عدم جواز ضرب المرأة في الإسلام بقلم سماحة الشيخ عبد الحسن نورالدين العاملي

( ضرب المرأة في الاسلام)
دعاني واجبي الديني وإحساسي بالمسؤولية وبطلب حثيث من بعض الاخوة المؤمنين وابراء للذمة للشروع في شرح مختصر جدا لمفردة وردت في التنزيل وهي مفردة (واضربوهن) الواردة في الآية الشريفة من سورة النساء اية 34 قوله:
( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ان الله كان عليا كبيرا )
فكيف يأمر المولى بضرب المرأة وفي عين الوقت يأمر بالعدل والاحسان ويقول في اية 229 من سورة البقرة :
( الطلاق مرتان فامساك بمعروف او تسريح باحسان )
فاين هو المعروف والاحسان ؟ بل هو امساك بضرب وتسريح بضرب.
وقبل الخوض في جواز الضرب للمرأة وعدم جوازه لا بد لنا من ذكر مقدمة فنقول:
قد وردت هذه المفردة في القرءان الكريم ما يقارب الستين مرة (ضرب) ومشتقاتها فجعل المفسرون لكل مفردة منها معنى خاصا بها بحسب العرف وليس بحسب المعنى الاصلي لهذه المفردة.
وعلى كل حال اتفق فقهاء المسلمين سنة وشيعة على معاني هذه المفردة ومشتقاتها وسأذكر بعضاً منها وما قالوه من معانٍ بحق هذه المفردة المظلومة:
فعند قوله: (وضرب الله مثلا)اي اعطى
وقوله:(اذا ضربتم في الارض)اي اذا سافرتم
وقوله:(واضربوا منهم كل بنان) اي اقطعوا
وقوله :(واضربوا فوق الاعناق)اي افصلوا الرؤوس
وقوله :واضرب بعصاك الحجر) اي اجلد
وقوله :(واضرب بعصاك البحر )اي اجلد
وقوله:(واضرب ولا تحنث)اي اجلد وهذه قد ألفوا عليها قصة ما أنزل الله بها من سلطان بأن نبي الله أيوب العبد الصابر قد وعد زوجته المؤمنة الصابرة معه على السراء والضراء بأن يجلدها مائة جلدة إن شفاه الله مما هو فيه من سقم وضر، فراجعوا التفاسير واعجبوا مما قالوه بحق العبدة الصالحة وان تعجب فعجب قولهم
*****
وعند قوله:(واضربوهن) انقسم الفقهاء سنة وشيعة الى فريقين:
فريق أجاز الضرب المبرح أي الجلد ولكن دون إدماء أو كسر عظم وهذا الفريق أسال الله أن يكسر عظامه بمحمد وآله ويشفي صدور قوم مؤمنين.
وفريق أجاز الضرب بالسواك ولا يجيز أذيتها ولم يلتفت الى معنى الضرب والمراد من هذه المفردة في سياق الآية وهي تعبر عن عقاب تصاعدي ولا زالت مفردة (ضرب)مغشيا عليها من الضحك وأبو مرة يرتقب ويقول لأكيدنكم اجمعين.
أقول:
ان اهم شيء يحتاجه المفسر والفقيه والعالم واللغوي هو فهم اللسان العربي وليست اللغة العربية لان اللغة العربية جزء من اللسان العربي وفي أصل اللسان العربي جميع الأفعال التي منشؤها الإسم والمعبر عنه بالمصدر كون الأفعال أصلها أسماء، قال في التنزيل: (وعلم آدم الاسماء كلها) ولم يقل الأفعال كلها لأنها تحصيل حاصل.
فجميع الافعال مصدرها اسم وهو المصدر الوحيد الكاشف عن معنى هذا الفعل، ولا يُشرح هذا المعنى بمفردة واحدة بل بجملة تُظهر المقصود، ولا يجوز مطلقا شرح مفردة بمفردة، واستعمال الترادف في اظهار المعنى، لان هذه المفردة ستضحك كثيرا على شارحها، وهو لا يعلم انها تسخر منه وتشكوه الى الله، فلا يجوز ان نقول (الحمد) تعني (الشكر) وشتان بينهما فالحمد تعني (الرضا والقبول لقضاء الله وقدره على السراء والضراء) لذا نقول (الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه) واما الشكر هو (الثناء الجزيل على العطاء، وهذا ما يميز اللسان عن اللغة لذلك قال في التنزيل (بلسان عربي مبين)ولم يقل( بلغة عربية مبينة).
وخلاصة القول :ان الفعل قد يكون له عدة مصادر فيكون له عدة معان وقد يكون له مصدرا واحدا فيكون له معنى واحدا، وهذا المعنى يشرح بجملة كما ذكرنا فمثال ذلك فِعل (سار) له مصدران فله معنيان :
1- “سار الرجل” وهو المشي الدؤوب ومصدره سير.
2- و”سار الرجل السور” أي أقام السور وشيده ومصدره سور .
ونقول: “قال فلان” و “قال فلان”
فالاولى: قال من قول وهو الكلام.
والثانية: قال من قيل وهي القيلولة من النوم.
وكلما اردنا معرفة معنى مفردة في اللسان العربي ارجعناها الى مصدرها بالتصريف فينكشف لنا ما اذا كان لها مصدرا واحدا ام اكثر فان كان لها مصدرا واحدا يكون لها معنى واحداً واذا كان لها أكثر من مصدر يكون لها اكثر من معنى.
*****
فلو أرجعنا كلمة (ضرب) الى مصدرها في التصريف لوجدنا لها مصدرا واحدا فيكون لها معنى واحدا لا غير فمن اين جاءو بكل هذه المعاني المتعددة؟
ومعنى كلمة (ضرب) باللسان العربي (اطلاق العنان للشيء وتسريحه) فلو استبدلنا كلمة (ضرب) ومشتقاتها على طول القرءان بهذه الجملة لأدت المعنى المطلوب.
فعند قوله: (وضرب الله مثلا): اطلق الله العنان للمثل وسرحه.
وقوله (اذا ضربتم في الارض): اذا اطلقتم العنان لأنفسكم وسرحتم في الارض.
وقوله (واضربوا منهم كل بنان ): اطلقوا العنان لأنفسكم وسرحوا منهم رؤوس اصابعهم وهي البنان.
وقوله (واضربوا فوق الاعناق): وفوق الاعناق الرؤوس اطلقوا العنان لأنفسكم وسرحوا الرؤوس الكائنة فوق الاعناق.
وقوله (واضرب بعصاك الحجر): اطلق العنان لنفسك بواسطة العصا سرح الحجر.
وقوله (واضرب بعصاك البحر): اطلق العنان لنفسك بواسطة العصا وسرح البحر.
وقوله (واضرب ولا تحنث): اطلق العنان لنفسك وسرح على الضر ولا تتردد من الالم هذا مغتسل بارد وشراب.
فمن اين جاءو بهذا التفسير بان نبي الله أيوب عليه السلام قد وعد زوجته بضربها ماية جلدة اذا شفي مما هو فيه من ضر؟ أكانت زانية والعياذ بالله حتى تجلد ماية جلدة؟ علما انا لم نجد حكماً في كتاب الله يشبه حكماً اخر.
فـ (السارق والسارقة فاقطعوا ايديهما)
و (الزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما ماية جلدة)
فاتقوا الله ايها المفسرون ولا تضلوا العباد بتفسيركم
وعند قوله (واضربوهن) نلاحظ عند قراءتنا الاية بأن العقاب والقصاص تصاعديا لنشوز الزوجة وهي قوله:
(واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا …)النساء 34
والملفت في هذه الاية انها تتكون من افعال ثلاثية المصدر:
(تخافون) (خوف)
(نشوزهن) (نشز)
(فعظوهن) (وعظ)
(واهجروهن) (هجر)
(واضربوهن) (ضرب)
اذن يتحقق الخوف بالتكرار وكذالك النشوز.
فهذه الاية تشير الى المراحل التصاعدية الثلاثة في العقاب وهي :
المرحلة الاولى: (فعظوهن) ليرجعن عما هن فيه من النشوز، بعد تكرار الوعظ فإن اتعظن فبها ونعمت وان لم يتعظن
فالمرحلة الثانية: (واهجروهن في المضاجع) وهذه المرحلة اصعب من الاولى فان اتعظن بالهجر فبها ونعمت وإلا
فالمرحلة الثالثة: (واضربوهن) أي اطلقوا العنان لهن وسرحوهن وهذه المرحلة اصعب من المرحلتين لأن فيها تسريح وهو الطلاق الرجعي.
فإن اطعنكم في أي مرحلة من المراحل الثلاث فلا تبغوا عليهن سبيلا
وخصوصا في المرحلة الثالثة لأنه يكون قد طفح الكيل وهي الطلاق الرجعي اشارة الى ارجاعهن ان اطعنكم بشرط الاطاعة
وكذا الحال في الشراكة بين شخصين:
من احدهما المال ومن الاخر العمل فان اخل الثاني ببعض واجباته المطلوبة منه قام الاول بوعظه مع التكرار، فان لم يتعظ اعرض بوجهه عنه اظهارا لاستنكاره، فان لم يتعظ مع التكرار ضربه أي سرحه من العمل وفصل الشراكة بينهما.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
الشيخ عبد الحسن نورالدين العاملي

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى