يا لهذه الجريمة المروّعة !

قرابة الساعة السادسة والنصف من مساء الحادي والعشرين من كانون الثاني من العام 1985 دوّى انفجار ضخم هزّ مدينة صيدا ، ترك أهلها في حيرة من أمرهم ، مما جعلهم يتراكضون نحو مصدر الإنفجار وهم في حالةِ ذهولٍ واندهاش ، أسئلةٌ كثيرةٌ وإرباكٌ كبير حول المكان والشخصية ، الدخان قريب من البحر بل يتصاعد من منطقة الراهبات ، هل هي عملية استشهادية ؟ لأنّ في تلك الفترة كان الإحتلال الصهيوني رابضاً على قلب مدينة صيدا والجنوب ، وجاثماً على صدور أهلها . لا ، لا ، لا إنها سيارة مفخخة واقفة تحت شرفة منزل مصطفى سعد ( أبو معروف ) ، إنها محاولة اغتيال ، يا لطيف ، يا لطيف ، الله يستر!

يا لهذه الجريمة المروّعة !

فجّر الجبناء ، فجّر العملاء الخونة العابثون بأمن الوطن ومصيره ، الراغبون بالذّل والعار والهوان ، العاملون على خراب وتدمير كل ما له علاقة بالوطنية والعزّة والشرف ، لكل ما له علاقة بالديمقراطية والتحرّر ، لكل ما له علاقة بصون كرامة الأوطان والإنسان ، هؤلاء الجبناء المجرمون ، فجّروا من خلال سيارة مفخخة و عبر الهاتف منزل مصطفى معروف سعد ( أبو معروف ) الواضع حجر الأساس مع الكثير من الوطنيين والشرفاء لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية والذي أصبح فيما بعد رمزاً لها ، والمصدّر للمواقف الوطنية والقومية ، والرافض الأول للطائفية والمذهبية ، والمدافع عن حقوق الإنسان أياً كان دينه ، ومحرضاً لجموع العمال والفقراء . هذا الإنفجارأدّى إلى إصابته بجروح بالغة أفقدته بصره، فيما استشهدت ابنته ناتاشا وجاره المهندس محمد طالب، كذلك جُرحَتْ زوجته لوبا وابنه معروف ونجا طفله نديم .

يا لهذه الجريمة المروّعة !
إنّ العملاء والصهاينة يومها ، لم يوجهوا اغتيالهم وضربتهم ضد مصطفى معروف سعد ( أبو معروف ) وحده ، ولا همهم الشخص كشخص على الرغم من دوره الطليعي والمقاوم ومواقفه البطولية والوطنية ، بل ضد كل الوطنيين الشرفاء والأحرار ، والمؤمنين بالعدالة الإجتماعية ، وبدولة وطنية ترعى مصالح أبنائها بالعدل والمساواة . لقد كان هدف هذا الإغتيال البشع واضح هو ضرب المقاومة الوطنية اللبنانية ، وضرب العيش المشترك والوحدة الوطنية ، وضرب القوى والأحزاب الوطنية اللبنانية والفلسطينية ، وضرب كل مَن يدافع عن الوطن وكرامته وسيادته واستقلاله …

يا لهذه الجريمة المروّعة !

انتفضت صيدا بكبيرها وصغيرها ، وثارت أكثر على الإحتلال وعملائه ، فطلب أبو معروف قبل سفره لتلقي العلاج من أبناء مدينته أن يعملوا بجهد أكبر لدرء الإحتلال وأن يكونوا أقوياء أشداء على أعداء الوطن ، وأن يحرصوا على أن تبقى صيدا عاصمة الجنوب وبوابة المقاومة ، وحضنا دافئا للشعب الفلسطيني وقضيته ، وأن يتصدّوا للتآمر على القرى والبلدات ذات الاغلبية المسيحية في شرق صيدا وساحل جزين ، والذي عمل أول ما عمل بعد رجوعه من العلاج إلى عودة العائلات المسيحية الى شرق صيدا ، وهكذا حمل الصيداويون الشرفاء رايته القومية ، وساروا في مسيرته التقدّمية ، ومشوا على خطى مقاومته الوطنية .

يا لهذه الجريمة المروّعة !

إن محاولة الإغتيال هذه أتت في سياق الصراع بين أناسٍ يريدون أن يكونوا مستَعْبدين ومرهونين ومذلولين ومكبلين بقيود الإحتلال والإستعمار ، وأناس يريدون أن يكونوا شرفاء أحرار مقاومين كل احتلال واستعمار مستعدين أن يستشهدوا من أجل كرامة وعزة الوطن وشعبه …

ثلاث وثلاثون سنة مرّت ، وملف قضية محاولة الإغتيال لا يزال عالقاً ، بل لن يحرّك ساكناً ، رغم كل الوعود ، والجهود والمساعي التي بُذلت . المخطِّط العدو الصهيوني ، والمنفِّذ جماعة من العملاء وبعض اللبنانيين المرتبطين بأجهزة أمنية ، هؤلاء المجرمون معروفون بأسمائهم وصفاتهم ، هؤلاء الإنتهازيون الخونة السائرون وراء الخراب والدمار ، أعداء الحياة والإنسان والحرية والوطن ، يجب النيل منهم مهما طال الزمن ومهما لمّعوا صفحاتهم وادّعوا البراءة والوطنية …

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى