‘صوتي بألف’…؟!

المصدر : اندريه قصاص – لبنان 24

بعيدًا من النكات المموجة التي أصبحت رائجة في زمن الإنتخابات، والتي يتداولها المواطنون بكثرة عبر وسائل التواصل الإجتماعي، جاء قانون الإنتخابات الجديد ليكرّس ويشرعن ما كان ممنوعًا، أقله بالقانون، وكان ما يُسمّى “شراء الأصوات” يتمّ بخفر ومن تحت الطاولة وليس على “عينك يا تاجر”، كما هو حاصل في زمن “الصوت التفضيلي”، مع أن القانون من الناحية النظرية يطاول الراشي والمرتشي في آن، ولكن في الواقع لم نرَ ولو لمرّة واحدة هذا الراشي وذاك المرتشي وراء قضبان المحاسبة.

ما يؤسف له أن النكات تكاد تتحول واقعًا، بحيث بات الصغير والكبير “يتباهى” بالقول “انا ما بصوّت لفلان إذا ما بيدفع عَ الصوت كذا”، والأنكى أن تحديد سعر الصوت يكون عادة بالعملة الصعبة.

وعلى رغم أن البعض من هؤلاء يقول ما يقوله على سبيل المزاح، ولكنه في النهاية يعبّر بشكل واضح وصريح عن حالة مرضية تغزو مجتمنا الإنتخابي، وهي لم تكن دارجة بهذا الشكل الفاضح والمخزي.

“صوتي بألف… وإلاّ فلن أصوّت لأحد، لأن ولا واحد من يللي إنتخبتن بالسابق جبلي الطحني عالبيت”.

هذه المقولة نسمعها في كل يوم، وقد نسمع غيرها من الأقاويل المشابهة مع إحتدام معارك “البازار” الإنتخابي.

قد لا يلام هذا الناخب أو ذاك الذي يعتبر الإنتخابات موسمًا يجب الإفادة منه، من دون أن يعني ذلك إعطاء من يفكّر بهذه الطريقة العوجاء أسبابًا تخفيفية، وهو في نهاية الأمر يقول ما يقوله من شدّة يأسه من هذا “الطقم” السياسي، الذي لم يقنع المواطن طوال حياته السياسية بأن ما يقوم به من دور تشريعي ورقابي إنما يهدف إلى تحسين وضعه المعيشي في الدرجة الأولى، وإلى جعل مؤسسات الدولة مؤسسات لخدمة المواطن وليس لخدمة مصالح فئة معينة من المواطنين، الذين يشعرون بالذّل في كل مرّة يلجأون فيها إلى هذا الزعيم أو ذاك المسؤول طلبًا لخدمة، هي واجب لا “تمنين” فيها في الدول التي تحترم حالها وتحترم مواطنيها.

الذي يُلام في مثل هكذا حالات هي تلك العقلية الغلط التي تُدار فيها شؤون الناس، والتي اصبحت نوعًا من التشاطر المشترك بين معظم المسؤولين على المواطن، وذلك بأخذه رهينة وإبقائه تحت رحمتهم إلى درجة أصبح فيها القول أن أي شخص محقّ لا يستطيع تحصيل حقّه بالقانون إن لم يكن يعرف أحدًا في السلطة يساعده على الإستقواء على من لا يعرف أحدًا أو لا “ضهر له”.

وضعوا قانونًا جديدًا يعتمد النسبية، التي أثبتت نجاحها في الدول الديمقراطية العريقة، بدلًا من “قانون البوسطات والمحادل”، فأستبشرنا خيرًا وتأمّلنا أن يحمل في مندرجاته ما يحقّق نوعًا من العدالة الإجتماعية ويساوي ما بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ولكن تبّين لاحقًا أن من “سلق” هذا القانون على عجلة من أمره فصّله على مقاسه وأدخل “البازار” الإنتخابي في متاهات لها أول وما لها آخر. والدليل أننا لم نسمع حتى الآن من هو راضٍ عنه بهذا الشكل الذي وضع فيه، حتى أن بعض الذين كانوا وراء إنتاجه وإخراجه باتوا نادمين على فعلتهم، وكأن المقصود القول أنهم فعلوا شيئًا جديدًا لإدراجه في خانة الإنجازات.

“صوتي بألف”، وربما أكثر، وصمة عار على جبين الديمقراطية، وعلى جبين كل من يتجرأ على مجرد التفكير أو البوح به حتى ولو كان الأمر على سبيل التنكيت أو المزاح.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى