هذا ما فعلته الدولة بي!!!

ثلاثة وثلاثون عامًا قضيتها في خدمة الدولة، من خلال وزارة الإعلام، وقد تسّلمت فيها مناصب متقدمة هي اليوم محلّ نزاع بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، إعتقادًا منهما أن هذا المركز يضاهي بأهميته الإستراتيجية موقع باب المندب أو مضيق هرمز، وهو بالفعل والواقع ليس سوى مجرد موقع متقدّم للخدمة وليس لأي شيء آخر.

على مدى هذه السنوات الطويلة اعتقدت، وربما عن سذاجة أو طيبة قلب أو أيغالًا في التفاني، أن الدولة التي استفادت من خدماتي وإلتزامي بالقوانين والأنظمة لن تتركني يوم أصبح في حاجة إليها.

ولكن ما حصل هو عكس ما اعتقدت أو تمنيت.

بعد 33 سنة من التفاني في الخدمة، وهذا هو حال كثيرين من المتعاقدين في إدارات الدولة وليس فقط في وزارة الإعلام، أجد نفسي وحيدًا في مواجهة المرض من دون أي ضمان صحي، إذ أن ما تقاضيته من تعويض نهاية الخدمة لا يكفي لسدّ فاتورة دخول المستشفى لمرّة واحدة، حيث خضعت لفحوصات طويلة وعريضة نتيجة تعرضّي لباكتيريا خبيثة.

ولولا العناية الربانية ومساعدة مشكورة من بعض الذين لا يزالون يؤمنون بأنه لا يزال في هذه الأرض عمل إنساني عابر للطوائف وعدم التمييز بين شخص وآخر، لأضطررت أن أبيع ما فوقي (اللحاف) وما تحتي (الفراش) لكي أستطيع أن اسدّد فاتورة دخولي المستشفى لعشرة أيام… والآتي أعظم.

حاولت أن أفهم ولكني كنت في كل مرة أعيد التفكير أصاب بخيبة أمل، إذ لا يُعقل أن تترك الدولة مواطنيها في أعمارهم الذهبية لأقدارهم ولقمة سائغة في سوق العوز والضائقة، وكان حرّي بها أن تقف إلى جانب هؤلاء الأشخاص المتروكين من دون أي ضمان صحي، وهم قد أصبحوا في عمر هم في أشدّ الحاجة إلى العناية الطبية وإلى المراقبة والرعاية والإهتمام.

فيوم كانوا وكنا مشمولين بالرعاية الطبية لم نكن، من حيث المنطق، في حاجة ملحة إلى هذه الرعاية. أمّا وقد أصبحنا في عمر متقدّم فقد أصبحنا في أمسّ الحاجة إلى هذه الرعاية المفقودة شأننا شأن أي موظف في دولة اللاعدالة، إذ لا يُعقل أن يكون في كنف هذه الدولة موظفون بسمنة وآخرون بزيت.

وهذا يقودنا حتمًا إلى فتح هلالين متسائلين عن السبب الحقيقي الذي لا يزال مجهولًا، والذي يحول دون إقرار قانون ضمان الشيخوخة لأي إنسان من دون منّة أو تربيح ألف جميلة، وهذا ما بات معمولًا به في الدول التي كنا نصّنفها في خانة الدول المتخلفّة، وقد سبقتنا في أكثر من مجال لناحية إحترام حقوق الإنسان وعيشه بكرامة وعنفوان وعزّة نفس.

بإختصار هذه الدولة هي فقط دولة المحظوظين والمحظّين والمدعومين والذين يستفيدون من خياراتها في الدنيا وفي الآخرة!

اندريه قصاص – لبنان 24

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى