عن المسعف الشاب “أحمد” | أنقذ حياة الكثيرين من ضحايا حروب نيسان وتموز الاسرائيلية والحوادث في صور، ثم اختاره ‘الخبيث’ ليخطف روحه المرحة في شهور قليلة

كإعصار ثائر يقتحم سكينة حياتنا بقرب من نحب يباغتنا الموت…. يعصف بطشه في جبروت كبريائنا فيغرقه خاضعاً في بحر الدموع… يبحث عن صلب عواطفنا فيزلزلها ويحول همسات المحبة الرقيقة الى صرخات أنين موجعة…. أجزاء من أعشار ثوان قليلة وينال الموت الروح من الجسد كما ينال ذاك الاعصار سنين العمران في ساحة عصفه ثم يرحل…

ولكن حالنا بعده لن تعود كما كانت قبله… وسيفوح من أرواحنا عبق الشوق الممزوج بعلقم الفراق الأبدي، يخطف من عيوننا سيل العبرات كلما تهادت الذكرى الى النفس فتسيل على خد لن يشفى من خدوش الحسرة لتصب في صدر سيزيد الزمن جرحه عمقاً وتتقد ناره أبداً حتى اللقاء الموعود… وهكذا رحل الشاب الأربعيني أحمد بيضون ….

لـ25 سنة طوال، تطوع أحمد في الصليب الأحمر اللبناني… فإلى جانب عمله في دكانة سمانة في بلدنه يانوح (شرق صور)، استهواه العمل التطوعي لانقاذ الناس… وما ان التحق به حتى وجد فيه ضالته وبات مركز الاسعاف والطوارئ بيته الثاني… فهناك تدرب على كيفية اسعاف الجرحى ونقل المصابين بعناية للمحافظة على فرصهم في النجاة من براثن الموت…

طور من نفسه وتأهل ليصبح “سائق سيارة اسعاف” ليحملهم على جناح الرحمة ويوصلهم امانة غالية الى ذويهم او الى مراكز الاستشفاء… بات المسعفون والمسعفات عائلته، اضافة الى اخويه الشابين واخته التي حملتها الحياة الى بلاد الغربة مع عائلتها الجديدة….

“نذر “أحمد” حياته للعمل التطوعي… تحت قصف “عناقيد الغضب”، كان “أحمد” يهدئ من روع الجرحى وينقذهم من تحت الركام، ثم برباطة جأش تخفي دموعه الرقيقة، كان ينقل جثث الضحايا منهم”، يروي صديقه المسعف لموقع “يا صور”… وما زاده هول همجية الاسرائيلي في البطش والدمار الا اصراراً على التعلق بالعمل الاسعافي…. “ثم حتى في حرب تموز 2006، لم يتخلف “أحمد” عن الحضور الى المركز…. استودع أمه العجوز في منزلهم ونال رضاها ثم توجه ليلبي النداء الانساني والواجب الوطني”.

لطالما كان “أحمد” خير زميل لمعاصريه، وخير مرشد ومساعد وموجه وناصح لكل متطوع أو متطوعة جدد في مركز الصليب الاحمر اللبناني في صور.. يستذكره الجميع ببسمته التي ما كانت تفارق محياه يوماً… حتى لما اكتشف اصابته بالسرطان، اصر على الحضور الى المركز والمساهمة في مهامه الاسعافية….

“مرارة العلاج الكيميائي لم تعكر صفو روحه المرحة بل زادته عزيمة عله ينقذ المزيد والمزيد من الأرواح قبل أن “يحين أوان الرحيل”…. انتشر “الخبيث” في جسده الشاب سريعاً ليرديه صريعاً اليوم بعد أشهر قليلة قاومها فيها ببسالة متسلحاً بايمانه بالحياة وحبه للفرح، مؤكداً على أن تكون آخر ذكريات الأحبة له وهو مبتسم قاهر لمرضه….

“أحمد” أغمض عينيه المتعبتين ورحل ليدفن في ثرى بلدته يانوح صباح الغد الأحد عند العاشرة والنصف… ولكن طيب ذكراه لن يفارق عائلته وزملاءه في الصليب الأحمر اللبناني وجميع من عرفه وأحبه… لعله برحيله يقرع جرس انذار جديد لمسؤولين لا تكفي كل هذه الارقام من خيرة شباب ينهش جسدهم خبث السرطان لينكبوا باحثين عن اسباب ارتفاع وتيرته في بلادنا المتصدرة أولى بين بلدان غرب آسيا….

المصدر : عبير محفوظ

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى