمات الخلوي وخدمة بطاقات التشريج، الذين أعلنوا أنهم حماية للمستهلك، قد يضطرون الى وقف التعامل مع شركتي الاتصالات “ألفا” و”تاتش” اللتين تصرّان على التعامل بالدولار.

تشكل حالات الإضراب الحالية نموذجًا مصغّرًا عما سيؤول اليه الحال لو تركت الأزمة على ما هي عليه. فالجهة الرسمية التي تحدد سعر صرف الليرة هي المصرف المركزي الذي مهمته الأساسية تثبيت الليرة وحمايتها من المضاربات. لكن شحّ الدولار يصعّب النجاح في المهمة.

ما يعيشه الاقتصاد اللبناني اليوم هو نتيجة الدولرة التي تجتاح اقتصادنا منذ تثبيت الليرة في أواخر التسعينيات. فالمصرف المركزي لم يحصر التعامل الداخلي بالليرة اللبنانية، وهذا سبب الأزمات بين الشركات. بمعنى آخر، عندما يدرك المواطنون الخطر الداهم المتعلق بتخفيض قيمة العملة أو التضخم المرتبط بالعملة المحلية، يهرعون إلى تحويل قيمة أصولهم إلى عملة أكثر استقرارًا، وهنا يكمن الخطر الأكبر.

الميزة الرئيسية للدولرة هي الحماية التي يقدمها لحاملي العملات الأجنبية أو المستخدمين ضد التقلبات غير المتوقعة وغير المرغوب فيها بالعملة المحلية. وهنا أصل المعاناة حاليًا، فكل الشركات تحاول الاستحصال على الدولارات لتؤمن بذلك على أموالها.

على صعيد قطاع الاتصالات مثلًا، يعدّ الأمر فاضحًا، إذ إن الخدمة النهائية التي تنتجها الشركتان “تاتش” و”ألفا” تسعرها بالدولار، بينما تبيع محلات الخلوي المنتج بالليرة اللبنانية، في ظل احتكار المصارف للدولار.

هذا التمييز الحاصل في القدرة على الاستحصال على الدولار يخلق فرصًا للمضاربة، وهي فرص يعتاش عليها المضاربون حاليًا، وتتحمل عواقبها الليرة اللبنانية أولًا والمواطون ثانيًا.

نظريًا، يحافظ المصرف المركزي الذي يعتمد سياسة تثبيت سعر الصرف على السعر المحدد من خلال التدخلات في السوق النقدية. عمليا، يعمد المصرف المركزي الى التدخل ببيع الليرة عند ارتفاع قيمتها، وشرائها وعند انخفاض قيمتها بشكل يومي. ومن أجل انجاز هذه العمليات لا بد من وجود احتياطي عملات أجنبية يسمح بذلك، ونظرًا لأن لبنان بلد الاستيراد، فلا عملات أجنبية تدخله عن طريق التبادل التجاري نسبيًا، وبالتالي يقوم المصرف المركزي بتأمين الاحتياط اللازم عبر وسائل مختلفة منها جذب الرأسمال الخارجي عبر فوائد مرتفعة.

حاليًا، يستنزف المصرف المركزي جميع الحلول المتاحة للحصول على الدولار للتدخل اللازم من أجل الحفاظ على سعر الصرف، إنْ عبر الفوائد المرتفعة أو شراء الليرة، وإن عبر تدابير حصر الدولار في القطاع المصرفي. من جهتها تحاول الشركات تأمين مصالحها من خلال إلزامية الدفع بالدولار. أمّا على صعيد المصارف فهي تحدد طلب المودعين للدولار عبر رفع مستوى الشروط لسحب الودائع بالدولار، ليكون بذلك المستفيد من الأزمة الحالية هم المضاربون الذين يحصلون الآن على فرصة المضاربة في الفارق بين سعر صرف الليرة في المصرف المركزي والصرافين.

والنتيجة واحدة، الليرة في أزمة والاستهلاك بات يتقلص في ظل انحسار البضائع من الواردات والصرخة تعلو.. فإلى أين؟

المصدر : العهد

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى