لم يمسسه بشرٌ منذ 2600 عام، وفشل العلماء في الوصول إليه.. اكتشاف قصرٍ بالصدفة تحت قبر فجَّره داعش!

قال علماء الآثار الذين يوثِّقون الدمار الذي أحدثه تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في بقايا قبر النبي يونس، أنّهم اكتشفوا اكتشافاً غير متوقعٍ قد يساعد في تعزيز فهمنا لأول إمبراطورية في التاريخ.
 
وكان ضريح النبي يونس، الذي يحتوي على قبرٍ يعتقد المسلمون والمسيحيون أنه قبر النبي يونان، كما ذُكِر في الإنجيل، أو يونس، كما ذُكِر في القرآن، قد تعرَّض للتفجيرعلى أيدي مقاتلي تنظيم داعش عقب استيلائهم على مناطق شاسعة بشمال العراق في عام 2014، وفق ما نشرته صحيفة التليغراف البريطانية الثلاثاء 28 فبراير/شباط 2017.
 
ويقع الضريح على قمة تل النبي يونس شرقي الموصل، ويُعَد واحداً من التلين اللذين يُمثِّلان جزءاً من مدينة نينوى الأثرية والتي يعود تاريخها لعصر الإمبراطورية الآشورية.
 
وكان الجيش العراقي قد استعاد السيطرة على هذه المنطقة من تنظيم داعش في الشهر الماضي، وكَشف عن الدمار الهائل الذي أحدثه جهاديو التنظيم في هذه المنطقة.
 
ولكن علماء الآثار المحليون ذكروا لصحيفة تلغراف أنَّ تنظيم داعش حفر أنفاقاً عميقة تحت أنقاض الضريح، وتؤدي هذه الأنفاق إلى قصرٍ غير مُكتشَفٍ ولم يمسسه بشر منذ 600 عام قبل الميلاد.
 
البحث عن القصر
 
وكان الحاكم العثماني للموصل قد أشرف على عمليات تنقيبٍ عن الآثار بهذه المنطقة في عام 1852، ثم أعادت وزارة الآثار العراقية إجراء عمليات تنقيبٍ مُماثلة في خمسينيات القرن العشرين، ولكن لم يتمكَّن أيٌ منهما من اكتشاف القصر.
 
ويُعَد هذا هو أول دليلٍ على استخدام تنظيم داعش لأنفاقٍ تحت الأماكن الأثرية بهدف البحث عن القطع الأثرية وسرقتها.
 
وبِداخل أحد الأنفاق، اكتشفت عالِمة الآثار العراقية، ليلى صالح، نقشاً مسمارياً ورُخامياً للملك آسرحدون، ويُعتقد أن تاريخ هذا النقش يعود إلى عصر الإمبراطورية الآشورية في عام 672 قبل الميلاد.
 
وبينما لم يظهر اسم الملك آسرحدون على النقش المسماري، قال أحد المؤرخين الذي اطَّلَع على صور النقش إن العبارات المكتوبة واضحة ولا يمكنها أن تُشير سوى إلى الملك آسرحدون، وخاصةً إعادة إعماره لمدينة بابل بعد أن دمَّرها والده، الملك سنحاريب.
 
وكان هذا القصر قد بُنِيَ للملك سنحاريب، ثم أجرى الملك آسرحدون (حاكم الإمبراطورية الآشورية في الفترة من 681 إلى 669 قبل الميلاد) عملياتِ تجديدٍ وتوسيعٍ للقصر، وبعد ذلك أعاد الملك آشوربانيبال (في الفترة من 669 إلى 627 قبل الميلاد) تجديده مرةً أُخرى. وتعرَّض القصر لتدميرٍ جزئي أثناء سقوط مدينة نينوى في عام 612 قبل الميلاد.
 
ولم تُكتشَف سوى حفنةٍ من النقوش المسمارية التي تعود لهذه الحقبة الزمنية، ووُجِدَ معظمها في التل الثاني الذي يقع شمال تل النبي يونس، وهو تل قوينجق.
 
وفي جزءٍ آخر من النفق، اكتشف العلماء تماثيل حجرية آشورية لنصف إلهة وهي تنثر “المياه المُقدَّسة” لحماية الأشخاص الموجودين تحت رعايتها.
 
خريطة المكان
 
وقالت الأستاذة الجامعية إلينور روبسون، رئيسة مجلس أمناء المعهد البريطاني لدراسة العراق: “لم أرَ تمثالاً حجرياً بهذا الحجم الكبير من قبل”، وتعتقد إلينور أنَّ هذه التماثيل الحجرية ربما تكون استُخدِمَت لتزيين الرُكن الخاص بالنساء داخل القصر. وتابعت إلينور قائلةً: “لا تتطابق الأشياء التي وجدناها بالأسفل مع أوصاف الأشياء التي كنَّا نظن أننا سنجدها، ورُب ضارةٍ نافعة، فقد قادنا تفجير أحدثه تنظيم داعش إلى اكتشافٍ رائع، هناك كمٌّ هائل من الأشياء التاريخية أسفل التل، ولا يقتصر الأمر على تماثيل الزينة. لقد سنحت الفرصة أخيراً لاكتشاف مخبأ كنوز أول إمبراطورية عُظمى في التاريخ، ومن فترة أوج عظمة هذه الإمبراطورية”.

وقالت ليلى صالح، الأمينة السابقة لمتحف الموصل، والمُشرفة على فريقٍ مُكوَّن من خمسة رجال لإجراء عمليات التوثيق الطارئ، إنَّها تعتقد أنَّ أفراد تنظيم داعش نهبوا مئات القطع الأثرية قبل أن تستعيد القوات العراقية زمام السيطرة على الجانب الشرقي من المدينة.
 
وتحدثت ليلى في مكالمةٍ هاتفية من الموصل مع صحيفة تلغراف، قائلةً: “ليس بوسعي سوى أن أتخيَّل كمَّ القطع الأثرية التي اكتشفها تنظيم داعش بالأسفل قبل وصولنا إلى هنا. نعتقد أنَّهم نهبوا العديد من القطع الأثرية، مثل المنحوتات الخزفية والتماثيل الصغيرة، لبيعها. ولكننا سنعكُف على دراسة ما تركوه، وسيضيف ذلك الكثير إلى معرفتنا بهذه الحقبة الزمنية”.
 
ومع ذلك، حذَّرت ليلى من أنَّ الأنفاق غير مُشيَّدة باتقان، وعُرضةٌ للانهيار “في غضون أسابيع”، وهذا قد يدفن الاكتشافات الجديدة ويُدمِّرها.
 
وقدَّم خبراءٌ من المعهد البريطاني لدراسة العراق، إلى جانب مؤسساتٍ دولية أخرى، عروضاً لمساعدة علماء الآثار المحليين في تأمين الموقع الأثري وتوثيقه. ومنظمة اليونسكو بصدد عَقد اجتماعٍ بباريس في وقتٍ لاحق من هذا الشهر لتحديد الوفد الذي سترسله إلى الموقع.
 
وكان تنظيم داعش قد دمَّر العديد من المعالم التاريخية الرئيسية الأخرى في مدينة الموصل وعدة أماكن أُخرى، لأنهم يعتبرون أنَّ إظهار مظاهر العبادة في الأضرحة يتعارض مع تعاليم الإسلام. ويعتقد مقاتلو داعش أنَّ تقديس القبور والأضرحة ضد تعاليم الإسلام.
 
وذكر تقريرٌ أعدته حكومة إقليم كردستان العراق أن قُرابة 100 مكانٍ مُقدَّسٍ تَعَرَّضَ للإتلاف أو الإزالة التامة أثناء فترة سيطرة التنظيم التي دامت لعامين.
 
وأغلق التنظيم كل المتاحف والمراكز الثقافية في مدينة الموصل أثناء سيطرتهم على المدينة والتي دامت لأكثر من عامين. واختبأ العديد من علماء الآثار والمؤرخين بالمدينة.
 
وقالت إلينور روبسون: “قرر العديد من علماء الآثار والمؤرخين البقاء بالموصل عند قدوم داعش خوفاً مما قد يفعله التنظيم بعائلاتهم إذا هربوا، ثم أخفوا كتبهم ولم يكشفوا صِلتهم بمجال الآثار وخبرتهم فيه، ولحسن الحظ، نجا معظمهم”.
 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى