زيارة سريّة.. من أعطى الضوء الأخضر لـبن سلمان في قضية الحريري؟

يبدو أن مصير الشرق الأوسط أصبح في يد هذا الثلاثي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي تصفه وسائل إعلام غربية بالمتهور ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو المتهم في قضيتي فساد ومستشار ترامب وصهره جاريد كوشنر الذي يتهم بأن مؤهلاته الوحيدة هي أنه زوج إيفانكا.

لكن صفقة القرن أو الصفقة النهائية التي يتوقع البعض أن تخرج بيد هذا الثلاثي برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد لا تكتمل بسبب اختلاف رغبات هذا الثلاثي، حسب ما ذكر دوف زاخيم: الكاتب والمسؤول السابق في حكومة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان في مقال له بمجلة ناشيونال إنترست الأميركية.

يقول زاخيم الذي عمل الذي عمل منسقاً مدنياً لوزارة الدفاع الأميركية في إعادة إعمار أفغانستان لنحو عامين: ما زالت زيارة جاريد كوشنر، السرية إلى السعودية أكتوبر/تشرين الأول الماضي 2017 تثير جدلاً واسعاً.

مصر مفتاح الحل ومفتاحها موجود في مكان آخر

ويبدو أن صهر الرئيس الأميركي عازمٌ على تحقيق الهدف الأصعب، وهو عقد اتفاق سلام في الشرق الأوسط مهما كانت العواقب؛ إذ قال توم باراك، وزير الخزانة الأميركي والصديق المقرب لترامب، لصحيفة بوليتيكو الأميركية: “يسعى جاريد دائماً إلى محاولة إيجاد حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومفتاح حل هذا الصراع هو مصر، ومفتاح مصر هو أبوظبي والسعودية”.

وألمح ترامب نفسه إلى قدرته على عقد اتفاق مماثل، ويرى بوضوح أن جلب السلام إلى الشرق الأوسط يُعد بمثابة الجائزة الكبرى، والتي استعصت على أسلافه ولكنه يمكنه تحقيقها.

ولكن امتلاك كوشنر المهارات اللازمة لتنفيذ مثل هذه المهمة الحساسة، وقدرته على النجاح فيما فشل دبلوماسيون أكثر حنكةً في تحقيقه، يُعد أمراً مشكوكاً فيه للغاية، حسب وصف دوف زاخيم.

يُعد ما حدث تحديداً خلال اجتماعات كوشنر محل خلاف، ولكن منتقديه يزعمون أنه منح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الضوء الأخضر لبدء حملة تطهير داخل الأسرة الملكية وأبدى له الانطباع بأن الإدارة الأميركية ليست لديها أي مشكلة تجاه قراره باقتحام المشهد السياسي المعقد في لبنان من خلال إجبار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري – كما يبدو – على الاستقالة من رئاسة الحكومة (وهو القرار الذي يبدو أن الحريري عدل عنه الآن).

ربما يحاول كوشنر عقد اتفاق سلام رئيسي في الشرق الأوسط، ولكن ليس من الواضح ما إذا كان يدرك أن كلاً من السعوديين – الذي يبدو أنه يأمل أن يتولوا قيادة العالم العربي للضغط على الفلسطينيين – وحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لديهما أجندات خاصة بهما لا تصب بالضرورة في مصلحة الولايات المتحدة.

ماذا يريد السعوديون؟

وتُظهر المؤشرات الواردة من العاصمة السعودية الرياض أن ولي العهد يأمل أن يهاجم الإسرائيليون حزب الله من أجل توجيه ضربة موجعة لسياسات إيران التوسعية في المنطقة. يدرك الجميع لماذا قد يرغب السعوديون في مثل هذا الهجوم الإسرائيلي؛ إذ تشعر الرياض بالتهديد من التجاوزات الإيرانية ونشاط حزب الله العسكري المتزايد نيابةً عن طهران.

ولعب أتباع حزب الله دوراً هاماً في الحفاظ على نظام الرئيس السوري بشار الأسد ومن المعروف أنهم يدعمون الحوثيين في اليمن، وفي كلتا الحالتين ينفذ حزب الله تعليمات إيران.

تورط السعوديون في حربٍ – يبدو أنها لن تنتهي – مع الحوثيين، ويستمرون في الضغط على قطر من خلال الحصار المفروض عليها بسبب مزاعم عن دعم الدولة الصغيرة لحركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين، كما يراقبون التطورات باستمرار في البحرين، حيث أرسلوا قوات عام 2011 عبر جسر الملك فهد بالمنطقة الشرقية للمملكة لقمع الاضطرابات التي هددت بإسقاط نظام آل خليفة. استنزفت هذه الالتزامات الموارد العسكرية السعودية؛ ولذلك لا يبدو أن الرياض في وضع يسمح لها بمواجهة حزب الله بمفردها. إسرائيل هي المنقذ لها.

حسابات نتنياهو الخاصة

ولكن نتنياهو لديه حساباته الخاصة؛ إذ يحقق المدعي العام الإسرائيلي معه حول صلته بواقعتي فساد منفصلتين، وارتبط اسم رئيس الوزراء بواقعة ثالثة تتعلق بشراء إسرائيل لغواصات من ألمانيا، ويسعى حلفاء نتنياهو جاهدين إلى منع اتهام قائدهم، بل يحاولون تمرير تشريعات قد تمنع الشرطة من تقديم توصيات في التحقيقات رفيعة المستوى والتي تُجرى بواسطة المدعي العام، والتي من شأنها أن تمنع الشرطة عن التوصية باتهام نتنياهو من الناحية القانونية.

الرابط بين تطلعات بن سلمان وإسرائيل

ويبدو أن الرابط بين تطلعات بن سلمان بشأن إسرائيل وحزب الله ومشاكل نتنياهو هو محاولات كوشنر للتوسط في اتفاق سلام بالشرق الأوسط.

ربما يكون السعوديون على استعداد لقبول مبادرة سلام في المنطقة إذا وافقت إسرائيل على مهاجمة حزب الله. وربما يكون نتنياهو، الذي تجنب أي مشاركة حقيقية في مفاوضات سلام خلال السنوات الأخيرة الماضية، على استعداد للمشاركة “إذا كان ذلك سيساعده في إقناع الرأي العام بأن هذا ليس وقت اتهام واستبدال رئيس الوزراء”، حسبما ذكر أحد خصومه السياسيين البارزين.

في الواقع، ذكر موقع المونيتور الأميركي أيضاً أنه من المُرجَّح أن يحظى نتنياهو بالتأييد في أي خطة سلام أميركية على أمل أن يدعم ذلك حظوظه السياسية المحلية. ويبدو أن الفكرة تكمن في أن التعاون الإقليمي، وخاصةً مع السعودية، من المفترض أن يؤدي إلى التعاون الفلسطيني الإسرائيلي.

وليس هناك أي شك أن آخر شيء تحتاجه الولايات المتحدة في الوقت الحاضر هو صراع رئيسي آخر في الشرق الأوسط؛ فأي هجوم إسرائيلي على لبنان، في ظل احتدام الحرب الأهلية السورية واليمنية والليبية واضطراب الأوضاع في العراق وفي ظل التأثير المتزايد لروسيا وإيران – على حساب الولايات المتحدة – على المنطقة، قد يستنزف الموارد الدبلوماسية الأميركية التي أصابها الوهن بالفعل.

وعلاوة على ذلك، فإن أي حرب لبنانية جديدة، والتي يمكن أن تثير حرباً أهلية أخرى بين حزب الله والجماعات الدينية الأخرى المستاءة منه، قد تدفع الجيش الأميركي للمشاركة مثلما كان الحال عامي 1958 و1982.

لحسن الحظ، لا يبدي الإسرائيليون أي اهتمام في الهجوم على حزب الله حالياً، مثلما ينتظر الحزب الوقت المناسبة لإثارة صراع آخر مع الدولة اليهودية.

لن يضغطوا على أبومازن

سبب هذا النفور الإسرائيلي خيبة أمل سعودية؛ ففي غياب الهجوم الإسرائيلي على حزب الله، يبدو أن هناك حافزاً ضئيلاً للسعوديين من أجل الضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبي مازن للمشاركة في مباحثات سلام مع إسرائيل.

وإذا لم يتخذ العرب، بقيادة السعودية، الخطوة الأولى فإنه من غير المُرجَّح أن يكون نتنياهو على استعداد لاستفزاز مؤيديه في حركة الاستيطان من خلال أخذ المبادرة لبدء جولة جديدة من مفاوضات السلام، التي يمكنه الاعتماد عليها لإيجاد طريقة أخرى لتجنب اتهامه بالفساد.

ويبدو أن القليل مما سبق قد بدر في ذهن كوشنر؛ إذ يشير الوضع المعقد بالمنطقة إلى أن ترامب في حاجة إلى شخص لا يمتلك مجرد تأثير في البيت الأبيض بل خبرة واسعة كمبعوثٍ رئيسي له.

وإذا كانت التقارير الصحفية الأخيرة إشارة على أي شيء، فإن كوشنر يقلل دوره الشخصي في البيت الأبيض بالفعل، ولكن هذا ليس كافياً؛ إذ حان الوقت أيضاً لتراجعه عن التدخل في شؤون الشرق الأوسط.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى