بري: جعجع يحرّض وثلاثة أوصلوا عون … ويكشف خفايا كثيرة!!

سريعاً.. استطاع الرئيس نبيه بري التكيف مع العهد الجديد، متدرّجاً في مسار التأقلم من الرافض، إلى المعارض، فنصف منتصر، ثم شريك.
ويقول رئيس المجلس إن ثلاثة ساهموا في انتخاب العماد ميشال عون: السيد حسن نصرالله الذي تمسّك بدعم ترشيح الجنرال على مدى سنتين ونصف، الرئيس سعد الحريري الذي غامر بتأييد عون، ونبيه بري.. ويتابع: نعم.. لقد كان بمقدوري تعطيل النصاب، إلا أنني لم أفعل، برغم أن معارضي انتخاب الجنرال ألحّوا عليّ ان أعطّله، وبالتالي فإن تأميني للنصاب هو الذي أفضى إلى إتمام عملية الانتخاب، بينما لو اردت ان أتصرف كما تصرف غيري، لكان الشغور الرئاسي مستمراً.
يؤكد بري أن صفحة ما قبل الانتخاب، بكل التباساتها مع الجنرال، طُويت نهائيا وصارت جزءاً من الأرشيف السياسي، لافتاً الانتباه الى ان لقاءاته مع رئيس الجمهورية هي ودّية وإيجابية حتى الآن، «وقد لمست لدى الرئيس عون رغبة صادقة في التعاون، وأنا أبادله إياها».
لا ينفي ذلك ان مخاضاً صعباً سبق الولادة الرئاسية.
رواية المخاض
حتى ما قبل أيام قليلة من جلسة 31 تشرين الاول، كان بري لا يزال يصر على دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية، يؤيده في خياره العديد من قوى 8 آذار، وأطراف وسطية. وعشية سفره الى جنيف، أظهرت الاتصالات التي أجراها بري، والمعلومات التي جمعها، ان هناك إمكاناً لخوض معركة انتخابية متكافئة ضد الجنرال، بل هو توصل الى تقدير مفاده ان فرصة فوز فرنجية واردة بعدما بلغه ان قرابة 17نائبا من «تيار المستقبل» يعارضون انتخاب عون، قبل ان يتقلص هذا العدد لاحقاً، وبالتالي تتغير المعادلة.
وخلال وجوده في جنيف، كان معسكر معارضي الجنرال في بيروت ينظم صفوفه، فيما تولى عدد من أركانه الاتصال هاتفيا برئيس المجلس محاولين إقناعه باستخدام سلاح تعطيل النصاب، لقطع طريق بعبدا امام عون، لكن بري رفض الاستجابة لهذا الطرح، على الرغم من إلحاح المتصلين.
ماذا قال بري لجنبلاط؟
بعد قرابة ساعة من عودته الى بيروت، التقى بري النائب وليد جنبلاط الذي أبلغ رئيس المجلس انه سيكون مضطرا الى التصويت للجنرال، ما دام تعطيل النصاب غير مدرج في حسابات عين التينة، شارحاً الأسباب التي دفعته الى اتخاذ هذا القرار، ومن بينها ما يتعلق بتركيبة الجبل وخصوصياتها.
تفهم بري موقف جنبلاط، وقال له: وليد بيك.. الحلف بين طرف وآخر، لا يعني ان هناك تابعاً ومتبوعاً، وأنا أتفهم دوافع موقفك، تماما كما هو الأمر بيني وبين «حزب الله»، إذ اننا حلفاء ومع ذلك لكلٍ منا مقاربته للاستحقاق الرئاسي. افعل ما يخدم مصلحتك، بل أنا ادعوك الى ان تنتخب ميشال عون انسجاما مع مقتضيات هذه المصلحة.
في اليوم التالي، اجتمعت كتلة «التنمية والتحرير» برئاسة بري وقررت المضي في دعم ترشيح فرنجية. إلا ان رئيس «تيار المردة» الذي زار عين التينة بعد اجتماع الكتلة بوقت قصير أبلغ بري انه يفضّل ان يقترع داعموه بورقة بيضاء. تحول مسار المعركة في اتجاه احتساب ما يمكن جمعه من أوراق بيض، ليتأكد رئيس المجلس ان في الجعبة ما يكفي من هذه «الذخيرة الاحتجاجية»، حتى من دون أصوات «اللقاء الديموقراطي.»
فجأة، راح اتجاه الريح يتبدل، عشية الجلسة. بعض النواب الذين كانوا من معارضي انتخاب الجنرال، زاروا عين التينة تباعاً في الربع الساعة الأخير، كاشفين عن نياتهم التصويت له. بدأ بري يضرب أخماساً بأسداس، متسائلا عن السبب الكامن وراء هذه التحولات المفاجئة. بعد تجميع «الخيوط»، استشعر رئيس المجلس بأن هناك محاولة للايحاء بأنه عاجز عن التأثير في لعبة النصاب، فصمم على إثبات العكس، وكان له ما أراد في جلسة الانتخاب.
أما بعد الجلسة، فقد بدا بري مستعدا لفتح صفحة جديدة مع الجنرال والحريري، مطمئنا الى ان الرسائل التي وجهها وصلت لمن يعنيه الأمر.
لهذا سمّيت الحريري
ويوضح بري انه لم يكن بصدد تسمية الحريري لرئاسة الحكومة، قائلا: لقد انتظرت موقف كتلة «الوفاء للمقاومة» خلال استشارات التكليف، فلو سمّت الحريري لكنت امتنعت أنا عن ذلك، أما وإن الكتلة قررت عدم تسميته، فقد ارتأيت ان أسمّيه حتى لا يبدو وكأن هناك فيتو شيعياً على الحريري، لأن من شأن هذه الصورة ان تعيد تأجيج الاحتقان المذهبي الذي تراجع مؤخراً، وهذا ما لا مصلحة فيه، خصوصاً انني اتولى رعاية حوار بين الحزب والمستقبل، يهدف بشكل اساسي الى تحفيف الاحتقان المذهبي.
.. وارتاح عون
وعندما زار بري رئيس الجمهورية في قصر بعبدا، بدت علامات القلق على عون الذي كان يخشى من ان يمتنع «حزب الله» و «أمل» عن تسمية الحريري، لما سيسببه ذلك من نقص ميثاقي في التكليف، فلما أبلغه بري انه قرر ان يمنح أصوات كتلة التنمية والتحرير لرئيس «المستقبل»، انفرجت أسارير الجنرال، وصارح ضيفه قائلا: لا أخفي عليك انني كنت قلقا بعض الشيء، لكنني قلت في نفسي ليلا إن الرئيس بري لا يمكن ان يفعلها، ولم يخب ظني..
جعجع يحرّض
ويشير بري الى انه إذا طلب رئيس الجمهورية ان يكون هناك وزير شيعي ضمن حصته، فمن الطبيعي والبديهي ان نطلب في المقابل وزيراً مسيحياً ضمن حصة «حزب الله» و«أمل»، ملاحظاً أن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «يحرّض بعض الأطراف، ونحن منها، على الانتقال الى المعارضة حتى يخلو له الجو في الحكومة الجديدة، لكن فاته ان المصلحة الوطنية تتطلب في هذا التوقيت تشكيل حكومة وحدة، إنما على أسس سليمة ومنصفة».
ويلفت الانتباه الى ان الثلث الضامن بالصيغة السابقة لم يعد واردا لأن التحالفات تبدلت، وانتفت الفواصل الواضحة بين ما كان يسمى 8 و14 آذار، «إلا ان ذلك لا ينفي انه من الممكن حياكة تفاهمات سياسية، على طاولة مجلس الوزراء».

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى