‘تاكسي طائر’ في لبنان؟!

لعلّنا جميعاً نسأل أنفسنا عن شكل الحياة على هذا الكوكب بعد مئة عام، فننسحب إلى التخيّلات والتوقعات والأحلام وربما الأوهام، لنخلص إلى “مشاهد” مختلفة ومتنوّعة. كثيرون منا يعتقدون أنّه في سماء الأفق البعيد، سوف يكون الإنسان قادراً على التنقل بشكل أسهل وأسرع وأكثر غرابة، وذلك انطلاقاً مما شهدته سنوات القرن الحالي من تطوّرات سريعة في وسائل النقل وصولاً إلى ابتكار الطائرات السريعة التي حطّمت “جبروت” المسافات الجغرافية بين القارات. وقد يكون “المشهد” الأكثر تداولاً في مخيّلاتنا يتمثل بصعود الشخص إلى ما يُشبه كبسولة صغيرة طائرة تنقله من مكان إلى آخر، بسرعة لافتة وتكلفة منخفضة، فيما تُصبح السيارات وسيلة نقل بدائية، أو ربما مفقودة!
في دبي، كان بعضٌ من هذه المشهدية حقيقياً أمس. “مدينة المستقبل” التي ما تنفكّ تفاجئ العالم بمشاريعها، أطلقت أول رحلة تجريبية للتاكسي الجويّ ذاتيّ القيادة، وهو مشروعٌ آخر يُضاف إلى سلسلة المشاريع المختلفة التي تتوّسل فيها الإمارة التكنولوجيا المتطورة وتطبيقاتها المختلفة، وكأني بها في سباق دائم مع المستقبل.
“التاكسي الطائر”، هو كناية عن مقصورة طائرة هليكوبتر صغيرة ذات مقعدين يعلوها طوق عريض مزود بـ18 مروحة، من تصميم شركة “فولوكوبتر” VOLOCOPTER الألمانية المتخصصة في الطائرات من دون طيار.
وكما في أفلام العلم الخيالي، يلجأ الراكب الراغب بالتنقل على متن هذا “التاكسي” إلى تطبيق ذكي يبيّن تفاصيل الرحلة ومرجع الحجز ومسار الطائرة، وعند وصوله للموقع يقوم الراكب بإدخال رقم مرجع الحجز عبر الشاشة التفاعلية في التاكسي، بعد ذلك تبدأ رحلة التاكسي الجوي للوجهة المطلوبة المزودة بمنصة هبوط خاصة بالتاكسي الجوي، علماً أنّ التحكم ومراقبة أداء عمل المركبة يتمّ من خلال مركز تحكم أرضي.
التاكسي صديق للبيئة إذ يعمل على الطاقة الكهربائية النظيفة، وهو قادرٌ على الطيران لمدة 30 دقيقة بسرعة تتراوح بين 50 كيلومتر إلى 100 كيلومتر في الساعة. ومن حيث الأمان، فإن الطائرة مزوّدة بالعديد من الوسائل لمواجهة أي طارئ مثل بطاريات للطوارئ ومراوح وزوجين من مظلات القفز تحسباً لأسوأ الحالات.
وتهدف دبي إلى تحويل 25% من إجمالي رحلات التنقل في داخلها إلى رحلات ذاتية القيادة من خلال وسائل المواصلات المختلفة بحلول عام 2030. وإذا كان القطار فائق السرعة “هايبرلوب” الذي أطلقته الإمارة مؤخراً أيضاً من أكثر المشاريع الثورية في عالم النقل (ينقل الركاب من دبي إلى أبو ظبي في 12 دقيقة فقط)، فإن “التاكسي الطائر” بدوره حلماً بات قيد التنفيذ.
هكذا تتحقق الأحلام وتترجم إلى واقع ملموس على بعد ثلاث ساعات بالطائرة من لبنان. دبي تستشرف المستقبل وتُحلّق في فضاءات التقدّم والتطوّر، ونحن ما زلنا نحلّق في أحلامنا فقط.
.. ومما تشكو الأحلام؟
فشكراً دبي لأنك تحضيننا دائماً على ممارسة الحلم، في وقت نبدو معلقين “ع حبال الهوا”.
شكراً لأنك تقومين بتذكيرنا بين الحين والآخر، بواقعنا المرير الذي تأقلمنا معه فصار أمراً طبيعياً وعادياً. فها نحن، كلّما قرأنا خبراً عن إنجازاتك ومشاريعك، نشعر فوراً بالوجع الذي ندعي خنقه مع كل صبح كي نتمكن من الاستمرار في هذه الحياة على قاعدة “عيش يومك بيومو”. طبعاً ليس من باب الغيرة أو الحسد، نستفيق على وجعنا، إنما قهراً من مسؤولينا الذين حوّلونا قطع سردين في معلبات على الطرقات. هذا إن تكلمنا فقط عن قطاع النقل.
نسعد لك ولشعبك الذي أنشأت له وزارة للسعادة، ونحزن على حالنا وأحوالنا التعيسة في بلد شُلّت فيه المؤسسات حدَّ وأدِ الانتخابات العامة، وعُممّ فيه الفساد حدَّ أن صارت سرقة الشعب “على عينك يا تاجر”…”ويلي مش عاجبو ينتحر أو يموت ع الطرقات”.
ونحن نموت فعلاً على الطرقات. هل تعرفين يا دبي أنّ بعض الجرائم تحصل في لبنان نتيجة معاناة الشعب مع أزمة السير؟! وأنّ البعض يموت في سيارات الإسعاف العالقة وسط ما يُسمّى بـ “اوتوسترادات”، في حين أنّ الطرقات التي كانت تشقّها الحمير أفسح وأكثر تنظيماً منها؟
لا يسعنا إلا أن نحلم بـ “هايبرلوب” ينقلنا من طرابلس إلى صيدا بخمس دقائق فقط، بـ”تاكسي طائر” ينقلنا من بيروت إلى جبيل دون ” escale” في جونيه. بوزارة تحاكي تطلعاتنا وترتقي إلى مستوى جهودنا وكفاءاتنا.
“بكير” علينا هذه الأحلام حتّى.. فلنحلم بقطار بباصات نقل عام حديثة، ببطاقة ممغنطة لا تكون السبب في نسف حقنا باختيار ممثلينا في البرلمان للمرة الرابعة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى