وداعاً للفصول الأربعة في لبنان؟ الثلج أبرز ضحايا التغيّر المناخي .. وشتاء هذا العام سريع ودافىء

على ما يبدو أنّ لبنان لا يزال يدفع الأثمان على تنوّع ميادينها، فهذا البلد الذي لطالما تغنّينا بمناخه المعتدل وفصوله الأربعة، لم يعد يتمتّع بهذه الميزة الربّانية، فاليوم تطرّف مناخه، وتقلّصت فصوله، تماما كحال اقتصادنا.

الصيف أصبح حارّا وجافا يمتدّ ليسلب الخريف طراوته، والشتاء يأتي أحيانا قاسيا فيسلب الربيع زهره الذي يتجمد إثر موجات صقيع مفاجئة تباغت دفء أيّامه.

واليوم في ظلّ غلاء المحروقات، يتوجّس الناس مما قد يحمله لهم شتاء هذا العام، لا سيّما في ظلّ توقعات تشير بإمكانيّة حدوث سيول وفياضانات مصحوبة ببرد قارس، لا سيّما أنّ مناخ 2021 شهد موجات حارة متطرّفة تسبّبت بحرائق ضخمة، ومثلها أعاصير تسببت بكوارث وفيضانات على مستوى العالم.

في أوائل هذا الشهر أفادت «مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية»، بأن لبنان معرّض لـنقص في الأمطار والثلوج، مع ارتفاع درجات الحرارة، وبالتالي نقص في المياه، بسبب الاحتباس الحراري الذي تراجع قليلاً خلال جائحة كورونا، (و) عاد الآن إلى وضعه السابق الخطير.

وفي تقرير لها، أوردت المصلحة أن قادة العالم اليوم يتحدثون عن «ارتفاع درجات الحرارة بحدود 1.5 درجة مئوية، إلا أن بعض الأبحاث العلمية تشير إلى ارتفاع 4 درجات مئوية حتى عام 2050، وهذا أمر مدمّر للعالم بأكمله على البشرية والزراعة والمحيطات والجليد والثلوج والغطاء الأخضر والتواجد الحيواني العالمي. أي أن مصادر المياه العذبة والغذاء في خطر شديد لتأمين حاجة البشرية جمعاء».

مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية

يشار إلى أنّ مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية اللبنانيّة تضم 450 موظفا و12 مركزا على مساحة الوطن، بمختبرات حديثة و 80 محطة رصد جويّ، وتقوم بدراسات حول المناخ بالتعاون مع الإتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية، كما تصدر نشرة جوية يومية، ولديها تطبيق ذكي يسمّى « lari-leb» يمكن تحميله عبر «play store» أو «google»، والحصول على إرشادات جويّة يوميّا، كما تقدّم إرشادات زراعية وتوجه الإنذارات لأجهزة الدولة والمواطنين والمزارعين ليتخذوا كافة الإجراءات فيما خص موضوع العواصف أو السيول أو الحرائق… إلخ.

وتتّصل شبكة الأرصاد الجوية في المصلحة بنظام يسمّى «مجسّات مائيّة» موضوعة في التربة، تحدد مكان ومستوى الجفاف، فمثلا في تشرين الثاني عندما يبدأ هطول الأمطار تطلب المصلحة من المزارعين المباشرة بتحضير الأرض وزراعة القمح والشعير والخضار والفواكه الشتوية، كي تستفيد من مياه الأمطار.

أفرام: لبنان نحو التصحر

لطالما تميّز لبنان بفصوله الأربعة التي أصبحت تقتصر اليوم على فصلي الحرّ والبرد، واقع أكّده لـ «الديار» المدير العام لمصلحة الأبحاث العلميّة الزراعيّة ميشال أفرام معتبرا أنّ ما نشهده اليوم في لبنان هو التغيّر المناخي الذي أصبح واقعا، والذي يتمظهر في الفروقات والتبدّلات الحرارية بين النهار والليل وبين يوم وآخر، فقد تكون الحرارة نهارا 32 درجة ومن ثم تنخفض إلى 8 درجات ليلا كما يحصل في البقاع مثلا.

ولفت أفرام إلى عدة عوامل تؤشر على تطرّف المناخ في لبنان، منها اختفاء فصلي الربيع والخريف، حيث أصبحنا ننتقل من الحرّ الشديد الى البرد الشديد أو بالعكس، كما أصبحت الأمطار غزيرة جدا وتترافق مع سيول، ما يزيد من عوامل التعرية، ومثلها زخّات حبّات البرد التي تسبب تلفا للمزروعات، وتوقّع أن نشهد تناقصا في تساقط الثلوج ومياه الأمطار ما سيؤدي بدوره لنقص في المياه الجوفية في السنوات القادمة، معتبرا أنّ لبنان كان يجب أن يتحضّر منذ زمن بعيد لنقص الأمطار او ما يسمى: «الجفاف أو التصحر».

ملامح الشتاء المنتظر

وفق خبراء الطقس فإنه لا يمكن لأحد أن يتوقّع كيف سيكون موسما كاملا بعينه قبل مدّة، فالتوقعات تنحصر ما بين 7 و 10 أيام كحد أقصى. وفي السنوات الأخيرة يميل طقس لبنان للدفء أكثر، وآخر عاصفة ثلجية زارته كانت في شتاء عام 2015.

أمّا عن ملامح شتاء لبنان هذا العام، يؤكّد أفرام أنّ ما من أحد يستطيع أن يقدّر بدقة كيف ستكون، إنّما الإتّجاه العام هو الى دفء أكثر وثلوج أقلّ من قبل، وأوضح أنّنا نمرّ بظاهرة تتمثّل بانخفاض ليالي الصقيع في المناطق البقاعية والجبلية خصوصا، ففي السنة الماضية شهد البقاع نحو 3 ليالي صقيع بدرجات حرارة 5 تحت الصفر، فيما كانت الحرارة في بقيّة الليالي دائما فوق الصفر، بعدما كنّا نشهد في السابق 45 ليلة صقيع تقريبا في هذه المنطقة، مضيفا أنّ ذلك يسبب زيادة في الأمراض والحشرات وفئران الحقل.

هل تأخر الشتاء؟ يجيب أفرام على هذا السؤال بأنّ الأمطار الغزيرة لا تبدأ قبل منتصف تشرين الثاني، ومن المتوقع أن لا نشهد الكثير من البرد خلال هذا الشتاء، لافتا إلى أنّ هذه التوقعات مبدئيّة ولا يمكن تبنّيها بشكل نهائي، وقال:»نحن نتبنّى توقعات لفترة أسبوعين كحدّ أقصى وتكون مؤكدة، فالنشرات الإرشادية تنشرها المصلحة على مدى 10 أيام، تكون المصداقية فيها 100 % في الأيام الثلاثة الأولى، ثم تتناقص لتصبح توقعات أكثر مما هي مصداقية».

سليم: لم تعد الفصول الأربعة موجودة

أصبح التغيّر المناخي أمرا واقعا اليوم في كلّ العالم، والدول لا سيّما الكبرى منها وبعد أن تفاقمت الكوارث الطبيعية، تعدّ العدّة على عجل للإلتزام بتخفيض كربونها لحدود الصفر، علما أنّ دولا كثيرة تهرّبت من إلتزاماتها في هذا الشأن.

المتخصص في البيئة المائية البروفيسور كمال سليم رأى أنّ التغيّر المناخي أمر طبيعي وهو موجود في العالم كلّه، وأكد أننا في المتوسط ندفع ثمنه، فلم تعد الفصول الأربعة موجودة، وأصبح هناك فصلان فعليان هما فصل الصيف الطويل وفصل الشتاء القصير، فيما فصل الربيع يمرّ سريعا، فنمرّ من الشتاء الى الصيف بشكل سريع جدا.

المتساقطات لم تتغير كثيرا

من ناحية كميات الأمطار المتساقطة في لبنان كلّ عام أفاد سليم أنّها لم تتأثر كثيرا على مرّ السنين بفعل التغيّر المناخي، فهي لم تتغيّر كثيرا على مدى الخمسين سنة الأخيرة، فهناك سنوات تكون فيها خفيفة وأخرى غزيرة، وبالتالي لا مشكلة في هذا الشأن، إنّما المشكلة الأساسيّة هي في الشتاء السريع والقصير، علما أنّه من الطبيعي بفعل التغير المناخي، أن يكون الشتاء كذلك وأن تحدث سيول، لافتا في المقابل إلى أنّ أكثرية مياه الأمطار تهدر في البحر فلا سدود ساحلية لدينا كي نستفيد منها، ومشيرا إلى مشكلة أخرى تتمثّل في التبخّر الهائل الذي يحصل للمياه في فصل الصيف بالأخص في المسطحات المائية، نتيجة الحرارة المرتفعة بفعل تغير المناخ.

ثلوج لبنان تذوب سريعًا

أمر أساسي آخر لفت إليه سليم يتأثر بالتغير المناخي وهو الثلوج التي كانت تستمر على المرتفعات لمدة أربعة أو خمسة أشهر، إنّما اليوم تذوب بفعل ارتفاع الحرارة بطريقة أسرع مما كانت عليه سابقا، مشددا على أنّ الثلوج هي أساس ثروتنا المائية، وذوبانها بشكل طبيعي يغذّي كلّ أنهارنا ومياهنا الجوفية وهذا لا يحصل اليوم، مؤكدا أنّ هذا يعدّ أحد العوامل الفعلية للتغير المناخي، وأوضح أن تأخر الشتاء حصل سابقا في سنوات كثيرة، ولكن تعود الأمطار للهطول أحيانا على مدار أسبوع من دون توقف وهذا أيضًا نتيجة للتغير المناخي.

وشدد سليم أنّه للإستفادة الفعليّة من هذه الثروة المائية ليس لدينا بديل عن السدود على أن تبنى بطريقة مدروسة وغير مكلفة، ولا تكون كبيرة أو في مناطق ظروفها الجيولوجية غير مؤاتية، بل يجب أن يتّم إنشاء سدود صغيرة أو برك جبلية في أعالي الجبال لا تكون فيها نسبة التبخر مرتفعة، وهذا من الضرورات القصوى على حدّ تعبيره.

وحول إمكانية التنبؤ مسبقا بتوقيت هطول الأمطار رأى سليم أن لا أحدا يستطيع أن يقدر تماما، وأضاف :» يقال إنّه من الان لحدود عشرة ايام احتمال أن تبدا الأمطار، ولكن قديش رح تكون غزارتها وقديش رح تكون قوية ما حدا بيقدر يعرف».

عادة ما نتوق شوقا للدفء في فصل الشتاء، خصوصا اليوم مع ارتفاع سعر المحروقات، إنّما ليس ذلك الدفء الذي يسلبنا ثلوج جبالنا سريعا ويبخّر مياهها.

ولكن ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه، فاليوم تجري رياح شتائنا بما لا تشتهي سفن أمنياتنا، فنحن على موعد إمّا مع دفء يسلبنا لذة الشتاء وخيرات ثلجه ومياهه، أو عاصفة هوجاء مصحوبة بسيول وفياضانات مدمّرة، وإن بحثنا عن السبب فلا نجده المناخ وتغيّراته، بل الإنسان وأطماعه، الذي أحدث خللا في توازن الطبيعة الأم فما عادت على طبيعتها، والبادىء أظلم!

المصدر : يمنى المقداد- الديار

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى