تحية الى جدتي ‘ام علي’ بذكرى رحيلها | بقلم محمد ع. درويش

تحية الى جدتي “ام علي” بذكرى رحيلها

الجدة هي الحضن الدافئ بكل الأوقات، الحضن الذي يبعث فينا طمأنينة، الجدة هي قلب هادئ يعطينا ما يحلو لنا ويخبئ لنا كل ما نهواه، عطفها يغمرنا، وكلامها البلسم يروينا في أيام الصيف، تبقى مساندةً إيانا في أحلك الظروف والمواقف وتنقل لنا خبراتها العظيمة، تروي لنا بتجاعيدها حكاية زمن طويل مضنٍ وقاسٍ، الجدة هي كائنٌ يعيش بروحه في الماضي وبجسده في الحاضر، ذاكرة لا تفتأ تسرُدُ أحداثها، نهرٌ يمارس لذة التفجر وأرق الانشطار.

جدتي.. الحاجة ديبة نصرالدين ركين “ام علي” رحلتِ عن دنياي قبل عامين..

جدتي … رفعت قلمي لأخط بحبر الاحزان شيئا على ورقة تسجيل الآلام، لأكتب اليوم رساله اليك يا جدتي الحبيبه، عبر السحاب.. عبر الايام.

جدتي … منذ أن وعيت على هذه الدنيا، ومنذ نعومة أظافري، وجدت نفسي متعلق بك أحبك حباً جماً، كنت دائماً تستقبليني بابتسامتك الحنونة، الدافئة، فأرتاح، ويصبح فؤادي الذي يتغلغل حباً لك يرقص فرحاً مستبشراً برضاك المطمئن .

جدتي الغالية مازلت أذكر يوم رحيلك، وأذكر صوت البكاء الذي لا يفارق أذني، ولا زلت أذوق مرارة دموعي يومها، وكيف أنسى وهو يوم سرق مني أغلى البشر.. ما أصعب لحظة الوداع.. كنت أرى أمامي كل البشر لوداعك… وأي بشر!

جدتي… يا روح القلب، ويا عطر الياسمين الفواح، يا ندى العمر وشذا الحياة، يا من طيبتها وطهارتها ومحبتها محفورة في قلوب الجميع، يا من أخلصت لربها القلب والروح ورضيت بما قدّره لها، يا من عاشت حياتها كلها للخير والعطاء، يا من صبرت وصابرت على عذابات الدنيا وكانت مؤمنة قانعة بحكم ربها..

جدتي… في الذكرى السنوية الثانية لرحيلك لا أملك سوى أن أقول اشتقت لكِ،اشتقت لكِ بكل معاني الإشتياق وأحبك بكل معاني الحب.

جدَّتي… أنتِ لست امرأة عادية ولم تكوني كذلك. وطالما تساءلتُ وأنا أزوركِ في قريتنا الوديعة “الشهابية” عن سرّ تلك السكينة التي أودع الله سرَّها فيكِ، وعن سبب تلك البهجة التي تنبع من سريرتكِ لتجعل من مُحيَّاكِ شمساً تسطعُ في قلوب الآخرين.

جدتي… بريقُ عينيكِ لا يوصَفُ عندما تعرفين أن الله يرسل غيثه على الأرض.

جدتي … لم أكن اعلم ان الفراق صعب لهذه الدرجة. جدتي …لم أكن أعلم أن موت الاحبة مؤلم بهذه الصورة…

كم هي عظيمة تلك الجدة، أعياها المرض وأنهكها التعب، وكانت صابرة محتسبة.
كانت تقاوم بالذكر والاتكال على رب العباد.

كانت جدتي امرأة مؤمنة، عابدة، صائمة، قائمة، ذاكرة لله آناء الليل وأطراف النهار، مافترَ لسانها يوماً عن ذكره.
وكأني أرى سجادتها أمامي الآن، وقد تمزقت مواطئ قدميها واهترأ موضع جبينها، فتقبّل الله منها.

جدتي أمثالك لا تنتهي حياتهم بمجرد رحيلهم عنا، لأنهم إذا انتقلوا أجساداً إلى الملكوت الأعلى، فإن أخلاقهم تبقى خالدة فينا وكذلك منهجهم ومبادئهم رسالة لنا.

جدتي …. لكم في الذكرى شجوني من أجلك جدتي تدمع عيوني سامعةً طائعةً أبقوا كما عهدتموني.
اللهم أجعل جدتي ممن تقول لها النار أعبري فإن نورك أطفأ ناري، وتقول لها الجنة أقبلي فقد أشتقت إليك قبل أن أراك.

فسلام لمن علمتني أن الصلاة طريقاً إلى الله.
حفيدك المحب : محمد ع.درويش

بمناسبة ذكرى مرور عامين على رحيل جدتي الحاجة ديبة نصر الدين “ام علي” ارملة المرحوم الحاج محمد قاسم ركين “ابو السبع”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى