في شهر واحد | طوابير الاذلال قتلت 8  من أبناء الجنوب…. فماذا ينتظر بعد المسؤولون لكف أيدي المحتكرين الفجار ورفع خناجر الفساد من خاصرة أهله وأهل الوطن المنهوب؟

“على ارض الجنوب التي تطهرت بدماء أبطال الفداء، سقط 8 شهداء على مذبح الاذلال والاحتكار المكرس بمافيات الظلم والفساد في الجنوب خصوصاً، وفي الوطن المنهوب عموماً. على هذه الأرض التي ما بخل أهلها يوماً بالتضحية في سبيل تحرير الوطن شعب اكتشف انه حرر الأرض من رجس الاحتلال الاسرائيلي ولم يفلح بعد في التحرر من ظلم الفاسدين.

في الثاني والعشرين من شهر حزيران 2021، ضجت مواقع التواصل ومنصات الاخبار بصور الأم فاطمة قبيسي حويلي (43 سنة) وبناتها الأربعة (زهراءـ آية، ليا وتيا وأعمارهن بين 17 و7 سنوات) اللواتي قضين على اوتوستراد الجنوب-بيروت، ضحايا مغامرة البحث عن “البنزين” الذي احتكرته محطات المحروقات في المناطق الجنوبية بوقاحة فاقعة تعمي عيوناً ما التفتت الى مآسي أهل الجنوب …. فهناك بين الدامور، الناعمة، والجية، اصطفت الطوابير، معظم أسراها من أهل الجنوب…. ثم ما لبث أن اسلم الشاب حسين زين (22 سنة) الروح متأثراً بجراحه في حادث طوابير الموت لتكتمل مأساة بلدة الشرقية… وحتى ساعة كتابة السطور، لم يصدر أي تحقيق رسمي يبرد نار الأب المفجوع الذي انتظر عودته الى أرض الوطن مريضاً عله يجد الدواء بين أحضان عائلته، ليدفن أسرته كاملة…..

مر الحادث المأساوي مرور الكرام في أجندات مسؤولين ما اكترثوا يوماً لأحياء الوطن ليبالوا بضحاياه…. ثم في الثاني والعشرين من شهر تموز 2021، قضى الحاج قاسم قاسم (61 سنة، من بلدة جويا) بعد 8 ساعات قضاها في طوابير الذل والاذلال والقهر أمام احدى محطات المحروقات في بلدة جويا الجنوبية…. وكانت آخر كلماته، “الاسرائيلي ما ذلنا ومش رح نخلليكم تذلونا”…. مجدداً، مر الخبر كومضة شعاع … بعض عبارات الغضب والتأثر هنا، اتصالات مواساة وتعزية هناك، و”غابت شعلة الحق والعدالة” سريعاً عن قضية ستيني جنوبي….

ولعل آلهة الفجيعة قد اطلعت على أفئدة الجنوبيين المتقدة قهراً والمتوهجة على رجاء الرحمة، فقالت لهم، “لأجيئنكم بالمزيد”…. فجر اليوم السبت الرابع والعشرين من شهر تموز 2021، اصطفت السيارات أمام محطة الدامور على اوتوستراد الجنوب-بيروت، ومعظم سائقيها من أبناء الجنوب عموماً، وصور خصوصاً…. فأزمة البنزين التي تضرب أوتاد الوطن، أمعنت إذلالاً بأبناء مدينة صور الذين لا محطة محروقات تستقبلهم لتزويد سياراتهم بالوقود، فتراهم يعبرون الى شمال الليطاني بحثاً عن محروقات لسياراتهم ليقضوا أعمالهم…. ما ان شارفت الساعة على الثانية والنصف بعيد منتصف الليل، حتى اجتاحت شاحنة طوابير الاذلال…. سقط الشاب محمود دلباني (27 سنة، من مدينة صور) شهيداً لطوابير الذل واصيب 3 آخرون بجراح، وصف بعضها بالخطر…

استفاق اهالي صور على هول الفاجعة التي شاركهم فيها جميع أبناء الوطن الشرفاء…. ولسان حال الأهالي، “دمهم برقبة المسؤولين…. دمهم برقبة اللي ما عم يسمعوا لأهل الجنوب وما بدن يخففوا من معاناتهم….. لو عنا محطات بنزين فاتحة بصور، ليش ابني وابن جاري بدو يروح بنص الليل ليعبي بنزين حامل دمه ع كفه؟!”….

ويبقى السؤال: كم شهيد يجب أن يسقط بعد في طوابير الإذلال حتى يتحرك ضمير المحتكرين وضمير داعميهم؟ أما لهذا الشعب الذي ضحى ويضحي وسيضحي في سبيل هذا الوطن من أبسط الحقوق عليكم؟ ولكن عدالة السماء أبداً لن ترضى ولن تسامح وكذلك شعب العزة: فدم شهيد الظلم لا يسقط على أرض تعمدت بدماء الدفاع والذود…. دم شهيد القهر إنما يرفع إلى عرش الرحمن العزيز المنتقم الجبار… فمتى تسمع آذان المسؤولين التي رانت عليها ذنوب الإهمال والتقصير مناجاة شعوبها؟ متى يرتعش ضميرهم خوفاً من صرخة أم ثكلى وأب مفجوع، أخت ساخطة وأخ مكلوم، زوجة فقدت سندها وأطفال باتوا يتامى في وطن منهوب؟

المصدر : عبير محفوظ

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى