حملة مقاطعة بضائع المستوطنات: خطوة أوروبية ترعب إسرائيل

 

داليا قانصو :

يتخذ الصراع مع اسرائيل أشكالاً وأبعاداً عدة، تثير قلق الاحتلال، الذي بات لا يعرف إلى أي اتجاه يذهب.
وإذا كانت الهبّة الشعبية في الأراضي المحتلة دليلاً صارخاً على أن لا أمل للعدو بطمر القضية الفلسطينية وسط الصراعات الاقليمية، فإن ثمة مستجدات أخرى تؤرقه، بعدما أصبحت تشكل خطراً على اقتصاده وأمنه السياسي، الذي نسجه على مر السنين من خلال التشويه وطمس الحقائق.
ويتجه الاتحاد الأوروبي إلى نشر المبادئ التوجيهية الجديدة من أجل البدء العملي بتطبيق مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، بوضع علامات تحذيرية للمستهلك عليها.
القرار ليس جديداً، بل هو منتظر منذ العام 2013، وهو أقل من المتوقع بالنسبة إلى كل من لا يعترف بالاحتلال أصلاً، ولكن بالأخص إلى الناشطين في أوروبا المطالبين بمقاطعة جميع البضائع الإسرائيلية، والذهاب أبعد من ذلك في قرار المقاطعة.
بالرغم من ذلك، يبدو القرار الذي تأجل مراراً، تعبيراً أوروبياً، من الناحية السياسية في توقيته، عن امتعاض في الجمود الحاصل في عملية السلام في الشرق الأوسط من جهة، ومواجهة لاستمرار الحكومة الإسرائيلية في سياسة توسيع المستوطنات التي أدانتها أوروبا وطالبت بوقفها.
ولكن من جهة أخرى، يكسب القرار جزءاً كبيراً من أهميته، إذا ما أضيفت إليه تحولات لافتة تطرأ بشكل أو بآخر على المشهد الأوروبي الشعبي والخاص، أبرز تجلياتها حركات مقاطعة فردية، منها قرار شركة الاتصالات الفرنسية «أورانج» للاتصالات الانسحاب من اسرائيل، ومقاطعة أكثر من 300 أكاديمي ومحاضر بريطاني الجامعات الإسرائيلية، وغيرها، وحتى قبلها تبنّي توصية في بريطانيا منذ العام 2009 بمقاطعة بضائع المستوطنات. في عدد من الدول الأوروبية الأخرى أيضاً، مبادرات فردية لبلدات ومدن للمقاطعة، أصبحت أكثر توسعاً.
وحذرت اسرائيل الاتحاد الأوروبي، عبر قنواتها الرسمية واللوبي الإسرائيلي الضاغط في بروكسل من مغبة اعتماد القرار الذي صوت له النواب الأوروبيون بالغالبية في وقت سابق من العام الحالي. حججها أنه يضر باقتصادها، و «يحرم مئات الفلسطينيين من العمل»، كما «يعيق عملية السلام».
خطر تبنّي القرار، حذّرت منه طبعاً الولايات المتحدة أيضاً، بعدما كانت الضاغطة الأكبر لوقف تنفيذه منذ العام 2013. اتفاقية الشراكة للتجارة والاستثمار (TTIP) بين أوروبا وأميركا طالها الخطر أيضاً، بضغط من منظمة «أيباك»، اللوبي الأقوى المهيمن على الكونغرس، لتضمينها قراراً يمنع أوروبا من حظر البضائع المصنّعة في المستوطنات الإسرائيلية.
ولدعم القرار المنتظر، نظم الناشطون الأوروبيون المدافعون عن القضية الفلسطينية أياماً وطنية في أوروبا، لحث المتاجر الكبيرة على مقاطعة البضائع الإسرائيلية التي تحمل شعار المستوطنات. في فرنسا مثلاً، وبعد يوم نشط في هذا الخصوص الشهر الماضي، نظم الناشطون، ومنهم «جمعية التضامن بين فرنسا وفلسطين»، يوماً آخر شمل جميع أنحاء فرنسا، وأهم المتاجر فيها، وعلى رأسها «كارفور»، لوقف التجارة مع المستوطنات.
وبالرغم من إصدار محكمة التمييز الفرنسية قراراً مثيراً للجدل في أواخر الشهر الماضي يجرم كل الجهات التي تدعو إلى المقاطعة، وهو ما اعتبره الناشطون أول قرار من نوعه في دولة ديموقراطية، وتحضروا لاستئنافه، اتخذ يوم السبت الماضي بعداً آخر بعدما حظي بتغطية إعلامية متقدمة من قبل وسائل الإعلام الفرنسية.
ويقول الناشط في جمعية التضامن الفرنسية مع فلسطين غي بيرييه لـ «السفير» إن الإشارات مشجعة جداً لجهة تبني الاتحاد الأوروبي قراره الأخير، بالرغم من خشيته من نجاح الضغط الإسرائيلي في اللحظة الأخيرة. ولكنه يشير إلى أن القرار هو سياسي بالدرجة الأولى، لأن العديد من المتاجر في بريطانيا وسويسرا ولوكسمبورغ مثلاً، طبقت هذا القرار منذ وقت طويل.
ويضيف بيرييه أنه «منذ سنتين، تمارس اسرائيل شتى أنواع الضغوط لمنع هذا القرار»، مؤكداً أن الناشطين في أوروبا يتجهون أيضاً إلى الضغط من أجل اثبات علاقات بين المصارف الأوروبية والمستوطنات، وهو ما تدعي بعض المصارف انه غير موجود، من أجل وقفها.
ويعتبر الناشط الفرنسي أن هذه التحركات بدأت تأخذ زخماً أكثر من أي وقت مضى، بالرغم من أن حركات المطالبة بالمقاطعة قديمة، معترفاً أن «هناك معركة شرسة لجهة اقناع الرأي العام».
يقول بيرييه أن «أوروبا في الوقت الحاضر تسعى لتمييز نفسها سياسياً، ولو أن تحركها لا يزال خجولاً جداً، لأنها ليست موحدة وتنقصها المبادرة».
وبالرغم من أن فرنسا بالنسبة له «تبدو الأكثر تقدماً في هذا الاتجاه، إلا أن سياسة الحكومة الحالية لم يعد بالإمكان تمييزها عن أي حكومة يمينية فرنسية في ما خص العلاقة مع اسرائيل».
أما عن الخطوات المقبلة، فيتحدث بيرييه عن ضرورة العمل على وقف التعاون بين الجامعات الأوروبية والجامعات الإسرائيلية لناحية البحث العسكري، لأنه بالنسبة إلى التبادل العسكري فمن المستحيل وقفه.
تتحدث التقارير الإسرائيلية عن خسارات بمليارات الدولارات إذا ما تم تنفيذ القرار، وهو ما حذا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحسب صحيفة «الغارديان» أمس إلى إرسال أكثر من رسالة تحذيرية إلى رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز، واصفاً الاقتراح الأوروبي بـ «العنصري»، وذلك بعد زيارات مكوكية لوزراء اسرائيليين إلى بروكسل في الآونة الأخيرة لممارسة آخر محاولات الضغط.
القرار الأوروبي، يبدو سائراً باتجاه التنفيذ. ما سيزيده زخماً، ضغط آخر يتحضر على مستوى حثيث لوقف التعاملات بين المصارف الأوروبية ومصارف المستوطنات.
بين الدعم اللامحدود للاحتلال من قبل الولايات المتحدة، والتطبيع تحت الطاولة لبعض العرب، في مكان آخر شيء يبعث بالطمأنينة. أقلّه قد يبقي اسرائيل في حالة قلق.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى