فتوى ‘غريبة’ للطلاق… زوجتي كأمّي أو أختي

فتويان تركيتان. الاولى “غريبة”. والثانية “لم لا؟”، و”زيادة الجنون اكثر لم يعد تؤثر”، وفقا لرأي ديني رسمي لبناني. موضوعما المشترك الطلاق، وتفتحان الباب امام وسائل وطرق ليست معتمدة بعد عند السنة في لبنان. زوجتي مثل امي او اختي، و”الطلاق بالثلاث” عبر رسالة نصية بواسطة الهاتف الخليوي والانترنت، وايضا الفاكس…

الاتراك المسلمون يسألون كثيرا في شؤون دينهم، كاللبنانيين. ورئاسة الشؤون الدينية في تركيا (ديانت)، اعلى هيئة دينية في البلاد، تفتي. في ارشيفها الالكتروني، “اكثر من 440 الف سؤال خطي اجابت عليها”، وفقا لها. فتاوى “من الممكن ان يتأثر بها لبنان. لكن مرجع الافتاء الكبير لدينا، لا سيما في القضايا الكبيرة، يبقى الازهر الشريف”، على قول المدير العام للاوقاف الاسلامية الشيخ الدكتور محمد انيس الاروادي لـ”النهار”. زواج وطلاق… وزواج القاصرين وفقا للشريعة الاسلامية. جدل في تركيا، وتأكيد من الاروادي: “القضاة الشرعيون في لبنان لا يسمحون اطلاقا بمثل هذا الزواج”.

زوجتي، امي، اختي

يكفي ان يشير رجل الى زوجته بكلمات مثل “اختي” او “امي”، لتعتبر طالقة. الفتوى أصدرتها “ديانت” في 25 ك1 2017، علما ان انهاء الزواج من اختصاص المحاكم المدنية في تركيا، تطبيقا للقانون المدني التركي الصادر العام 1926. تقول الفتوى: “إذا اخبر رجل زوجته بأنه يراها كامه او اخته، فإنه يعد مطلقا زوجته. ومع ذلك، إذا لم يسبق لهما أن تطلقا، فيمكن ان يوقعا عقد زواج جديد”، وفقا لما ذكرت صحيفة “حرييت” (Hurriyet) التركية.

الفتوى جائزة بالنسبة الى “ديانت”، لكنها “غريبة” بتعبير الاروادي. “غريبة من حيث ان الرجل لا ينظر ابدا الى زوجته على انها امه او اخته. الا اذا كان يقصد بذلك المعاملة. اذا كانت زوجته تعامله كامه او كاخته، اي معاملة جيدة وحسنة، “ماشي الحال”. اما بالنسبة الى النظر اليها بشهوة، فلا يوجد انسان عاقل ينظر الى زوجته على انها امه او اخته. هذا الامر جنون”.

السؤال الذي انطلقت منه الفتوى “خاطىء”، في رأيه، “ويتم الكلام على امر من المستحيل حصوله”. في لبنان، لا فتوى مماثلة. وتبقى الاسئلة موجبة: “هل الرجل ينظر عادة الى امه او اخته بشهوة؟ هل ينظر اليهما كما ينظر الى زوجته؟ هذا الكلام غير معقول”. نقول له: “ربما فقد الرجل رغبته الجنسية تجاه زوجته، بحيث تصبح له كاخت او كام”. يرد: “ليس بالضرورة ان يشبّه زوجته بامه او اخته ليطلقها. اذا فقد رغبته الجنسية تجاهها، فيمكن ان يطلقها ببساطة. الامر يجوز تماما، لان الحياة الزوجية تصبح مستحيلة في هذه الحالة. اصل الزواج هو المعاشرة”.

طلاق بالخليوي والانترنت

الفتاوى التركية، لا سيما حول الطلاق، تتوالى. قبل نحو اسبوعين من صدور الفتوى الاولى، اصدرت ايضا “ديانت” فتوى (7 ك1) تنص على أن الرجال يمكنهم تطليق زوجاتهم بارسال كلمة “طلاق”، أو “أنا أطلقك”، في رسالة نصية قصيرة عبر الإنترنت أو الهاتف او الفاكس، او المكالمة الهاتفية.

في نص الفتوى: “تطليق زوجتك عبر قول “طلاق” 3 مرات، بواسطة مكالمة هاتفية، رسالة، رسالة نصية عبر الهاتف الخليوي، الإنترنت، والفاكس، جائز كقولك لها ذلك، وجها لوجه. ومع ذلك، في هذه الحالة، على الزوج الا ينكر الطلاق. وإذا طُلِّقت المرأة من خلال الطرق المكتوبة، كالرسالة النصية أو الرسالة، فينبغي لها أن تتأكد ان الرسالة ارسلها زوجها”. “ديانت” كانت تجيب على سؤال تلقته بهذا الشأن عبر موقعها الالكتروني، وفقا لموقع لـ”حرييت”.

الطلاق عند اهل السنة “بيد الرجل”، يشرح الاروادي. “يمكن ان يطلق زوجته من دون معرفتها. يستطيع ان يتوجه الى المحكمة ليطلق، على ان ترسل المحكمة ورقة الطلاق الى الزوجة، وينتهي الامر بذلك. قياسا على ذلك، يجوز ان يطلقها بواسطة الوسائل الالكترونية، وحتى غيابيا، من دون معرفتها”.

في لبنان، تبقى قضايا الطلاق من اختصاص قضاة الشرع. “يستطيع الرجل ان يواجه زوجته بالطلاق 3 مرات، ويستطيع ايضا ان يتوجه الى المحكمة للحصول على الطلاق. ويؤخذ بكلامه، وتُطلَّق زوجته”، على ما يفيد. هل يمكن اعتماد الوسائل الالكترونية في لبنان، على غرار الفتوى التركية؟ يجيب مازحا: “العالم كله اصبح مجنونا. زيادة الجنون اكثر لم يعد تؤثر”.

الفتوى والاجتهاد

انها بيت القصيد. الفتوى، و”الاسلام مبني عليها، على الاجتهاد”، على قول الاروادي. وهذا يعني “ايجاد الحلول للناس بالطرق الشرعية، لان الدين الاسلامي يهتم بكل تفاصيل حياة الانسان، من اعلى رأسه الى اخمص قدميه. كل شيء: كيف يغتسل، كيف يتوضأ، كيف يصفف شعره، كيف ينشف وجهه… انها تفاصيل علّمنا اياها النبي محمد. وتحتاج الى فتوى، خصوصا اذا كانت هناك تطورات جديدة عصرية، امور لم تكن موجودة في العصور الماضية”.

الاجتهاد في اصدار الفتوى يجب ان “يكون ايضا مبنيا على ادلة”، بتعبيره. وهذا يستوجب ان يكون مصدرها اهل الاختصاص. “لا يستطيع اي شخص ان يفتي”، على قوله. من يفتي عند السنة في لبنان، “جهاز ديني تابع لامانة دار الفتوى، يضم عددا من المشايخ. هؤلاء يتلقون الاسئلة، ويمكن ايضا توجيهها اليهم عبر “خط ساخن” خاص. ثم يتولون اصدار الفتوى المناسبة، ويوقعها الامين العام للفتوى الاسلامية”.

هل يستطيع مشايخ آخرون خارج هذا الجهاز ان يصدروا فتاوى؟ يجيب: “ثمة مشايخ يتنطحون للفتوى. لكنهم ليسوا معتمدين، ولا يُعتَرف بهم. لا يؤخذ بفتواهم. مفتي الجمهورية هو المفتي الاكبر للمسلمين في لبنان. ويحيل الاسئلة على امانة الفتوى. والامانة تدرسها، وتصدر الفتاوى”. ويتدارك: “الفتوى في لبنان مضبوطة من خلال تابعيتها لدار الفتوى”.

زواج القاصرين

في تركيا، تهتم “ديانت” بكل هذه الامور وغيرها. في 3 آذار 1924، تأسست بموجب القانون 429، ومهماتها الرئيسية “تسيير الأعمال الخاصة في مجال العبادات والاعتقاد في دين الإسلام، وإدارة المؤسسات الدينية”. كذلك، منحها القانون “مسؤولية إدارة كافة المساجد والجوامع الموجودة في الدولة مع موظفيها…”. تتألف من 11 وحدة، ويترأسها حاليا الدكتور علي ارباش.

في الارشيف الإلكتروني لمنتدى الأجوبة على الأسئلة الدينية، “اكثر من 440 الف سؤال مكتوب (في شكل رسالة أو بريد إلكتروني) تمت الإجابة عليها”، وفقا للمجلس الاعلى للشؤون الدينية التابع للرئاسة. “يبلغ عدد الاسئلة الشفوية اليومية الموجهة الى المجلس (هاتفياً وشفوياً) “بين 200-250 سؤالا”. كذلك “تتلقى، في كل محافظة، خدمة الإجابة على الأسئلة الدينية عبر الهاتف- ألو 190- والتي تقوم بها دور الإفتاء الـ81 المرتبطة بمجلسنا في المحافظات، بين 40-60 سؤالا دينياً كل يوم”.

مسائل عائلية، الذكر والدعاء، الارث، الصوم، الصلاة، الحياة الاجتماعية، الطب والصحة، الحياة التجارية، مسائل خاصة بالنساء، البدع والعقائد… كل هذه العناوين وغيرها تشملها اهتمامات المسلمين الاتراك. ويبقى الزواج والطلاق ابرزها، لا سيما زواج القاصرات وفقا للشريعة الاسلامية، والذي احرج “ديانت” اخيرا، واشعل جدلا في البلاد.

في التفاصيل، نشرت الرئاسة مذكرة توضيحية للشريعة على موقعها الالكتروني، قائلة ان السن الدنيا للزواج هي 9 اعوام للاناث، و12 عاما للذكور، في حين ان السن القانونية للزواج في تركيا هي 18 عاما. وقد اثار ذلك موجة انتقادات في البلاد، وطالب حزب الشعب الجمهوري بالتحقيق في تزويج القاصرين. كذلك، اصدرت مجموعات الدفاع عن حقوق المرأة مواقف رافضة.

على الاثر، سارعت “ديانت” الى سحب المذكرة من موقعها. ونشرت بيانا أكدت فيه “انها لم تؤيد البتة ولن تؤيد إطلاقا زواج الاطفال”، مشيرة الى انها اكتفت بشرح الشريعة. كذلك، دافع عنها نائب رئيس الوزراء التركي بكير بوزضاغب، فاستنكر ما سماه “أخبارا كاذبة نشرتها عنها بعض المؤسسات الإعلامية” بهذا الشأن، مؤكدا ان “الرئاسة قالت مراراً وتكراراً إنها تعارض تزويج الفتيات وهن في سن الطفولة”.

اخذ ورد تركي. في لبنان، “لا نأخذ بالتوجيهات التي تضمنتها المذكرة التركية”، على قول الاروادي. 9 اعوام و11 عاما… “انها اعمار صغيرة جدا للزواج”، وفقا له، و”ابن 11 عاما لا يكون قادرا، بناء على معلوماتي الطبية، على القيام بالمعاشرة الزوجية. يجب ان يكون بلغ 14 عاما او 15 عاما على الاقل، ليصبح مؤهلا ان تكون له حياة زوجية”. كذلك الامر بالنسبة الى فتاة بعمر 9 اعوام. “لا تزال طفلة”. في المحاكم الشرعية اللبنانية، “القضاة لا يسمحون اطلاقا بمثل هذا الزواج”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى