شائعات واتساب والسوشيل ميديا: البغدادي مرّ من هنا!

ليست المرّة الأولى التي تصدر فيها السفارات الأجنبية بيانات تحذر فيها رعاياها من خطر وقوع عمليات إرهابية في لبنان. غالباً ما يُدرج المتفائلون هذه التحذيرات في سياق الإجراءات الروتينية التي تتخذها الدول، وبخاصة عقب أحداث “حساسّة”، كما هي الحال اليوم بعد عملية تحرير الجرود وما رافقها من صفقات أفضت إلى نقل إرهابيي داعش إلى الداخل السوري، إضافة إلى التطورات الأمنية الأخيرة التي شهدها مخيّم عين الحلوة. لكنّ “هذه المرّة” بدت مغايرة لسابقاتها، إذ صدرت التحذيرات عن أكثر من سفارة أجنبية في الوقت نفسه، محددة موقعاً جغرافياً (كازينو لبنان) يُعدّ أحد أكثر المرافق السياحية شهرة، ما أثار بلبلة كبيرة بين المواطنين والجهات الرسمية على حدّ سواء إذ سارعت وزارة الخارجية اللبنانية إلى التعليق على “موجة التحذيرات” بالدعوة إلى عدم الخوف وتضخيم الأخبار وإعطائها أبعاداً أكبر من حجمها”، مؤكّدةً أن “هكذا بيانات يجب أن تندرج ضمن التنسيق، القائم أصلاً، مع الخارجية وأجهزة الدولة الأمنية”.

وإذا كانت ظاهرة إطلاق الشائعات قد باتت أكثر تفشيّاً وإزعاجاً في السنوات القليلة الماضية في ظلّ عصر التواصل الاجتماعي والتطبيقات الهاتفية إذ “كلّما دق الكوز بالجرّة” كانت الرسائل و”الأخبار” الكاذبة أو المُضخمّة تنتشر كالنار في الهشيم بين المواطنين، فإنها اليوم تخطّت “حدودها” مُستغلّة صدور تحذيرات السفارات الأجنبية وهواجس اللبنانيين من حدوث ردود فعل انتقامية تنفذها التنظيمات الإرهابية التي تشكّل أكبر تحد يواجهه العالم أجمع اليوم.

“شباب اجتنا خبرية بالصليب الأحمر، طالبين من الصليب الأحمر يبعدو عن المحلات لي فيا كثير عجقة وهيك…هودي ثلاث اربع أيام كثير خطرين بلبنان من هلق لشي جمعة تقريباً انتبهوا…بدو يصير انفجارات بالبلد، ع الأكيد. الصليب الأحمر بس يجيهن هيك خبرية بكونو مأكدين من الموضوع”، هي إحدى الرسائل الصوتية التي يتناقلها اللبنانيون عبر تطبيق “واتساب” تزامناً مع بيانات الدول الأجنبية. رسالةٌ صدّقها كثيرون على اعتبار أنّ الصليب الأحمر اللبناني تابعٌ لمنظمة دوليّة تحرص على سلامة العاملين فيها، وبالتالي فإن واقعية هذا البلاغ محتملة جداً. إلا أنّ الأمين العام للصليب الأحمر جورج كتانة نفى هذا الامر نفيا قاطعاً، مؤكداً في اتصال مع موقع “لبنان24” ألا تحذيرات وردت إليهم حول الأوضاع الأمنية في لبنان. وجزم كتانة أنّ هذه الرسائل مدرجة قطعاً ضمن خانة الشائعات والمعلومات الكاذبة واصفاً إياها بـ “كثرة حكي مثل العادة”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ الجهات الأمنية هي التي تتلقى عادة بيانات تحذيرية متعلقة بالأمن. وإذ شددّ على أن الصليب الأحمر متأهب دائماً لتأدية رسالته الإسعافيّة، أكدّ أنّ “ما من مخاطر أمنية في لبنان! في فرنسا وأميركا وغيرها من الدول تبدو الأوضاع الأمنية أخطر”.

“Too much”، يردف كتانة واصفاً ومستغرباً إطلاق مثل هذه الشائعات، سائلاً بأسف:” كيف يمكننا محاسبة مطلقيها؟”. ويختم مطمئناً:”حتى أننا لسنا في حال استنفار”.

والسؤال الذي طرحه كتانة وجميع اللبنانيين المتضررين من “همروجات الشائعات”، معروفة إجابته. القانون اللبناني يلاحق كل من ينشر أخباراً كاذبة ومغلوطة، وكل من يعيد نشرها والترويج لها. لكنّ التحدي الكبير الذي تواجهه القوى الأمنية والجهات المعنيّة يتمثل بالقدرة على معرفة مصدر الشائعة ومُطلقها الأوّل، وهي عملية غير مستعصيّة لكنها تستنزف حتماً الجهود والوقت والموارد، في وقت يحتاج لبنان إلى توظيف طاقاته في ملفات أكثر أهميّة وإلحاحاً.

ومع هذا، بات من الضروري وضع حدّ لهذا النوع من “الإرهاب” والذي يترك المواطنين في دوّامات من القلق والحذر، إضافة إلى إلحاقه الأذى بمؤسسات ومنظمات وإدارات وتشويه سمعتها، عدا عن مساهمته بشكل مباشر أو غير مباشر بتلبية أهداف أعداء لبنان ورغباتهم.

منذ “تعاظمه”، دأب داعش على توّسل الإعلام لبثّ الذعر في النفوس، فما كان ينحر رقبة إلا ويوّثق جريمته بالصوت والصورة، جاهداً في نشرها على أوسع نطاق. الحرب النفسية ليست أقلّ خطورة وفتكاً من الحروب التقليدية، بل هي أشدّ وقعاً وتأثيراً. والحال أنّ مختلقي الأخبار الكاذبة في لبنان ليسوا أقلّ إرهاباً من حاملي الأحزمة الناسفة التي متى انفجرت، تحصد أرواح العشرات والمئات من الأبرياء والعزّل!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى