تشكيلة الحريري قريباً… “وداعاً حكومات العهد”

لعل المواقف التي أطلقها الرئيس المكلف سعد الحريري، عصر الأحد، هي الأوضح “ع المفضوح”، منذ 22 تشرين الأول 2020 يوم تكليفه تشكيل الحكومة، التي تاهت في سراديب التعطيل والتسويف والمناورات والمحاصصات. على الرغم من أنه لم يدمر كل الجسور مع رئيس الجمهورية ميشال عون، بتأكيده الاستعداد الدائم لمحاولة الاتفاق على التشكيلة الحكومية.

لم يكن اختيار الحريري لتاريخ 14 شباط في الذكرى الـ16 لاغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري موعداً للرد على “كمية الكذب والافتراء والخرافات التي رميت منذ أن اختارني النواب لتشكيل الحكومة”، كما قال، صدفة، بل للتأكيد على ربط ما يتعرَّض له من عرقلة وهجومات، بما كان يعانيه الرئيس الشهيد والهجوم المستمر على “الحريرية السياسية” من الفريق ذاته تقريباً.

ولا شك أن ترددات “الرد الحريري الصاعق” على محاولات تحميله المسؤولية عن تعطيل التشكيل، لن تتأخر بالظهور، بعد رد أولي “خجول” من مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية. والمرجح أن يتولى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، الأحد المقبل، ردَّ “التحية” للحريري بمثلها، علماً أن فضل باسيل سابق في هذا السياق.

المحلل السياسي علي حمادة، يشير، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “خطاب الحريري كشف عن جانب من عملية التأليف، بشكل كان منتظَراً ومطالَباً به منذ أسابيع عدة، بل كان مطالَباً بالكشف عن التشكيلة الحكومية. وبتقديري هذا ما سيفعله في مقبل الأيام، لأن الأزمة ستتفاعل وتشتد وتتصاعد حدة الاشتباك السياسي ما بين عون والحريري وأوساطهما، وبالطبع باسيل أساسي في هذا السياق”.

ويعتبر حمادة، أنه “بعد مرور نحو ثلاثة أشهر وثلاثة أسابيع على تكليفه، كان لا بد للحريري أن يرفع، طبعاً بكل احترام، من درجة السجال مع رئيس الجمهورية، وأن يواجه التسريبات التي اعتمدتها رئاسة الجمهورية بخطاب مباشر حازم وحاسم”.

ويرى، أننا “الآن أمام معضلة في كل الأحوال والتأليف في عنق الزجاجة. فتشكيل الحكومة يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية، لكنه يحتاج أيضاً إلى أن يقوم الرئيس المكلف بتأليف حقيقي ونهائي”، لافتاً إلى أن “كسر رئيس الجمهورية غير ممكن وغير مستحب لأنه غير مفيد بصرف النظر عن الموقف من الرئيس عون لكنه يبقى رئيس الجمهورية اللبنانية حتى إشعار آخر”.

“كذلك، كسر الرئيس المكلف غير ممكن وغير مستحب”، يضيف حمادة، مشيراً إلى “موقعه الذي له رمزيته في التمثيلين السياسي والطائفي، وخصوصاً لأن كسر الحريري يفترض وجود بدائل غير موجودة عنه. فهناك إجماع سنيّ وغير سنيّ من قوى مسيحية ودرزية فاعلة في البلد، بالإضافة إلى الشيعية من حركة أمل وحزب الله، بأن رئيس الحكومة العتيدة يجب أن يكون سعد الحريري نظراً لقوته التمثيلية، بصرف النظر عما يمكن أن يحققه، لكن هذا هو الواقع”.

ويشدد حمادة، على أن “المستوى السياسي مدعو إلى محاولة اجتراح حلول معقولة وعملية لأنه لا يمكن إبقاء البلد من دون تشكيل حكومة، ولا يمكن إبقاؤه أسيراً للغموض في النص الدستوري. فهناك غموض لناحية مهلة التكليف التي لا سقف محدداً لها، ما يعني أن الرئيس المكلف يمكن أن يبقى مكلفاً إلى ما شاء الله. ومن ناحية أخرى، لا وضوح جدياً بالنسبة إلى الدور الفعلي والعملي لرئيس الجمهورية في التأليف، بل هناك كلمة (بالتشاور)، فهل تعني أن رئيس الجمهورية يسمِّي أو لا يسمِّي وزراء؟”.

ويضيف، “نحن نحتاج إلى عقل عملي لاجتراح الحل، ولا يزال الأمر ممكناً داخلياً لأن الحريري لم يقفل الباب، ولم يقل الأحد هذه تشكيلتي ولا أقبل غيرها وليفعل رئيس الجمهورية ما يشاء، بل أعرب عن استعداده للتفاهم معه. ما يعني عملياً أن الحريري طلب من عون دعوته إلى بعبدا والجلوس لمناقشته اسماً بعد اسم، والدخول بالعمق”.

ويلفت حمادة، إلى أنه “لغاية الآن، لم يحصل أي اجتماع عمل جدي وحقيقي بين عون والحريري حول تشكيل الحكومة، على الرغم من اللقاءات الـ16 بينهما. بمعنى أن يجلسا بمشاركة مستشاريهم المقربين ويضعا كل المعطيات أمامهما للبحث على قاعدة أنهما ينويان التوصل إلى نتيجة. ما حصل حتى الآن، تمرير وتمريك ونكوزة”.

ويعيد التأكيد، على أن “هناك حاجة للجلوس والبحث، فلا أحد يريد أن ينكسر رئيس الجمهورية بغض النظر عن الموقف منه، لكن أيضاً لا أحد يستطيع أن يقبل بأن يكسر رئيس الجمهورية الرئيس المكلف أو أن يستمر بسلوكياته وممارسته على طريقة السنوات الثلاث الأولى من عهده”، مشدداً على أن “هذه الممارسة غير مقبولة نهائياً وإطلاقاً، فهو كان متوهِّماً بأنه ملك متوَّج في لبنان، وهذا غير صحيح لا بالنسبة إليه ولا لغيره”.

ويشير حمادة، إلى أن “مشكلة رئيس الجمهورية ومن بعده حزب الله أنهما لا يريان المعطى الخارجي الفعلي، بأن حكومة على غرار حكومات السنوات الثلاث الأولى من العهد (الله ما بيجبلا مصاري)، ولن يأتي دولار واحد”، مشدداً على أن “قضية الحريري بالنسبة إلى التشكيل ليست قضية مزاج، إنما لأنه يمتلك معلومات ومعطيات ومطلع على الموقفين العربي والدولي، بأن حكومة مثل حكومات العهد السابقة مستحيل أن يتم التعاطي معها وتقديم أي دعم أو مساعدات مالية لها”.

ويلفت إلى أن “الإشكالية أننا في مأزق عميق جداً، يكاد يكون وجودياً، يحتاج إلى معالجات جدية وحقيقية على أعلى مستوى من المسؤولية والتفكير الإيجابي العملي والمنفتح”. ويضيف، “لا يستطيع رئيس الجمهورية وحزب الله الاستمرار كما كانا عليه منذ العام 2015 وصولاً إلى اليوم مع حكومة كحكومة حسان دياب. ما يحتاجه لبنان من مساعدات للخروج من الأزمة لا يمكن الإتيان به إلا عن طريق حكومة جديدة بمعايير مختلفة، أقربها معيار المبادرة الفرنسية”.

المصدر : أمين القصيفي – موقع القوات اللبنانية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى