500 ألف ليرة عالمطار وممكن مليون!

كتبت ريتا بولس شهوان في “نداء الوطن”: صحيح ان السير على الاقدام يصرف سعرات حرارية ومفيد للصحة، لكن أحياناً دوام العمل والمسافة الفاصلة بين المكتب والمنزل يخضّع الموظف مهما كان شأنه الى أزمة البنزين، التي تجبره اللجوء الى شركات التاكسي الخاصة للوصول الى مصدر رزقه ان تعذر على “كيفين” الاعتماد على زملاء العمل

في بعض الأحيان ينفع العمل عن بعد، ان كانت شبكة الانترنت ثابتة، فينتصر على تحدي الدفع الى شركة التاكسي ما يفوق باكثر من النصف بكثير، في المسافة من كسروان الى المتن، اجرة الطريق المعتمدة مجدداً اي 24 الف ليرة يومياً الخاصة بالموظفين.

هذا بين المنطقتين اما في المنطقة الواحدة اي بين الكسليك وجونية التسعيرة بالنسبة الى “دارين” كانت محمولة عندما لم تتخطّ الخمسة آلاف ليرة، لكن عندما اصبحت مهمة الذهاب والاياب تعادل الخمسين الف ليرة في تاكسي خاص من الشركة، استعانت بشقيقها الذي بدوره غير راضٍ على ذلك فـ”الرك” يقع على سيارته الخاصة. وذلك ما يفتح السؤال على من بمقدوره بعد من الزبائن الاستعانة بخدمات شركات التاكسي الخاصة وما احوال السائقين في محيط المتن، كسروان وجبيل في ظل تأثرهم في الأزمة الاقتصادية التي تؤثر على حياتهم بشكل مباشر باعتبارهم يعتاشون من “حرق الوقود”

السائقون استغنوا عن المهنة لا لقمة العيش

استفتت “نداء الوطن” أحوال عينة من السائقين موزعين على المتن، كسروان، وجبيل وكانت النتيجة ان عدداً كبيراً منهم ثاروا على الوضع القائم بترك المكتب او تنويع اقتصادهم بين عمل آخر وقيادة السيارات او بيع النمرة الحمراء التي ما عادت تؤمن لهم أي مبلغ. نعمه (متن) انتقل الى العمل على حسابه الخاص وتوصيلات خاصة، فدوام العمل تحول دواماً على محطة البنزين بدون أي مردود، فبات جزءاً من ادوات العمل، هذا ان استطاع “التفويل” وتلك لا تخدمه الا بضع ساعات. يصف نخول (جبيل) احواله بوقائع “بهدلة معلنة” أمام اللبنانيين او السواح على حد سواء، الذين لا يعرفون بالمنطقة. نمط الذل هذا ادى به الى ترك العمل، بعد ان كان يعمل سائقاً في مكتب يومياً. مع ذلك، ما زال نخول ينتظر اتصال المكتب الذي يغيب عنه لاسابيع بعد أن توقف عن تفعيل سياراته المستخدمة بسبب انقطاع الوقود واكتفى بتقليص عدد السيارات التي يقتطع من نسبة ارباحها خمسة عشر بالمئة تاركاً المهمة الشاقة بالـ”ركض” خلف البنزين له، فان صرف خمسة وسبعين الف ليرة على البنزين لا يمكنه تعويضها حتى بعشرة آلاف ليرة

يشترط عدد من السائقين على المكتب مقاسمة سعر الصفيحة معهم ومع ذلك بطرس يفضل البقاء في المنزل من حرق طاقة سيارته والمخاطرة بها. هذا الخوف يتلاشى لدى من لا يملك مهنة اخرى وتخطى عمره الخمسين كالعمّ سركيس (متن) الذي يلخص معادلة وظيفته بانه ان لم يؤمن وقوداً لن يعمل في ظل الوتيرة المتقطعة للزبائن، فعاملان يلعبان في مصيره فان توفر الزبون قد لا يتأمن الوقود، متمنياً ان يكون له ظهر في محطة ما، ليسرّع في عملية التعبئة التي تقضي على نهار عمل كامل او اثنين صارفاً ما “جناه” من وقود على المحطة خلال ساعة، لا ترد له تعبه الذي يتقاسمه مع رب العمل. كل هذه الاشغال الشاقة تؤثر على تعليم وحياة اولاده مما اجبره على نقل اولاده الى مدرسة رسمية فيعيش بـ 400 الف ليرة وهو راتب زوجته التي لا يكفيه لتأمين الغذاء اليومي.

“الظهر” او السندة مؤمنة لأبناء عمشيت على حد تعبير يوسف، الذي دلّنا على صاحب محطة يبدّي ابناء البلدة على “الغِرِب” فينتهي من هذه المهمة على ابعد تقدير خلال ساعة. الا ان مهمته متعلقة فقط بخدمة محيط البلدة، كما يطلب من المكتب، أي على قدر ما يعبئ. هذه الحال لم تعد تقنع شربل الذي انتقل من العمل في المكتب، لان رب العمل يأخذ اللحمة ويعطيه العظم، مفضلاً تشغيل سياراته الخاصة على حسابه قائلاً: ان شكوت امري الى صاحب المكتب، هل سيسمع لنا نحن السائقين، فعلى حد تعبيره المكتب لا تهمه التربيعة التي تكلف مليون ليرة بل يريد نسبة أرباحه وهذه ظروف قاهرة
لا تراعي شركات التاكسي الخاصة السائق ولا الزبون على حد سواء. هم سواسية بالنسبة الى “الليرة” في ظل السوق السوداء المتحكمة ايضاً في المكاتب وغياب التسعيرة الثابتة لكل مكتب في المنطقة الواحدة. هؤلاء، اي اصحاب المكاتب على حد تعبير عدد من السائقين السابقين الذين فقدوا الامل من المهنة لـ”نداء الوطن”، يعتمدون على “قطعة” سيارات التاكسي، غير الملتزمة بمكتب، من البنزين او على حاجة المواطن. وتكون النتيجة بذلك اسعاراً مخيفة، اختلفت بين مرحلة ما قبل الازمة وما بعدها فبينما كانت التسعيرة من جونية الى المطار تناهز المئة الف ليرة اصبحت اليوم تصل الى الـخمسمئة الف وحتى الى المليون. اما الحجة فهي السوق السوداء للوقود وسعر الصرف عند اصلاح السيارات.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى