هكذا سيتواجه لبنان والسعودية في مصر

يبدو الجو اللبناني في مقاربة الأزمة الحكومية الحاصلة، والتصعيد السعودي ضد لبنان، مختلفاً عن الأجواء الخارجية. يصر لبنان على استكمال طريق المواجهة مع السعودية للمطالبة بإعادة الرئيس سعد الحريري. هذا ما كرره وزير الخارجية جبران باسيل في أكثر من موقف خلال جولته الأوروبية.

في مقابل ذلك، لا يزال اللبنانيون يعتبرون أنهم استطاعوا الانتصار على السعودية، وأن طريقة التعاطي والضغط أثمرت تهدئة في كلام الرئيس سعد الحريري. ويذهب بعض اللبنانيين أكثر من ذلك، ليعتبروا أن السعودية ستبدأ التراجع عن تصعيدها، بعد اكتشافها حقيقة الموقف الدولي، الذي انعكس بكلام الحريري عن استعداده للتراجع عن الاستقالة. وعلى هذا الأساس يستمر لبنان بموقفه الرسمي، على هجومه، لعلّه يحقق مزيداً من النتائج بسرعة أكبر.

في مقابل هذه النظرة، ثمة وجهة نظر أخرى تفيد بأن التصعيد لا يزال على حاله، والتوجه السعودي لم يتغير. لذلك، لا بد من التوقف عند الزيارة التي أجراها البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى السعودية، والرسالة الأساسية المراد توجيهها، والتي تأتي في سياق المواجهة.

ثمة من يعتبر أنه لا يمكن للسعودية أن تتراجع في هذه اللحظة، لا سيما في ظل استمرار هجوم إيران وحلفائها عليها، وأي تراجع سيؤدي إلى إفشال كل الحسابات السعودية. بالتالي، لا يمكن التراجع إلا إذا قدّم إيران تنازلات تعتبرها السعودية إنجازات. في ما يتعلق بالوضع اللبناني، لم تستخدم السعودية أوراقها كاملة بعد، ومن الواضح أنها تعمل على أكثر من جبهة. فبالإضافة إلى التصعيد في لبنان، تعدّ الرياض لاجتماع جديد لفصائل المعارضة السورية. وهذا يأتي بعد الإتفاق الأميركي السعودي، الذي سيشكل منفذاً أساسياً للرياض إلى الوضع السوري.

يجد البعض أن السعودية في موقع يفرض عليها الهجوم، بسبب تراكم الملفات أمامها. بالتالي، لا مجال للتراجع أمامها، فإما أن تستكمل الهجوم إلى حين تحقيق بعض الأهداف، كي لا يرتد ذلك عليها سلباً في الداخل والخارج من موقعها الإقليمي. عليه، ليس أمامها سوى الهجوم وتحقيق الأهداف أو الهزيمة.

ما ترتكز عليه السعودية لتعزيز موقفها، هو الاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب في القاهرة. وهي التي طالبت بعقده، تحت عنوان أساسي، إدانة التدخل الإيراني في الدول العربية، وضرورة مواجهته. سيكون هذا الاجتماع بمثابة اختبار للبنان وموقفه، وإذا ما سيكون هناك بوادر لإعادة تصحيح التسوية أو إنهائها. وتريد السعودية من هذا الاجتماع استكمال تجميع الأوراق ضد إيران، وتدعيم موقفها المواجه لها. ولا شك أن دولاً عربية عدة لا تريد المواجهة، وهي غير مستعدة لمجاراة السعودية بتصعيدها ضد إيران. فلمصر مبادرة تعمل عليها لأجل سحب فتيل التوتر، ومنع حصول أي صراع جديد في المنطقة، لأن المنطقة لم تعد تحتمل. وهناك مواقف متعددة لدول أخرى، ستعارض أي موقف تصعيدي ضد إيران.

وفيما سرت بعض المعلومات التي تفيد بأن السعودية سعت إلى تعليق عضوية لبنان في الجامعة العربية، بعد رفض عدد من الدول العربية ذلك، تنفي مصادر متابعة أي مسعى من هذا النوع. وتعتبر المصادر أن السعودية تريد من لبنان اتخاذ موقف واضح، وفي حال عدم إقدامه على هذه الخطوة، فإنها قد تستتبع بمواقف تصعيدية أخرى.

الأهم بالنسبة إلى السعودية هو اختبار الموقف اللبناني، وإذا ما كان لبنان سيلتزم بإدانة التدخلات الإيرانية، وسيوافق على مطالبة إيران بالكف عن التدخل في الشؤون العربية. هذا الموقف، وفق بعض الإشارات، سيكون مرتبطاً بتطورات اللحظات الأخيرة ما قبل عقد الاجتماع، وما سيكون تجمّع لدى الوزير باسيل من معطيات دولية خلال جولته الأوروبية، لاستمزاج الرأي العالمي بشأن الأزمة الحالية. وضع باسيل سقفاً أساسياً لتحديد موقفه في الاجتماع، وهو عودة الحريري وعائلته إلى لبنان، للتأكد إذا ما كان حرّ الحركة. أما في حال عدم العودة، فهذا يعني أن لبنان سيستمر بتصعيد المواجهة ضد السعودية على قاعدة مطالبتها بالإفراج عن رئيس الحكومة. وهذا سيكون معياراً أساسياً لمشاركة لبنان من عدمها في هذا الاجتماع. فيما قد يكون الحلّ هو بعدم مشاركة لبنان في الاجتماع، أو حتى إذا ما شارك، فهو سيعلن الإلتزام بالنأي بالنفس، وبعدم الانخراط في سياسة المحاور. وقد يوافق على عبارة عدم التدخل بالشؤون العربية، لكنه بالتأكيد لن يوافق على أي موقف تصعيدي ضد إيران. ما يعني أن موقف لبنان سيكون غير واضح وفيه تحفظات على عبارات متعددة. وهو ما قد يعطي السعودية سبباً جديداً للتصعيد.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى