مهنة لبنانية جديدة في زمن البطالة | ‘عم اشتغل بالشيكات’!!!

تزيد “أيام الشدة” اللبنانيين عزما، فيخرجون منتصرين على أزمات فرضت عليهم، خصوصا جراء الضائقة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ أكتوبر 2019 تاريخ اندلاع احتجاجات غير مسبوقة، اعتراضا على واقع اقتصادي مزر.

اللبنانيون يحاربون البطالة باللحم الحي، وبات القسم الأكبر يرفض الجلوس في المنزل مكتوف اليدين جراء صرف تعسفي لجأت إليه غالبية المؤسسات، او تسديد ما بات يعرف بـ«نصف راتب»، فضلا عن انهيار العملة الوطنية أمام الدولار الأميركي، وفقدانها ما يوازي 87% من قيمتها السابقة، قبل ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي وتخطيه عتبة الـ 1500 ليرة.

«عم اشتغل بالشيكات»، عبارة يرددها كثيرون هذه الأيام في إجابة عن سؤال حول كيفية تدبير أمورهم، مهنة باتت أقرب الى حرفة لا تستوجب رأسمال ضخم، إذ تعتمد أكثر على توافر حسابات مصرفية عدة تمكن مزاولها من سحب ما تحجزه المصارف من دولارات نقدية وأموال بالعملة الوطنية وفق سقوف محددة للسحب بالأخيرة على سعر ما بات يعرف بـ «دولار السوق» اي المنصة الالكترونية لمصرف لبنان، التي تتيح للعميل المصرفي تحرير جزء يسير شهريا من ودائعه لا يتخطى الألفي دولار أميركي بسعر 3900 ليرة لبنانية للدولار الواحد، في مقابل بلوغ الدولار النقدي المتوافر في السوق السوداء عتبة التسعة آلاف ليرة.

كل شهر تقريبا يصدر تعميم عن مصرف لبنان يحدد فيه سعر «دولار السوق». سعر يرتفع جراء ارتفاع سعر صرف الدولار، ولم ينخفض يوما منذ إطلاق خدمة المنصة الالكترونية.

يسحب العميل المصرفي مبلغا نقديا على سعر صرف «دولار السوق» اي 3900 ليرة، ويشتري به شيكا يسدد ثمنه بالليرة اللبنانية، ويحقق فائض ربح بالعملة الوطنية يتخطى المليون ليرة لبنانية في مبلغ ألف دولار أميركي يسدد بالعملة الوطنية. وكلما تمكن العميل من السحب، يستطيع شراء ورفع حصته من الأرباح بالعملة الوطنية، ما يعينه على تسديد أقساط بالعملة الوطنية على رغم كون أصول المبلغ بالدولار الأميركي، فيستفيد من التسديد وفق سعر الصرف الرسمي البالغ 1500 ليرة، لدى المصارف التي تتيح ذلك للزبائن الذين لا يملكون حسابات بالدولار الأميركي، فضلاً عن تأمين اللبناني حاجاته من مواد غذائية ومحروقات وأدوية، في «الزمن الأصعب» اقتصاديا على اللبناني، والذي لم يعرف له مثيلا حتى في عز الحرب الأهلية.

تختلف الحكايات لدى اللبنانيين، الذي يتعاملون شهريا مع قرارات مصرفية يصفونها بالجائرة، ويتحدثون عن استهدافهم عبرها لتقييد حركتهم في الحصول على الجزء اليسير من أموالهم المحجوزة بالليرة اللبنانية، في محاولة من المصارف لوقف «تجارة الشيكات»، التي يصفها كثيرون بأنها لا تخالف القوانين العامة.

يتحدث علي وهو زميل اعلامي عن «شطارة» مدير أحد المصارف لدى سؤاله عن نقل مبلغ من حساب خاص بابنته القاصر لسحبه نقداً عبر بطاقة مصرفية أصدرها للغاية. «قلت له: من فتح هذا الحساب أنا أم ابنتي؟ ولما رأى ان تاريخ فتح الحساب يعود الى يوم ميلاد ابنتي، سكت على مضض. وبعد شهر، فوجئت بتقليص المبلغ الى ما يوازي 500 دولار أميركي يمكنني سحبها عبر «سعر السوق»، بحجة ان الإجراء خاص بمصروف القاصر».

«أحابيل مصرفية عدة يطالعوننا بها دورياً من جانب واحد، وتخالف ابسط قواعد العقود بين طرفين (…)». الكلام للمحامي الخمسيني توفيق، الذي يضيف: «سألني مرة مدير أحد المصارف عن العلاقة التي تربطني بأخي، حين أردت تحويل مبلغ ضئيل اليه لتمكينه من سحب المتاح له شهريا. قلت للمدير: الجواب عن العلاقة مع أخي موجود ضمن سؤالك».

بشارة متقاعد قسراً بعد إقفال مطعم شهير كان يعمل فيه بصفة مدير، لجأ الى «تجارة الشيكات، ما يتيح لي تحصيل راتبي السابق، بقيمة تعينني على مواجهة التحديات المعيشية، وقد قررت عدم التقدم لنيل وظيفة، أعرف مسبقا أني لن أحصل عليها. أمضي يومياتي بممارسة رياضة المشي وتنشق الهواء النظيف، وانتظر بداية الشهر للقيام بعملياتي المصرفية. وانا في الحد الأدنى، أزيد من حسابي الدفتري غير النقدي، ما يعينني على الصمود مدة أطول لجهة صرف أموالي».

وكذلك الأمر مع بعض اللبنانيين المقيمين في الخليج، إذ يتولى احد افراد عائلتهم تحريك حساباتهم بموجب وكالة قانونية، «فيحصل لي ما خسرته من فوائد، بزيادة دولاراتي الدفترية، ليرتفع حسابي بنسبة 20 % سنويا».

على الضفة الأخرى، يستفيد التجار من بيع الشيكات بالليرة اللبنانية، فيحصلون قيمة فواتيرهم المسددة من الزبائن بدولارات غير نقدية بسعر يصل الى ثلاثة آلاف ليرة لبنانية، بدلا من 1500 ليرة وفق سعر الصرف الرسمي. وتتشابه الحكايات بين تاجر يبيع أطنانا من الحديد يوميا، وآخر يملك مؤسسة لبيع الأدوات الكهربائية الخاصة بورش البناء، الى مالك غاليري لبيع المفروشات… هؤلاء جميعهم قرروا دخول سوق الشيكات لتحريك أعمالهم وتجنيبها الركود، والتنويع بين الحصول على ما تيسر من دولارات نقدية ومبالغ أخرى بالليرة اللبنانية لتأمين استمرار أعمالهم والحد من الخسائر وتفادي الإقفال.

حكايات كثيرة في يوميات مالية لبنانية معقدة وغير معهودة لدى اللبنانيين الذين عانوا الكثير، ويجمعون على خوضهم مواجهات وتحديات غير مسبوقة تهدد قوتهم اليومي، وقد تطيح بـ «جنى العمر».

«يوميات الضرورة» و«حروب بقاء» على الطريقة اللبنانية، ساحتها الشيكات المصرفية لـ «تعزيز الصمود، وتمرير المرحلة بأقل الخسائر»، من دون ان تلوح في الأفق بارقة أمل للخروج من «النفق المالي الضيق».

المصدر : جويل رياشي- الأنباء الكويتية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى