عون – الحريري من ‘عض الأصابع’ إلى ‘تكسير العظام’!

رغم التَقاطُع الداخلي عند اعتبار أن «الرسالة – الشكوى» التي وجّهها رئيس الجمهورية ميشال عون إلى البرلمان «ضد» الرئيس المكلف سعد الحريري هي من ضمن سلوكياتٍ اعتادها «جنرال قصر بعبدا» على قاعدة «التحريك بالنار» لاستدراج الأنظار أو كسْر «الأقفال»، إلا أن تداعيات هذه الرسالة ومناقشاتها «المتفجّرة» لكل آمال بالإفراج عن الحكومة الموعودة التي شهدها مجلس النواب أمس لم تعكس إلا «تحريكاً الى ما تحت نقطة الصفر» لمجمل مسار التأليف بعدما بدا الصراع على هذه الجبهة على طريقة «اللعب بالنار» والهروب الى الأمام من عصْفِ انهيارٍ بات يطارد الجميع ويدفع البلاد والعباد إلى قلْب الهاوية السحيقة.

ومنذ تلاوة رسالة عون إلى مجلس النواب (يوم الجمعة) والتي انطوت على طلبٍ ضمني بإعادة النظر في تكليف الحريري «الذي أصبح من الثابت أنه عاجز عن تأليف حكومة قادرة على الإنقاذ، ولا يزال يأسر التأليف بعد التكليف ويؤبده متجاهلاً كل مهلة معقولة للتأليف»، انشدّت الأعصاب كما الأنظار الى جلسة مناقشتها أمس، التي شهدت على تخومها اتصالاتٌ حثيثة لـ «تبريد الجبهات» قادها رئيس البرلمان نبيه بري في محاولةٍ لتلافي انفجار ما جرى التعاطي معه على أنه «قنبلة» دستورية – سياسية بفتائل طائفية من شأن تَطايُرها نقْل البلاد وأزمتها الشاملة إلى مرحلة أكثر دراماتيكية.

وما أن أُعلن أن جلسة مناقشة الرسالة الرئاسية ستُنقل «مباشرة على الهواء»، حتى سادت قراءتان، الأولى اعتبرت هذا المعطى مؤشّراً لعدم نجاح بري في «تفكيك الصواعق» وتالياً محاولته وضْع الجميع، وتحديداً الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل (صهر عون) أمام مسؤولياتهما حيال أي مواقف «بلا سقوف» يمكن أن تترك ارتداداتٍ على الأرض.

والثانية قاربتْ هذا القرار على أنه يعكس نجاحَ مساعي عدم تحويل الجلسة مَسْرحاً لمعركة «بالسلاح الأبيض» تستنزفُ ما بقي من صماماتِ أمانٍ تحول دون سقوطِ البلاد في منزلقٍ طائفي مدجّجٍ بـ «عبواتٍ» يُخشى أن «يتطاير» معها نظام الطائف.

ولم تكد جلسة المناقشة التي استمرت نحو ساعتين ان تنطلق حتى كرست وقائعها المتلاحقة أن المواجهة بين عون والحريري انتقلت من «عض الأصابع» الى «تكسير عظامٍ» لا يُعرف كيف سيكون ممكناً وقْفه بعدما فاجأ الرئيس المكلف الجميع في ردّه على الرسالة الرئاسية بمواقف حاسمة غير مسبوقة وبلهجة حادة جاءت برسْم رئيس الجمهورية «بالاسم» ثم فريقه على طريقة «لن أريحكم مني» في موازاة مضيّ باسيل بالتمترس، وإن بلغة هادئة، خلف شروط التأليف نفسها، وذلك من خلف دعوة بري في افتتاح المناقشات إلى «الوحدة ثم الوحدة وإلا ستذهب ريحنا».

وفي أبرز خلاصات الجلسة:

* شنّ الحريري هجوماً دفاعياً صاعقاً على رئيس الجمهورية وباسيل قارئاً رسالة عون على أن الأخير أراد من خلالها أن يقول للنواب: «سميتم رئيساً للحكومة، أنا لا أريده، ولن أسمح له بتشكيل حكومة، تفضلوا وخلّصوني منه!»، قبل ان يردّ على مضبطة الاتهام الرئاسية بحقه بتفنيدٍ مستفيضٍ لما قال إنه «باع طويل» في التعطيل يملكه عون في ما خص تشكيل الحكومات والانتخابات الرئاسية، جازماً بتمسكه بحكومة اختصاصيين غير حزبيين من الكفوئين وبعيداً من منطق «الأزلام» وبلا ثلث معطّل مباشر أو «مقنّع»، وحاسماً لن أشكل الحكومة كما يريدها فريق رئيس الجمهورية ولا كما يريدها أي فريق سياسي بعينه… بل أريد تشكيل حكومة لوقف الانهيار ومنع الارتطام الكبير الذي يهدد اللبنانيين، ومتحدثاً عن«رسائل مترجمة إلى لغات عدة وموجهة إلى عواصم أجنبية، لحماية بعض الحاشية والمحيطين والفريق السياسي من عقوبات يلوح بها الاتحاد الاوروبي مجتمعاً أو الدول كل على انفراد».

* حرص باسيل في بداية كلمته على تأكيد أنها ومعها رسالة عون ليست في إطار الدعوة لسحب التكليف من الحريري«الذي يهرب من التشكيل»بل لحضه على التأليف، مكرّساً في الوقت نفسه«نقاط الاشتباك»المعروفة مع الرئيس المكلف خصوصاً لجهة أن رئيس الجمهورية ليس«باش كاتب»وأن أي تفصيل في التأليف يخضع لموافقته، وصولاً إلى تكراره الدعوة لتعديل الدستور (وفق ما كانت اقترحته كتلته) بحيث يتم وضع مهلة شهر لرئيس الجمهورية لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة للتكليف، وإعطاء الرئيس المكلف المهلة نفسها للتأليف، مع تلويح متجدد لمن يفكر بإبقاء العهد حتى نهايته (خريف 2022) بلا حكومة بـ«حلّ البرلمان، وهذا ليس وقته ولا يحل المشكلة، ولكنه ربما لا يعود دستورياً إلا هذه الوسيلة لمعالجة موضوع التكليف»، ومطالباً«رئيس الجمهورية بعقد طاولة حوار يكون موضوع الحكومة وفق الأصول الدستورية البند الأول عليها ثم الإصلاحات وتطوير النظام».

* محاولة«حزب الله» الإمساك بالعصا من الوسط وفق ما عبّرت عنه كلمة رئيس كتلة نوابه محمد رعد الذي اعتبر أن«الدوافع التي حفزت فخامة رئيس الجمهورية لتوجيه رسالته معروفة.
ومعروفة أيضاً العوائق التي تؤخر، إن لم نقل تعطل، تشكيل الحكومة.

ومعروفة كذلك اتجاهات الضغط الإقليمي والدولي الإيجابية والسلبية»، داعياً الى«الواقعية والمرونة وتبادل التنازلات لحساب بلدنا ولتشكيل حكومة بأسرع وقت بالاتفاق بين رئيسيْ الجمهورية والحكومة المكلف، وكل جهودنا نبذلها في هذا الاتجاه ونصرّ على تنظيم الاختلاف إزاء ما لا نتوفق الآن للتفاهم عليه».

* موقف الحياد أو«الوقوف في الوسط»الذي اتخذته كتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بلسان النائب هادي أبو الحسن الذي دعا الى التسوية«بهدف تشكيل حكومة مهمة متوازنة، بعيداً من أي معادلات قد تقوض أداءها أو تعطل عملها مستقبلاً، معتبراً «ان رئيس الجمهورية باق في موقعه حتى نهاية ولايته والرئيس المكلف مستمر بمهمته استناداً الى تسميته من أكثرية نيابية واضحة، فلا يجوز البحث في سحب التكليف منه».

* اقتراح النائب جميل السيد «أن يحلّ البرلمان نفسه وتدعو الحكومة (الحالية) إلى انتخابات نيابية بمهلة شهرين، وبعدها يقدّم رئيس الجمهورية استقالته ويتم انتخاب رئيس جديد يجري استشارات نيابية ويكلف رئيساً لتشكيل الحكومة، وبهذا التسلسل نكون قد سبقنا الفوضى والثورة العشوائية».

* «الموقف» الذي اتخذه البرلمان في ختام جلسة المناقشة والذي جدّد فيه ضمناً «الثقة» بتكليف الحريري بعدما كان واضحاً خلال تلاوة بري الموقف من الرسالة الرئاسية أنه جرى اعتبار أنها تتناول التكليف في أصْله، إذ قال: «باعتبار أن أي موقف يطول التكليف وحدوده يتطلب تعديلاً دستورياً ولسنا الآن في صدده الآن، ولأن مقدمة رسالة رئيس الجمهورية تشير بوضوح إلى فصْل السلطات وتعاونها وحتى لا تطغى سلطة على أخرى، ولحرص المجلس على عدم الدخول في أزمات ميثاقية ودستورية، وحرصاً على الاستقرار في مرحلة معقدة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً تستوجب إعطاء أولوية لعمل المؤسسات، يؤكد المجلس النيابي ضرورة المضي قدماً من الرئيس المكلف للوصول سريعاً إلى تشكيل حكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية».

المصدر : الراي الكويتية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى