صمت رئيس ‘تيار المستقبل’ يُقلق الحلفاء القدامى والخصوم

فتح غياب رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عن لبنان، منذ اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة ‏قبل اشهر، الباب امام سلسلة من الاخبار الملفقة، والسيناريوهات المفبركة، والتمنيات الشامتة ‏بمجملها، والهواجس المقلقة، حول مستقبل مسيرته السياسية، وخططه بالمرحلة المقبلة،تناوب ‏على ترويجها خصوم مبغضون، وحلفاء سابقون او منقلبون، وطامحون بتبوؤ زعامته، من ‏الاقرباء والانتهازيين الحاسدين.‏

مع مرور الوقت اكثر واكثر، والتزام الحريري الصمت السياسي المطبق، والابتعاد عن معمعة ‏الضجيج السياسي المتصاعد، وتواتر الحديث عن اقتراب موعد الانتخابات النيابية الذي لم يحدد ‏نهائيا بعد،بفعل الخلافات والطموحات بين شركاء الحكومة الواحدة، كثرت الشائعات والاخبار ‏والتوقعات والتكهنات حول المصير السياسي لسعد الحريري، الذي قلص حركته السياسية العلنية ‏إلى حدود العدم تقريبا، وازدادت التساؤلات لدى عامة الناس اكثر من قبل، بعدما تسربت ‏معلومات غامضة ومشوشة عما ينوي القيام به، نقلا عن قلة، ممن تمكنوا من لقائه، بعيدا عن ‏الضوضاء الاعلامية.‏

التزام زعيم تيار المستقبل الصمت السياسي والاعلامي،لا يعني غيابه عن الواقع السياسي ‏الداخلي ومتابعة احداث الداخل بتفاصيلها، بل على عكس ذلك تماما،أراد الحريري إعطاء فرصة ‏لتمكين حكومة الرئيس نجيب ميقاتي للقيام بمهمة الانقاذ التي على اساسها تشكلت، واظهار مدى ‏حرصه على نجاحها لحل الازمة المالية والاقتصادية الصعبة التي يواجهها اللبنانيون هذه الأيام.‏

ابتعاد الحريري عن المشهد السياسي ظاهرياً، كشف بوضوح لعامة اللبنانيين، حقيقة كل الذين ‏تناوبوا على مدى عام كامل، على عرقلة تنفيذ المبادرة الفرنسية لانقاذ لبنان، واجهاض كل ‏مساعي تشكيل الحكومة، التي كان ينوي الحريري تاليفها،وقبلها تعطيل مهمة السفير مصطفى ‏اديب.‏

بعد مرور ما يقارب المائة يوم من عمر الحكومة الجديدة، لم تعد الاكاذيب والاوهام تنطلي على ‏اللبنانيين. اليوم رئيس الجمهورية ميشال عون ووريثه السياسي النائب جبران باسيل وحزب الله، ‏الذين تناوبوا دورياً على تطويق حركة الحريري وافشال مهمته سابقا تحت شعارات مزيفة، هم ‏اليوم بأنفسهم، يعطلون مهمات الحكومة الميقاتية، التي كانت لهم اليد الطولى بتشكيلها، تارة تحت ‏شعار تنحية القاضي طارق البيطار وتارة بحجة الفصل بين السلطات ،ومن تحت الطاولة تحاك ‏المقايضات والصفقات التحاصصية، بخصوص فصل التحقيق العدلي عن ملاحقة الرؤساء ‏والوزراء والنواب مقابل تعديلات بقانون الانتخابات.‏

هؤلاء الاطراف، بممارساتهم اللامسؤولة، وإمعانهم بعرقلة عمل الحكومة عمدا، لم يحترموا ‏مصلحة البلد، وباتوا يقدمون مصلحتهم الخاصة، على مصالح اللبنانيين، ولو على انقاض لبنان ‏وعذابات المواطنين ومآسيهم.‏

بعد مائة يوم من تشكيل الحكومة الجديدة،وبعد تفريغها من فاعليتها، وشل عملها، وما اصبح ‏الوضع المتردي عليه اليوم، اصبح اللبنانيون على قناعة تامة،بما بذله الحريري من جهود مضنية ‏ومساع حثيثة، بالداخل والخارج معاً، والتضحيات السياسية والخاصة، التي قدمها، لانقاذ ‏لبنان،من شرور المعطلين والمنتفعين من الفريق الرئاسي وحزب الله مع بعضهم البعض.‏

الآن مع اقتراب موعد الانتخابات الكل،بات يتهيب، ما سيُقدم عليه زعيم تيار المستقبل من توجه ‏سياسي وكيفية مقاربته للمرحلة المقبلة. الحلفاء القدامى والمحتملون الجدد، يعرفون ان شعبية ‏الحريري وإن تأثرت جزئيا، بفعل انتفاضة ١٧ تشرين وخروجه من السلطة، الا انها،ماتزال ‏تتصدر باقي السياسيين السنّة بأشواط، برغم كل محاولات الاستهداف من هنا أو هناك، وجدوا ‏انفسهم في ورطة، في غمرة ما تردد من روايات واخبار، عن احتمال عدم ترشحه شخصيا، او ‏خوض تياره للانتخابات المقبلة،وما يمكن ان يؤدي اليه هكذا توجه في حال اعتماده، من تأثيرات ‏سلبية عليهم، ومحاولات استفرادهم من خصومهم السياسيين،الذين يتربصون بهم شراً من كل ‏جانب، بعدما اعتاد معظمهم الانضواء في لوائح تيار المستقبل الانتخابية وحيازة دعمه مؤيدي ‏التيار، في العديد من الدوائر في كل لبنان.‏

اما حال الخصوم التقليديين، وإن كانوا مغتبطين ظاهرياً، لاحتمال اعتكاف الحريري عن ‏الترشح، ومشاركة تياره بالانتخابات المقبلة، الا انهم في قرارة انفسهم، يبدون قلقين، لأن بعضهم ‏استفاد في مراحل سابقة من دعمه الانتخابي شعبيا للوصول إلى سدة النيابة والوزارة وغيرها، ‏وقد يطمح لتكرار ما حصل وإن كان ذلك اصبح مستحيلا بعد التطورات الاخيرة وانقلاب ‏التحالفات رأساً على عقب. فيما البعض الآخر من الخصوم، يخشى من تبدل في شخصيات ‏السياسيين السنّة المنتخبين،ووصول الصداميين سياسيا او المتشددين دينيا منهم، الى سُلَّم الزعامة، ‏بينما يمثل زعيم تيار المستقبل سعد الحريري المرجعية الاسلامية السنّية الاكثر اعتدالا وانفتاحا، ‏محليا واقليميا ودوليا، بشهادة المرجعيات على اختلافها، واستطاع بسلوكيته وحكمته، تجنيب ‏لبنان مخاطر الانجراف الى متاهات الفتن والحروب الطائفية المذهبية، وتفشي ظاهرة الإرهاب ‏طوال العقد الماضي.‏

ويبقى صمت الحريري، مقلقا للجميع، للحلفاء والخصوم،ولا سيما للطامحين في مقارعته، أو ‏الحلول مكانه، من المتسلقين السابقين، او الطامحين الجدد منهم، ويقضُّ مضاجعهم، ويبقيهم في ‏حيرة من امرهم، لحين اعلان موقفه وتوجهه السياسي بالمرحلة المقبلة.‏

المصدر : معروف الداعوق-مستقبل ويب

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى