عن ‘الوحوش المدمرة’ في أميركا | وأيلول لبنان الذي لم يُبلّ طرفه بعد!

لم يمرّ الصيف هادئاً على عدد من البلدان الأميركية هذا العام. “ثورة” الطبيعة غطّت على كل الأخبار الآتية من خلف المحيطات. فمنذ حوالى الشهر والنصف، يتعرّض المحيط الأطلسي لسلسلة من الأعاصير وصلت إلى اليابسة فجرفت معها “الأخضر واليابس”، وخلّفت اضراراً جسيمة وحصدت عدداً من الأرواح.
إعصاران “خفيفان” انطلق بهما شهر آب لينتهي مع وصول إعصار “هارفي” الذي “اكتسح” تكساس على وجه الخصوص، وكبّد الخزينة الأميركية خسائر باهظة. لكنّ “غضب الطبيعة” تواصل مع بداية أيلول وتشكّل إعصار “إيرما” العنيف، و”ملحقيه”: خوسيه وكاتيا.
الأب إيلي خنيصر المتخصص في المناخ، يقوم بتحديث صفحته على موقع “فيسبوك” بآخر أخبار “أعاصير أميركا” غير مكتف بأحوال الطقس في لبنان: “ثمة جالية لبنانية وعربية ضخمة تعيش في القارة الأميركية. ثمّ أنّ هذه الظواهر الطبيعية، رغم أنها لا تطالنا مباشرة في منطقتنا، إلا أنها تعنينا كبشرية ومن هنا شعرت بضرورة متابعتها بطريقة علمية وموضوعية”، يقول في حديث لموقع “لبنان24″.
فما هي الأعاصير؟ وكيف ولماذا تتشكل؟
يجيب الأب خنيصر مشدداً على ضرورة التمييز بين الأعاصير Hurricanes التي تتشكل في المحيطات (وليس في البحار أو في داخل القارات) وتكون ضخمة وعنيفة ويطال مسارها دولاً، وبين الأعاصير القمعية (على شكل القمع) Tornado التي تتشكل على اليابسة و”تغزو” مساحة صغيرة ضمن نطاق منطقة محدودة.
وبالعودة إلى تعريف الإعصار، فيلفت الأب خنيصر إلى أنّه كناية عن “عاصفة دوّارة حلزونية عنيفة تتشكل في إجمالاً نتيجة العواصف الرعدية الآتية من القارة الأفريقية نحو الأطلسي”.
ففي مثل هذا الوقت من العام، تضرب عواصف رعدية وسط أفريقيا (بين خطّ الاستواء ومدار السرطان)، فيأتي منخفض البحر الأحمر ليدفعها (أي العواصف) نحو الغرب، أي باتجاه المحيط الأطلسي.
بمعنى آخر مختصر، فإن العاصفة المدارية الاستوائية المنتقلة المتشكلة في الشرق، تنتهي في الغرب تنتهي تحت اسم إعصار!
ولماذا يتشكل الإعصار؟
يكمل الأب خنيصر شارحاً:” تتشكل الأعاصير فوق المحيطات لأن مياهها تكون دافئة بحيث تتراوح حرارتها بين 27 و31 درجة (نتحدث عن فصلي الصيف والخريف). وما يحصل هو أنّه في ظلّ ارتفاع حرارة مياه المحيطات، تُصبح طبقة الهواء التي تعلو سطح المحيط أو تلتصق به حارة جداً. ومع وجود تيارات دافئة، إضافة إلى حرارة الشمس، تغدو حرارة المياه مرتفعة جداً ما يتسبب بتشكل البخار بشكل عشوائي وكثيف، فيتمدد الهواء ويرتفع إلى طبقات عالية تتراوح بين 7000 و 9000 متر، فتبدأ الغيوم الركامية بالتشكل وتتكثّف نسبة البخار في الأجواء المرتفعة”.
وعليه، يصبح الهواء الحار الذي كان في الأسفل في الأعلى ومعه نسبة من البخار، وعندما تتسرّب التيارات الباردة الآتية من القطب الجنوبي الناشط صيفاً نحو خطّ الاستواء (وهو يوّزع تياراته نحو أميركا اللاتينية التي تكون في فصل الشتاء مثل الأرجنتين والبرازيل وجنوب أفريقيا)، فإن العواصف الاستوائية تلك تتغذّى، ويضرب الهواء البارد الطبقات الحارة المرتفعة فيبرد الهواء ويتحوّل البخار مياهاً.
ويضيف الأب خنيصر شارحاً:” حينما تواجه هذه المنطقة المنخفضة من المحيط الدافئة تيارات باردة يصبح هناك ضغط منخفض في الأسفل وضغط مرتفع في الأعلى (أي فوق الغيوم الركامية التي تتشكل). وكلما انخفضت قيم الضغط فوق المحيط وصولاً الى 950 هكتوباسكال، كلما بات الهواء أقوى. هكذا يتشكل ما يُسمّى بـ “عين الإعصار”!”
وعلى هامش الحديث، يلفت الأب خنيصر إلى أنّه من الخطأ الشائع استعمال مصطلح “عين العاصفة”، فالعين حصرية فقط بالأعاصير وهي ذات قطر يتراوح بين 10 و60 كيلومتراً، وأينما تمرّ تخلّف دماراً كونها محاطة بـ “جدار الإعصار” وهو أحد الأجزاء المكوّنة للإعصار.
وهذا الجدار الضخم يتكوّن من غيوم رعدية ورياح مدمرّة، وبقدر ما يكون الضغط مرتفعاً فوق الغيم ومنخفضا فوق المحيط بقدر ما يكون الجدار عنيفا. ويتميّز جدار الإعصار بأنه شديد الاضطراب وهو المنطقة الأكثر خطورة في كلّ الأعاصير علماً أنّ قوّة الرياح فيه هي ما تحدد درجته.
ويلفت الأب خنيصر إلى أنّ مقياس سفير-سمسون لتصنيف الأعاصير يُستخدم لتحديد درجة الإعصار، وهناك خمس درجات حسب شدة الريح المستدامة:
– الدرجة الأولى: تتراوح شدّة الرياح بين 119 إلى 153 كم/س
– الدرجة الثانية: بين 154 إلى 177 كم/س
– الدرجة الثالثة: 178 الى 209 كم/س
– الدرجة الرابعة: 210 الى 249 كم/س
– الدرجة الخامسة: 250 وصولاً إلى 1000 كلم/س
ويذكّر الأب خنيصر بأن إعصار هارفي صُنّف من الدرجة الرابعة، أما إعصار “ايرما” الناشط حالياً فهو بمثابة “الضربة القاضية” لأنه من الدرجة الخامسة.
وتشمل الدول الواقعة تحت خطر الإعصارات الثلاثة الناشطة حالياً: فلوريدا، فيما يتجه خوسيه إلى جزر الكاريب مجدداً وبورتوريكو، ويتجه “كاتيا” إلى سواحل المكسيك.
ومن المتوقع أن يصيب “ايرما” فلوريدا بـ”نكبة” هي الأقوى والأعنف على أميركا بعد كاتيرينا وهارفي، علماً أنّ الخسائر التي يتوقعها الأميركيّون تتخطى 900 مليار دولار. إنه “Irma”…الوحش المدمّر.
وإذا كان بمقدور العلماء والمتابعين “توّقع” تشكّل الأعاصير ومعرفة المسار الذي ستسلكه مسبقاً بنتيجة الدراسات والتحليلات والحسابات، وهذا ما يقللّ من نسبة الأضرار (على عكس الزلازل)، فإنّهم قادرين أيضاً على معرفة تاريخ انطفائه.
بحسب الأب خنيصر، لا يزال أمام إعصار إيرما حوالى 3 أيام قبل أن ينطفئ، ويومين لخوسيه وكاتيا. ومن المعروف أن الأعاصير تخمد حينما تدخل إلى اليابسة وتصطدم برياح دافئة، ولذلك تكون الجزر المحاطة بالمياه أكثر عرضة لبقاء الإعصار فوقها لوقت أطول.
وإذ لا أعاصير جديدة ظاهرة في الأفق ذلك أن المحيط الأطلسي على موعد مع فترة من الهدوء، يؤكد الأب خنيصر من ناحية أخرى أنّ منطقنا غير معرّضة للأعاصير لغياب مساحات المياه الشاسعة.
لكن ماذا عن طقس لبنان الذي لم يُبلّ طرف أيلول فيه بعد؟
يجيب الأب خنيصر:”نحن على موعد مع ارتفاع في درجات الحرارة بدءاَ من الأحد ولغاية الخميس. ومردّ ذلك هو مجدداً المنخفض الهندي الموسمي الذي يطلق حرارته اللاهبة نحو بحر العرب وإيران والمملكة السعودية والعراق، وما يزيد من قساوة الحرارة نحو البقاع ودمشق، الرياح الجنوبية الشرقية.
من جهة أخرى، يثور منخفض البحر الأحمر نحو شمال مصر وسيناء والساحل الفلسطيني واللبناني والسوري ويرفع درجات الحرارة من الأحد وحتى الخميس لتتراوح بين 33 و36 ساحلاً و 37 و 40 بقاعاً.”
متى الأمطار إذاً؟
“حتى الساعة لا أمطار في الأفق. ثمة عوامل كثيرة تساهم في تغيّر أحوال الطقس”، يختم الأب خنيصر”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى