بين “يقبرني ابني المهندس وتقبرني بنتي المعلمة” فرع في الثانوية العامة في لبنان مهدد بـ”الإنقراض”…وهذا ما قالته “ميرا” بعدما أحرزت المعدل القياسي فيه لهذا العام

داليا بوصي – بنت جبيل.أورغ

“يقبرني ابني المهندس…تقبريني يا ماما يا أحلى معلمة”…بهذه العبارات تغازل أم صغيريها بينما تعد لهم زاداً من الطعام للمدرسة. وبهذه العبارات قد يتحطم ميول الصغار! ومع مرور الوقت، ينغرس في وعيهم وفي لاوعيهم أن النجاح الحقيقي لا يكمن إلا في اختصاصات جامعية معينة. هي مجرد صورة مبسطة عن واقع لا يزال حاضراً في بعض أرجاء مجتمعنا. واقعٌ يساهم بـ”إنقراض” فرع من فروع الثانوية العامة وهو “الإنسانيات”. فرعٌ لا يسهل حصد معدل عالٍ فيه، إلا أن الطالبة ميرا حلبي حصدت معدل 17.7 لتحتل المركز الأول في لبنان.

بمنطق تجيب ميرا عن سبب اختيارها لفرع الإنسانيات: “لأنه يفيدني أكثر في المجال الذي أنوي خوضه في الجامعة”. وتنوي التوفيق بين دراسة الترجمة في الجامعة اليسوعية إضافة إلى الأدب العربي في الجامعة اللبنانية. ونالت ميرا 425 من أصل 480، وهي طالبة من مدرسة سيدة الجمهور، تتقن إلى جانب اللغة الأم – العربية، الإنكليزية والفرنسية والإسبانية إضافة إلى اطلاعها على اللغة الألمانية. كما أنها قدمت إضافة إلى امتحان الشهادة الثانوية، إمتحان البكالوريا الفرنسية ونالت ما يقارب الـ19 من 20! تتفرّغ الشابة إبنة عرمون لتنمية مواهبها الفنية حيث تتابع دروس الموسيقى. وقد بدأت من عمر الـ13 سنة، وتجيد اليوم عزف الغيتار والعود، وقريباً ستتعلم عزف الناي. كما أنها تجيد السباحة.
تقول ميرا أن صف الإنسانيات، حيث درست، كان يضم 28 طالب وطالبة، وهو رقم كبير، مقارنة بغير مدارس. إذ أن العديد من الثانويات، في مختلف المناطق اللبنانية، لا يفتتحون صفاً للإنسانيات بسبب عدم توفر “عدد”. فقد يضطر الطالب الوحيد الذي يطمح للتسجل في الفرع أن يغيّر إلى الفرع الأدبي الثاني “الإقتصاد والإجتماع” مرغماً!
وفي السياق، نذكر ثانوية البنات الرسمية في صور، التي تجمع أكثر من ألف طالبة يتوزّعن على الصفوف المتوسطة والثانوية، إلا أن الإقبال يتلاشى على “الإنسانيات” في صف الثالث الثانوي. وبحسب ما أفادت مديرتها الأستاذة سوسن حسين لبنت جبيل.أورغ، أنه عادة يكون هناك حوالي 4 صفوف لقسمي الفرع العلمي، يقابلها 3 لقسمي الفرع الأدبي، ومن بين هؤلاء حوالي 12 طالبة فقط في فرع الإنسانيات! وهو الصف الوحيد الذي يجمع طلاب اللغتين الإنكليزية والفرنسية في المواد المشتركة. وأكدت أن الصف يفتتح كل عام دراسي رغم الإقبال القليل، وقالت: “دائماً نشجع على مختلف الإختصاصات” مشيرة إلى أن كل اختصاص له أهميته في مجال الدراسة الجامعية. وتكاد تكون الثانوية المذكورة، الوحيدة في المنطقة المحيطة، التي لا تزال تحافظ على صف “الإنسانيات”.

قوام “الإنسانيات” آداب اللغة العربية والأجنبية وكذلك الفلسفة، والمواد العلمية تدرّس بشكل مقتضب. وهو ببساطة للذين يميلون للأدب والفلسفة، ولمن يتناسب ذلك مع الإختصاص الجامعي المقرر اختياره. فهل يحسن الطلاب اختيارهم؟

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى