عندما يصبح المعلم ضحية لقمة العيش المغمسة بالحرمان….الأستاذ ‘حسين’ وداعاً وعلى ‘وطن الحرف والعلم’ السلام….

“ضجت صفحات مواقع التواصل الإجتماعي لروادها الجنوبيين وللتربويين عموماً، وأهالي منطقة صور خصوصاً، بصور المربي الاستاذ حسين أسعد أمس… هو الذي ارتقى بحادث صدم مروع مساء على طريق البازورية، أسلم الروح متأثراً بجراحه التي لم تمهله طويلاً ونكث بظروف وفاته جراح الأساتذة والمعلمين والمربين على امتداد الوطن المكلوم…

تناقل زملاؤه وطلابه وأحباؤه الكثر صوره… فهو الذي عودهم على بسمته دائما ما تعلو ثغره… تملك مهارات سبر أغوار عالم الفيزياء الصعبة، وساعد طلابه على حل معادلاته المعقدة، ولكنه تركهم بالأمس في حيرة عاجزين عن فهم لغز رحيله…

هذا الاستاذ الذي امضى في مجال التربية والتعليم حوالي 30 سنة، عاصر فيها الكثير من الطلاب والاساتذة، النظار والمدراء، واكب الكثير من الوزراء والشخصيات التي قطعت وعوداً “بالطول وبالعرض” للأساتذة والمعلمين المثبتين مهم والمتعاقدين بتحسين أوضاعهم وظروف حياتهم وأغدقت عليهم أشعاراً من “قم للمعلم وفه التبجيل كاد المعلم أن يكون رسولاً ولكن…. رحل الاستاذ حسين على دراجته النارية لأنها “وفيرة ما بتصرف بنزين مثل السيارة”… وأنى لأستاذ راتبه بالكاد يبلغ سعر 3 صفائح بنزين في أفضل الظروف أن يؤمن “قوت سيارته؟ رحل الأستاذ حسين، ليس عائداً من مدرسته وثانويته الذي أمضى ساعات طوال فيها يصقل معارف وعلوم طلابها ويساهم في تنوير آفاقهم وتربيتهم على حب الوطن والفداء في سبيل العلم والثقافة، على قاعدة أن العلم يرفع بيوتاً لا عماد لها…. رحل الاستاذ حسين عائداً من أحد البساتين القريبة حيث قرر أن يعمل ليؤمن قوته وقوت أفراد عائلته بعدما أصبح مدخول التعليم بالكاد يؤمن أجرة التنقل من والى المدرسة…

“حسين” الذي واجه مرض زوجته ببسمة دافئة كلها إيمان بالله وحكمته رحل على طرقات الموت المظلمة الموحشة في وطن لا يؤمن بحق أبنائه بالعيش بكرامة…. أبكى برحيله أبناء بلدته طربيخا وأهل المعشوق وصور وكل من في قلبه أبسط رحمة في وطن ما بات للعلم فيه قيمة….

في وطن يموت فيه “الاستاذ” في سبيل لقمة عيشه، ما كان الاستاذ حسين الأول ولن يكون الأخير … بل سينضم الى كوكبة من زملائه سيدقوه مسامير الوداع في نعش وطن تغولت عليه وحوش الفساد الضارية حتى أنهكته ونهشت من روح أبنائه الأمل بغد أفضل….

لروحك التي أزهقت على الطريق المعتم السلام استاذ حسين … ولنا من بعدك كثير الشقاء…. لن نأمل أن تهز دماؤك عروش القيمين على ملف التربية من نقابات وجمعيات ووزارات وهيئات…. فلا حياة هنا لمن تنادي في وطن عليل ما كان يوماً فقيراً بل منهوباً…. ما كان يوماً إلا غنياً بطاقات وإبداعات أبنائه حتى تحولت إليهم آلات القتل تفتك بطموحهم وتقذفهم الى غياهب الهجرة أو موحش المدافن أو باحات الإنتظار طالما أن مسؤوليه يؤمنون “أن الاستثمار في التعليم ليس استثماراً منتجاً كما الاستثمار في النهب والفساد”، كما عبر أحدهم يوماً…

المصدر : عبير محفوظ

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى