‘ليرة’ الودائع أحدث ‘صيحات’ خطة التعافي

لم تَصرف الأسواق الداخلية “شيك” رئيس الحكومة المُصدر من “المجلس الاجتماعي والاقتصاي” أمس الاول، و”المفقط” بأرقام موحدة للخسائر. فارتفع سعر الدولار في تعاملات البارحة إلى حدود 21 ألف ليرة بدلاً من أن ينخفض. فهل تقبل الأسواق الدولية المنتظِرة التوافق اللبناني على “أحر من الجمر”، الشيك الحكومي الممنوع من الصرف محلياً، أم ترجعه لخلوّه من الرصيد؟

الإشكاليتان الكبيرتان اللتان أقفلتا كل طرق الخروج من الأزمة منذ عامين ذُللتا، بحسب ما فهم من الرئيس نجيب ميقاتي. فتم تقديم “أرقام موحدة لحجم الخسائر إلى صندوق النقد الدولي وجرى الإتفاق على كيفية توزيعها”، كما قال. هذه المفاجأة المبهمة والتي لم يعلن الرئيس عن تفاصيلها حتى في المحادثات الجانبية، بانتظار صدور التقرير النهائي للشركة الاستشارية “لازارد”، أثارت الكثير من الأسئلة. فهل حجم الخسائر الذي اعتمدته الحكومة الحالية أقرب إلى الرقم الذي حددته “لازارد” أيام الحكومة السابقة، أي 240 ألف مليار ليرة، أم هو قريب من أرقام مصرف لبنان والمصارف، ومن خلفهما لجنة المال والموازنة النيابية أي 80 ألف مليار ليرة؟ وعلى من سيقع عبء الخسارة؛ على القطاع المصرفي، كما حددت الخطة السابقة؟ أم على الدولة كما اقترحت المصارف؟

تقليص الخسائر

هذه الاسئلة يمكن أن نلاقي أجوبتها بالقراءة ما بين سطور خطاب الرئيس ميقاتي، والتحليل بان “رقم الخسائر سيكون أقرب إلى أرقام لجنة المال والموازنة والمصارف”، يقول عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي د. أنيس بوذياب. فالرئيس لمّح إلى أن رقم الخسائر (240 ألف مليار )، الذي حددته لازارد، أتى بناء على طلب حكومة الرئيس دياب، وليس كنتيجة لدراسة موضوعية مع الجهات المعنية في مصرف لبنان وجمعية المصارف. وفرض على “لازارد” وقتذاك بصفتها الاستشارية، تقديم المشورة بهذا الاتجاه. وكأن بالرئيس ميقاتي يقول إن “الرقم قد أسقط بـ”الباراشوت” لغايات في نفس الحكومة الماضية، وبنية واضحة لاقصاء القطاع المصرفي”، برأي بوذياب، و”هذا ما لم يحصل هذه المرة حيث جرى الإتفاق مع “لازارد”، بعد تمديد العمل معها لانجاز خطة التعافي، على أسس جديدة وتذليل كل العقبات السابقة التي حالت دون التوصل إلى أرقام موحدة”.

“هيركات” زمني

أما العقدة الثانية التي تتعلق بكيفية توزيع هذه الخسائر فقد ألمح الرئيس ميقاتي في أكثر من مكان في كلمته إلى أنها ستتدرج نزولاً من الدولة، مصرف لبنان، المصارف التجارية ومن ثم المودعين الذين سيتحملون العبء الأقل. مطلقاً على هذه العملية مصطلح “كيفية المساهمة باعادة النمو” بدلاً من توزيع الخسائر. وكان من اللافت في حديث ميقاتي العمل على اتفاق “حبي” مع المودعين بناء على رغباتهم. و”كأنه يشير إلى هيركات زمني”، بحسب بوذياب، “حيث تتقلص نسبة الاقتطاع من الودائع كلما تقدمنا بالزمن. بمعنى، أن الذين يرغبون بسحب ودائع بعد 5 أو 10 أو حتى 20 سنة يقتطع من حساباتهم مبالغ أقل من التي ستقتطع في حال السحب الآني من الودائع”. “هذه الآلية ستكون مرتبطة بشكل وثيق بخطة الكهرباء”، برأي بوذياب، “إذ إن هذه الأموال قد تحتسب على سعر محدد في حال بقائها في الحسابات، أو تحتسب على سعر آخر في حال مساهمتها في الشركة الجديدة التي ستضم مؤسسة كهرباء لبنان على قاعدة الشراكة بين القطاعين العام والخاص”. وهكذا “تكون الخطة قد ضربت “عصفوري” الطاقة وحماية القطاع المصرفي بـ”حجر” الودائع الواحد”.

موافقة الصندوق غير مضمونة

الإتفاق الداخلي على حجم الخسائر وكيفية توزيعها، لا يعني بالضرورة ضمان موافقة “صندوق النقد الدولي” عليها. ولا سيما أن فريقه المفاوض كان ميالاً إلى أرقام الحكومة وليس لجنة المال. باعتبار أن أرقام الأخيرة هي تجميل للحقائق وتأجيل للقرارات الصعبة. مما يضع لبنان ومصارفه خارج المعايير الدولية ويزيد من عزلته الاقتصادية. وعلى سبيل الذكر فان أرقام الخسائر المخفضة التي اعتمدتها لجنة المال انطلقت من 4 معايير أساسية وهي:

– تخفيض خسائر المصارف باعتبار أنها مأخوذة مقابل ضمانات عقارية.

– إعتبار كل ديون المصرف المركزي التي تستحق بعد العام 2027 ستدفع بسعر صرف لليرة على أساس 1500 ليرة لكل دولار. مما يوفر خسائر هائلة على “المركزي”.

– تقدير خسائر “المركزي” الناتجة عن انخفاض سعر الصرف بشكل غير واقعي.

– زيادة أسعار سندات اليوروبوندز بدل خفضها.

التسويق السياسي لا يصنع حلاً

الإنطلاق من هذه الأرقام لم يصح في الماضي، و”الأكيد أنه لن يكون صالحاً اليوم مع زيادة الخسائر بشكل كبير. وهو لن ينطلي على صندوق النقد”، يقول رئيس مجلس إدارة FFA Private Bank جان رياشي.

“حيث زادت الفجوة بالدولار في مصرف لبنان وانهارت الليرة أكثر”. وإذا كانت المنظومة بمختلف مكوناتها قد اتفقت فعلاً على أرقام الخسائر، فان هذا يضعنا برأي رياشي أمام سيناريوين لا ثالث لهما:

الأول، الاستمرار في مجافاة الحقيقة والابتعاد عن الأرقام الموضوعية. وهذا السيناريو إن كان يخفف من إحباط اللبنانيين فانه لن يحوز على ثقة صندوق النقد.

الثاني، الاقتناع باعتماد الأرقام الحقيقية للخسائر على قساوتها. وهو أمر مستبعد لا يخدم الاهداف السياسية للمنظومة خصوصاً قبل الانتخابات النيابية.

العبء على المودعين

أما لجهة توزيع الخسائر فان كل محاولات التسويق السياسي المعتمدة لطمأنة المودعين، “توضع في خانة الشعبوية، التي لا تجدي المودعين نفعاً”، بحسب رياشي، فـ”مجرد القول أن التوزيع لن يخسّر المصارف كامل رأسمالها يعني أن المودعين سيتحملون الجزء الاكبر من الخسائر تلقائياً. إذ من غير الممكن في الفلسفة الرأسمالية تحميل المودع خسارة قبل تصفير رأسمال المصرف. ذلك أن الرأسمال هو خط الدفاع الأول فيما المودع هو بمثابة الدائن. وعليه فان الدائن لا يتحمل الخسارة قبل أن يكون المساهم قد خسر كل شيء”.

ومن وجهة نظر رياشي فان “الجزء المحمي من رأسمال المساهم سيتحملها في النهاية الدائن، أي المودع”.

تحويل الودائع إلى الليرة

“ليلرة الودائع، أي تحويلها إلى الليرة، حل يتقدم بسرعة على خط توزيع الخسائر”، يقول رياشي. إلا أن هذا الإجراء إن كان في الشكل لا يخسر المودعين إذا ما اعتمد على سعر منصة صيرفة، فهو سيخسرهم من قيمة أموالهم على الامد البعيد. خصوصاً إذا كانت الاموال ستعطى بالتقسيط على عدد من السنوات. وهذه الخسارة لن تكون مقدرة خصوصاً مع استمرار الانهيار في سعر الصرف.

الجدية بالتوصل إلى حل مع صندوق النقد تترافق مع محاولات لايجاد الطرق المناسبة لعدم إشعار المواطنين بالخسارة أو جعلهم يعتادون عليها مع مرور الزمن.

المصدر : خالد أبو شقرا – نداء الوطن

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى