برّي | أسوأ حكومة أفضل من بقاء عون في قصر بعبدا

استبق النائب جبران باسيل زيارة الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي إلى القصر الجمهوري يوم أمس بتسريب إعلامي للائحة من “الخيارات”، قد يتمّ اللجوء إليها في حال رفض أو عجز ميقاتي عن تشكيل حكومته قبل 31 تشرين الأوّل.

هي ثلاثة خيارات، غير دستورية وغير منطقية حتّى برأي شخصيّات محايدة تدور في فلك رئيس الجمهورية، وتشمل:

1 – بقاء عون في قصر بعبدا في حال حلول الشغور الرئاسي من دون تأليف حكومة، وبالتالي “التصدّي لواقع يحاول فرضه كلّ من الرئيسَيْن نبيه برّي وميقاتي بتسلّم حكومة مستقيلة بحكم الدستور ومصرِّفة للأعمال صلاحيّات رئيس الجمهورية”، وفق باسيل.

2 – سحب التكليف من ميقاتي في مجلس النواب أو إسقاطه والدعوة إلى استشارات نيابية جديدة. لكن دستورياً، لا يمكن سحب التكليف لا في مجلس النواب ولا من قبل رئيس الجمهورية.

3 – تشكيل حكومة على غرار “حكومة 1988” الانتقالية التي شكّلها الرئيس أمين الجميّل (قبل الطائف) للاستعداد لانتخاب رئيس جمهورية جديد، على أن تكون غير عسكرية. وهو واقع سوريالي يصعب تخيّله بسبب انتزاع الطائف من يد رئيس الجمهورية العديد من الصلاحيّات، ومنها تشكيل الحكومات.

جميع هذه الخيارات هي “غير دستورية وأقرب إلى الهوبرة والتهويل ويسعى باسيل لقبض ثمنها”، وفق مصادر سياسية رفيعة.

مصادر مطّلعة تفيد بوساطة يقوم بها المدير العامّ للأمن العامّ اللواء عباس إبراهيم منذ فترة قد تقود إلى اختراقات في المشهد الحكومي المأزوم في ظلّ شبه تسليم بصعوبة انتخاب رئيس جمهورية في الموعد الدستوري المحدّد

باسيل يستعد لمواجهة ما يسميه “الإنقلاب”

على ضفّة رئيس التيّار الوطني الحرّ “الأمور مفتوحة على كلّ الاحتمالات مع محظور واحد هو تسلّم حكومة تصريف الأعمال صلاحيّات رئيس الجمهورية حتى لو ضمن إطار تسيير الأعمال الضرورية فقط، وإلا فسيُصنّف هذا الواقع ضمن إطار انقلاب تستدعي مواجهته بأيّ ثمن”.

ذهب قريبون من باسيل مجدّداً إلى الترويج لخيار إعلان وزراء في الحكومة من المحسوبين على عون (هم بحكم المستقلّين أصلاً) العصيان وعدم تصريف الأعمال في حال تسلّم الحكومة القائمة صلاحيّات الرئيس.

ضمن سياق هذه المناخات أتى لقاء عون وميقاتي من دون تسجيل أيّ تقدّم على مستوى تأليف الحكومة، ولا سيّما أنّه تمّ تحت عنوان “نصيحة أصدقاء” بأنّ “التشاور أفضل من التصادم”. فلا صيغة توسيع الحكومة إلى ثلاثين وزيراً مقبولة من ميقاتي ولا التعديلات الوزارية المحدودة التي طرحها الرئيس المكلّف مقبولة من عون الذي يشترط توسيع دائرة التعديلات وقول كلمته الحاسمة في الأسماء.

بدا المشهد أمس في قصر بعبدا أقرب إلى صبحيّة متوتّرة من “قَلّي وقِلتلّو” وأخذ وردّ في ظلّ فقدان كامل للكيمياء والثقة بين الرجلين.

لكنّ مصادر مطّلعة تفيد بوساطة يقوم بها المدير العامّ للأمن العامّ اللواء عباس إبراهيم منذ فترة قد تقود إلى اختراقات في المشهد الحكومي المأزوم في ظلّ شبه تسليم بصعوبة انتخاب رئيس جمهورية في الموعد الدستوري المحدّد.

عون غير راغب بالبقاء في بعبدا

حتى يوم أمس كانت الدائرة اللصيقة برئيس الجمهورية تجزم أن “لا مجال ولا قدرة لبقاء الرئيس عون في بعبدا بعد 31 تشرين. لا يتوقّف الأمر على المعطى الدستوري، بل إنّ عون نفسه يرفض بالمطلق هذا الخيار وباسيل يعرف ذلك تماماً. إذاً لا الرغبة موجودة، وليس هناك أيضاً اقتراح بتمديد الولاية الدستورية كسبيل وحيد للبقاء في سدّة الرئاسة الأولى، وهو أمر لم يطلبه عون إطلاقاً”.

أزمة التكليف مع الحريري وميقاتي يربطها جامع مشترك هو موقف برّي بالوقوف إلى جانب الرجلين وموقف حزب الله “العموميّ” الثابت والداعي إلى “تشكيل حكومة وعدم تضييع المزيد من الوقت”، لكن من دون دعم حليفه باسيل في معركة إسقاط التكليف

يعلم جزءٌ من الفريق القانوني لدى رئيس الجمهورية أيضاً أنّ سحب التكليف غير ممكن، والأصعب دفع ميقاتي إلى الاعتذار، ما يمهّد لتسمية رئيس مكلّف جديد يشكّل حكومة تنال ثقة مجلس النواب قبل مهلة العشرة أيّام الفاصلة عن نهاية الولاية الرئاسية.

ثمّة محاولة جرت في السابق لسحب التكليف تمثّلت في رسالة رئيس الجمهورية لمجلس النواب في 18 أيار 2021 إثر تعثّر تأليف سعد الحريري حكومته بعد تكليفه في 22 تشرين الأول 2020.

وَجّه عون رسالته آنذاك إلى مجلس النواب “عملاً بمسؤوليّته عن التكليف”، طالباً مناقشة الرسالة “واتّخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب بشأنها بعد تجاوز الرئيس المكلّف المهلة المعقولة”، مسلّماً بأنّ “الرئيس المكلّف بات عاجزاً عن تأليف حكومة قادرة على الإنقاذ والتواصل المجدي مع مؤسّسات المال الأجنبيّة والصناديق الدوليّة والدول المانحة”، قائلاً إنّه “يأسر التأليف بعد التكليف ويؤبّده”.

يومذاك دعا الرئيس برّي إلى التئام الهيئة العامّة لمجلس النواب لـ”تلاوة رسالة رئيس الجمهورية فقط”، ثمّ صدرت توصية بعد أيام عن مجلس النواب بـ “الإسراع بتشكيل الحكومة، وباعتبار مجلس النواب غير ذي صفة لسحب التكليف”.

بري على الضفة المقابلة لعون

أمّا موقف برّي الحقيقي فتركّز على اعتبار “الرسالة ضرب لاتفاق الطائف ومحاولة لإعادة لبنان إلى الوراء”. وهناك رأي قانونيّ آخر يُذكّر بأنّ “تأليف الحكومة مسؤوليّة مشتركة بين رئيسَيْ الجمهورية والحكومة، وبالتالي التعطيل يمكن أن يحصل من الجهتين، فهل تُلقى مسؤولية الفشل في التأليف على رئيس دون الآخر”.

المفارقة أنّ أزمة التكليف مع الحريري وميقاتي يربطها جامع مشترك هو موقف برّي بالوقوف إلى جانب الرجلين وموقف حزب الله “العموميّ” الثابت والداعي إلى “تشكيل حكومة وعدم تضييع المزيد من الوقت”، لكن من دون دعم حليفه باسيل في معركة إسقاط التكليف أو الدفع إلى الاعتذار عن عدم التأليف.

في هذا السياق، ثمّة من اعتبر أنّ رسائل باسيل “التهويليّة” بسحب التكليف أو بقاء عون في القصر الجمهوري في حال عدم انتخاب رئيس تستهدف حزب الله قبل ميقاتي نفسه ربطاً بمنح السيّد حسن نصرالله ورقة التكليف الذهبية لميقاتي و”تخاذل” الحزب، برأي محيطين بباسيل، عن خوض المعركة كتفاً إلى كتف مع عون ورئيس التيار الوطني الحر لمنع الوصول إلى الشغور الرئاسي “المحتمل” في ظلّ حكومة تصرِّف الأعمال.

في كواليس عين التينة سُمِع الرئيس برّي يقول بوضوح أمام زائريه: “أسوأ حكومة هي أفضل من بقاء عون في القصر الجمهوري. لذلك أنا أدفع باتجاه التشكيل وليس العكس لأنّ مع حسابات ميشال عون لا يمكن أن نضمن أيّ شيء بما في ذلك “احتلاله” مجدّداً لقصر بعبدا ووضع نفسه في موقع المغتصب للسلطة”. وقد تخوّف بري من “استخدام عون ورقة الميثاقية لتبرير بقائه في القصر الجمهوري في حال عدم انتخاب رئيس وبقاء حكومة تصريف الأعمال قائمة وتسلّمها صلاحيّات رئيس الجمهورية، وذلك عبر استغلال بعض الثغرات الدستورية”.

المصدر : ملاك عقيل – أساس ميديا

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى